في ذكرى ميلاده.. عبقرية “البنا” في تأسيس صرح “الإخوان” وإحياء الدعوة الإسلامية

- ‎فيتقارير

في 14 أكتوبر 1906م، قدر الله لهذه الأمة ميلاد مجدد الإسلام في القرن العشرين، وبمرور ما يزيد على القرن نحو 114 عاما تنتظر أمتنا مجددا على غراره، يحمل همّ الإسلام كما حمله المجددون ومنهم الإمام الشهيد العبقري الفذ بحسب "إبراهيم منير"، أو الملهم الموهوب بحسب "عمر التلمساني" أو هو الرجل القرآني كما رآه الكاتب الأمريكي روبير جاكسون، بسمتُه البسيط، ومظهرُه العادي، وثقتُه التي لا حدّ لها بنفسه، وإيمانُه العجيب بفكرته، مرجحا "كنت أتوقع أن يجيء اليوم الذي يسيطر فيه هذا الرجلُ علي الزعامة الشعبية، لا في مصر وحدها، بل في الشرق كله..".

الإخوان المسلمين الجماعة السنية الأكبر في العالم، بات اسمها قرينا بـ"البنا"، وهو كذلك، ويحاول كارهو جماعة الإخوان والإمام البنا حصرهم في محاولات حذف اسم الامام من شارع في الكويت والدمام أو على مسجد. وذلك تماما مثل ما حدث مع منزله، ففي يوليو 2016، التهم حريق مجهول منزل الإمام الشهيد "حسن البنا" مؤسس جماعة "الإخوان المسلمين" بوسط مدينة المحمودية في محافظة البحيرة دون معرفة أسبابه حتى الآن، وهو البيت الذي ولد فيه وتربى الإمام البنا بين عائلته حتى أتم مرحلة دراسته في أوائل القرن الماضي، قبل أن ينتقل بأسرته إلى محافظة القاهرة.
المثير للتعجب أنه في توقيت قريب من ذلك وتحديدا في فبراير من العام نفسه، منعت سلطات الانقلاب العزاء في سيف الإسلام نجل الإمام الشهيد حسن البنا مؤسس الجماعة الأكبر والذكر الوحيد.
وأقيمت صلاة الجنازة في ظل عدد محدود بعد صلاة الجمعة بمسجد "الرحمن الرحيم" بطريق صلاح سالم بمدينة نصر بالقاهرة، رغم أن أحمد سيف الإسلام حسن البنا المولود في 22 نوفمبر 1934، كان أمينا عاما لنقابة المحامين، عوضا عن مكانته بين الإخوان.

وتتابعت جهودهم في هذا الإطار ففي مايو 2017، أصدر وزير أوقاف الانقلاب مختار جمعة قرارا بتغيير اسم مسجد بمدينة دمنهور بدلتا مصر،  يسمى "حسن البنا" وخطيبه واتخاذ الإجراءات اللازمة بشأنه، بعدما صور اللافتة أحد الذين يتلاعب بهم إعلام الانقلاب ظنا أنهم ربحوا المعركة.
في حين يرى الإخوان أن جهد الإمام البنا موجود في مئات الرسائل والأوراق البحثية والدراسات العلمية في مصر وخارجها لن يمحى فضلا عن جهده الظاهر للعيان في جماعة الإخوان حائط الصد للمشاريع الصهيونية والأمريكية في بيت المقدس وأكناف بيت المقدسين ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم كما حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم.

نائب المرشد العام للإخوان، إبراهيم منير، قال إن "حسن البنا قتلته حكومة بلاده ظنا منها أنه يمكن القضاء على دعوته، لكن تلك الدعوة انتشرت في العالمين ومازالت ماضية في رسالتها وستظل ماضية بإذن الله".
ويلفت في ذكرى مولده تجدد الدعوات من أنصار الغرب وعملائهم إزالته اسمه وحرق كتبه، ظنا منهم أنهم بهذا قضوا على البنا وفكرته لنهضة هذا الدين يكون فيها القرآن حاكما والجهاد سبيل.

مجدد أمة
وجاء مولد الإمام البنا بوقت ظن فيه أعداؤها أن الأمة ماتت وباتت تفترس أجزائها ضباع الغرب والشرق وتفتت عظامها ضروسهم، ففوجئت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بالبنا حسن، يعتني بجيل فريد يرسم له ملامح طريق الإسلام مجددا نهج فرسان النهار ورهبان الليل، لا يكل ولا يمل من الدعوة إلى الله على بصيرة.
ونقل الشهيد سيد قطب أن أول ما لفت نظره هو ضربهم نخب اغتياله، وبدأت عرائسهم تحكم ولكن الحكم لم يمنع مدرسة الإخوان من الانتشار حتى وصلت إلى نحو 80 دولة في العالم وعربيا هي موجودة في الحكم أو قريبة منه في البرلمانات والنقابات والعمل الاجتماعي.

وفي كلمة سابقة للأمين العام السابق للجماعة، د. محمود حسين، تحدث عن نشأة البنا ومشروعه الحضاري ومعالم دعوته، فقال: "رحلَ الإمام البنا عن هذه الدنيا شهيدا بعد ملحمة كفاح حافلة بالدعوة إلى الله، كتب خلالها ميلادا جديدا لهذه الأمة، وأرسى معالم مشروع حضاري إسلامي، ينطلق بالأمة إلى آفاق المستقبل".
وأضاف أنه "عاش بالدعوة، وللدعوة، فبذل لها وقته وماله، بل وحياته كلَها، فأقبل الناس على دعوته أفواجا، وأحبه أتباعه حبّا شديدا، وكان واضحا أشدّ الوضوح، في بيان معالم دعوته، وقد صدع بدعوته، وسط ظروف بالغة الصعوبة، حيث أجواء إسقاط الخلافة ووسط حرب وحصار للإسلام".

واعتبر أن دعوة الشيخ البنا "جاءت صوتا إصلاحيا مُدويّا، يستنهضُ الهِمم، ويُوقظ الإيمان، ويعمل على عودة الوعيِ للجميع، حكّاما ومحكومين، وعلماء وأصحاب فكر، وعموم الناس، ويقوم منهاجها على كتاب الله، وسُنة نبيِّه".
وأشار إلى أنه لأول مرة في العصر الحديث، شقت الدعوة الإسلامية طريقها إلى النخبة المُثقفة، كما اهتمّت بالطبقة العاملة، وأبلت بلاء حسنا في كسب المرأة إلى جانب العمل الإسلامي الحركي.. وارتبطتْ بالجماهير، وبصّرتها بالحقائق".

محفوفة بالربانية
الشمول والربانية من أكثر الأركان التي تميز البناء الذي استطال شامخا على يد البنا حسن "الإخوان"، فهي بحسب المتحدث الرسمي طلعت فهمي أن الإمام البنا عاش "بالدعوة وللدعوة، وخاض ملحمة كفاحٍ حافلة في كل الميادين، ودفع حياته شهيدا – بإذنِ الله – ثمنا لكفاحه من أجل إعادة الأمة إلى أحضان دينها واستعادة مجد الإسلام والخلافة، وثمنا لنضاله ضد الاستعمار الصليبي والصهيوني، لكن استشهاده كان بعثا جديدا للدعوة، فبلغ مداها الآفاق".

وأردف "ما زالت الدعوة إلى الله محفوفة بعنايته، وستظل ملحمة صمود قادتها وأبنائها متواصلة بعون الله ومدده، وسيخلدها التاريخ في أنصع صفحاته، وسيظل نور الإسلام ساطعا في العالمين بإذن الله. رحم الله الإمام الشهيد حسن البنا وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء".

هل هو احتفال؟
كثير من الإخوان لا يعرف مقبرة حسن البنا أين توجد؟ وأين دفن الإمام الشهيد؟ ولكن النائب السابق عز الدين الكومي يوضح أن إحياء الذكرى سواء ميلاده أو اغتياله إنما ذلك "من باب العرفان بالجميل لهذا الرجل الذى أسس جماعة الإخوان المسلمين، والتى أصبحت أمل الأمة فى إعادة الخلافة الإسلامية، فضلاً عن أنها سعت لاستئناف الحياة الإسلامية على أسس صحيحة، وهى دعوة ربانية؛ لأنها ربانية الوجهة والمصدر".
ويرى "الكومي" أن التدرج في الخطوات، أهم ما يميز دعوة الإمام البنا، كما قال في رسالة المؤتمر الخامس: "طريقكم هذا مرسومة خطواته موضوعة حدوده. ولست مخالفاً هذه الحدود التي اقتنعت كل الاقتناع بأنها أسلم طريق للوصول، أجل قد تكون طريقاً طويلة ولكن ليس هناك غيرها. إنما تظهر الرجولة بالصبر والمثابرة والجد والعمل الدائب، فمن أراد منكم أن يستعجل ثمرة قبل نضجها أو يقتطف زهرة قبل أوانها فلست معه في ذلك بحال، وخير له أن ينصرف عن هذه الدعوة إلي غيرها من الدعوات. ومن صبر معي حتي تنمو البذرة وتنبت الشجرة وتصلح الثمرة ويحين القطاف فأجره في ذلك على الله".