غياب خطوط السيسي الحمراء.. التنقيب عن النفط في حلايب أزمة بين مصر والسودان

- ‎فيأخبار

مع ترسية مصر مناقصات للتننقيب عن النفط والذهب في مناطق ومربعات واسعة بمنطقة حلايب الحدودية، ورفض السودان التصرف الأحادي من قبل مصر، ومطالبتها بوقف التصرف في المناطق التي تعتبرها سودانية، أوقفت الحكومة السودانية عمل الشركات ودعت مصر للانسحاب من المنطقة.
وقبل ذلك وفي مارس 2019 استدعت السودان السفير المصري بالسودان وطلبت منه تقديم تفسير عن الإجراءات الحدودية التي تقوم بها مصر في المنطقة.

فبعد إعلان مصر عن عطاءات للتنقيب عن النفط في مثلث حلايب المتنازع عليه مع السودان، وهو الإعلان الذي قامت به وزارة البترول بحكومة الانقلاب بمصر، لفتح عطاء دولي للتنقيب عن النفط في منطقة مثلث حلايب الحدودية المتنازع عليها بين البلدين منذ عقود. وأكدت الخارجية السودانية أن مصر لا تمتلك أي حقوق للتنقيب عن الثروات في مثلث حلايب، وفقًا للقانون الدولي، ويعد انتهاكًا لأراضٍ سودانية، وفي بيانها طالبت مصر بوقف جميع الإجراءات المتعلقة بالعطاءات نظرًا إلى وضع المنطقة. متذرعة بأن امتياز منطقة حلايب يقع في نطاق صلاحيات وزارة النفط السودانية، وفق الخرائط المعتمدة من قبل الهيئة العامة للمساحة السودانية ووزارة الدفاع، وأن طرح شركة جنوب الوادي المملوكة لوزارة البترول المصرية لأربعة مربعات داخل الأراضي السودانية بمنطقة حلايب غير قانوني، وتدخُّل مباشر في صلاحيات وزارته المخولة بهذا العمل.
كما دعت المفوضية القومية للحدود السودانية الشركات العاملة في مجال التنقيب عن النفط لعدم التقدم إلى أي عطاءات في منطقة متنازع عليها دوليًا، إذ سيعرضهم للمساءلة القانونية.

نزاع قديم
وكانت شركة جنوب الوادي القابضة المملوكة للحكومة المصرية أعلنت في 10 مارس 2019 عن عطاءات لعشر مربعات للتنقيب عن النفط والغاز بمياه البحر الأحمر في حلايب، أقصى المنطقة الجنوبية الشرقية لمصر.

يشار إلى أن إقليم حلايب يقع تحت السيادة المصرية ولم يكن يومًا يقع ضمن السيادة السودانية، وبموجب اتفاقية 1899 فهو يخضع للدولة المصرية. وهو ما أكده عادل سليمان، الخبير القانوني الراحل، في مقابلة مع TRT عربي، إلى أن إقليم حلايب يقع تحت السيادة المصرية فهو أمر غير قابل للنقاش، وأنه لم يكن يومًا يقع ضمن السيادة السودانية، وبموجب اتفاقية 1899 فهو يخضع لسيادة الدولة المصرية.
ويقع مثلث حلايب الحدودي بين مصر والسودان أقصى الركن الجنوبي الشرقي لمصر على ساحل البحر الأحمر، وتبلغ مساحته 20.580  كيلومترًا ويقع ضمن نطاق السيادة المصرية الآن، فيما تؤكد السودان أحقية سيادتها عليه.
النزاع يعود إلى خمسينيات القرن الماضي ويتجدد مع ادعاء كل طرف أحقيته بالمنطقة، بموجب اتفاقية 1899 التي تحدد الحد الفاصل بين الأراضي المصرية والسودانية عند خط عرض 22 شمال خط الاستواء، ولذلك تقع حلايب داخل الأراضي المصرية.
وبعد استقلال السودان عن مصر عام 1956 بدأ النزاع بين البلدين بشكل فعلي عندما وضعت السودان الإقليم ضمن دوائرها الانتخابية في عام 1958، منذ هذا الحدث وهي تؤكد سيادتها على المنطقة، وتقوض استناد الحكومة المصرية إلى اتفاقية 1899 وحجتها أنها لا تعد اتفاقية دولية بموجب القانون الدولي.

عودة الخلاف
عاد الخلاف ليبرز على السطح مجددًا عام 1995 مع محاولة السودان التنقيب عن النفط في المنطقة، إلى أن دخلها الجيش المصري ليحكم سيطرته العسكرية على حلايب بالكامل.
إلى أن تفجر النزاع من جديد في إبريل 2016 عقب توقيع القاهرة والرياض اتفاقية ترسيم الحدود المائية، والتي بموجبها تنازلت مصر عن جزيرتي تيران وصنافير، مما دفع السودان للتحرك لحسم قضية حلايب، ولكن رفضت القاهرة طلبها للتفاوض أو اللجوء إلى التحكيم الدولي، ما دفع السودان إلى تقديم مذكرة إلى مجلس الأمن يطالب بأحقيته في منطقة حلايب.
في الوقت ذاته كان السودان يسعى لتعزيز علاقاته مع جارته الشمالية لتجاوز الأزمة التي يمر بها ولدعم إستراتيجي أقوى، لكن التصعيد الحالي يبقى حلقة من سلسلة الخلافات التي تمر بها العلاقات المصرية السودانية.

يشار إلى أنه في الفترة الاخيرة تتالت التصريحات السودانية ضد مصر، ومنها إعلان رئيس المجلس السيادي اللواء عبد الفتاح البرهان برفع العلم السوداني على حلايب وشلاتين، وأيضا مساء الخميس 4 نوفمبر الجاري، بإعلان وزير الخارجية السوداني المكلف "عمر قمر الدين"، أن "حلايب" سودانية وستطالب بها بلاده دون قطع العلاقات الدبلوماسية مع مصر.
وجاء ذلك في حديثه خلال منتدى نظمته صحيفة التيار السودانية مؤخرا. وعشية زيارة قام بها رئيس المجلس السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان لمصر.
وهو ما اعتبر رسالة مقصودة وموجهة بأن ثمن الانحياز السوداني للجانب المصري، في الاتفاق الأخير لعملية تشغيل وإدارة سد النهضة، المزمع توالي الاجتماعات حولها خلال الفترة المقبلة بالخرطوم، تنازل مصر للسودان عن المنطقة المتنازع عليها.

الصهاينة يضغطون
ومؤخرا قام وفد صهيوني بزيارة الخرطوم لبحث اتفاقات التطبيع مع السودان، قد أكد للوفد السوداني في اجتماعات الترتيب للتطبيع عن قناعة تفيد بأنّ منطقة حلايب من حق السودان، وأن تل أبيب بإمكانها دعم حكومة الخرطوم في هذا الملف، وهي التسريبات التي تسببت في غضب سلطات الانقلاب في مصر، وتستلزم الاستيضاح، بحسب المصادر، لا سيما بعدما تداولت وسائل إعلام سودانية صورًا لرئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو أمام خريطة للسودان تتضمن منطقة حلايب داخل حدودها.
ويبقى الأخطر أن تقدم مصر حلايب للسودان، مقابل تأييد ودعم سوداني للموقف المصري في اتفاق سد النهضة النهائي، وهو ما يزيد من تقزم مصر جغرافيا وسياسيا بعهد الانقلاب العسكري.

ويرى مراقبون أن شهية السودان انفتحت للضغط على مصر في ملف النزاع الحدودي، عقب بيع مصر لجزيرتي تيران وصنافير للسعودية، وتشدد السيسي في الدفاع عن الموقف السعودي، ولحقه تنازل مصر عن نحو 42 الف كلم من مياهها الاقتصادية لقبرص في اتفاق ترسيم الحدود في 2018، ومؤخرا بتنازل مصر عن نحو 11 ألف كلم من مياهها الاقتصادية أيضا مع اليونان، في اتفاقات رفضتها الأجهزة السيادية بنظام الانقلاب.
وهو على ما يبدو سيكون الخطوة التالية للسودان، في ظل تعاظم تعاونها مع الكيان الصهيوني، الذي يحكم سيطرته على خواصر مصر الرخوة، سواء في الشرق والجنوب والشمال.. وهو ما يزيد من معاناة المصريين مع النظام العسكري الفاشل في حماية حدوده.
ويطرح مراقبون سؤالا مهما؛ وهو أين نظام الانقلاب وخطوطه الحمراء التي أعلنها في سرت الليبية فيما تغيب عن مواقف مصر في سد النهضة وفي حلايب وشلاتين.