زيارة السيسي لفرنسا.. فاشية ماكرون في خدمة استبداد السيسي

- ‎فيعربي ودولي

بلا شك كشفت مواقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن الوجه القبيح والفاشي للحصارة الغربية، بعدما رفض خلال لقاءاته بقائد الانقلاب العسكري ربط الصفقات العسكرية بحقوق الإنسان في مصر، رغم دعوات المنظمات الغربية والعالمية والفرنسية تحديدا، برفض إمداد المستبد السيسي بالأسلحة و المعونات، حتى يجري تحسين مستويات حقوق الإنسان بمصر.
ولعل سلسلة المواقف التي تورط فيها ماكرون مؤخرا، سواء ضد النقابات العمالية الفرنسية أو ضد الإسلام والمسلمين أو ضد تركيا ودول المتوسط، تكشف إلى أي مدى انهارت قيم الحضارة الغربية خصوصا في فرنسا.
ففي الوقت الذي تتعرض فيه فرنسا لواحدة من أكبر حملات المقاطعة في العقود الأخيرة جرّاء التطاول على الرسول الكريم عليه الصلاة و السلام، والعنصرية الفجًة ضد الإسلام ورموزه، كانت زيارة عبد الفتاح السيسي لباريس والتي تستغرق ثلاثة أيام التقى فيها نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون. الزيارة قوبلت بعاصفة من الانتقادات من قبل المنظمات الحقوقية الفرنسية والعالمية بجانب ضحايا الانتهاكات التي تمارسها السلطات الانقلابية ضد المعارضين والنشطاء الحقوقيين، فيما دعت قرابة 20 منظمة حقوقية بالتظاهر الثلاثاء تنديدًا باستقبال السيسي فوق التراب الفرنسي.
التوقيت الذي قرر فيه السيسي كسر العزلة الفرنسية من قبل الأنظمة العربية والإسلامية المنتفضة ضد الإساءة لنبي الإسلام كان مثار جدل كبير لدى البعض حول الدوافع الحقيقية وراء تلك الزيارة التي تزامنت مع ارتفاع معدلات إصابة الفرنسيين بفيروس كورونا المستجد، وهو الأدعى بإعادة النظر في هذه الخطوة، الأمر الذي أثار الشكوك لدى كثير من المراقبين.
يذكر أنه على المستوى الرسمي ، كانت القاهرة ومعها أبو ظبي بجانب الرياض وتونس، على رأس الدول العربية التي أبدت كامل دعمها لفرنسا في مأزقها الحالي. ومع تصاعد تداعيات حملات المقاطعة على الاقتصاد الفرنسي رغم التقليل من شأنها بداية الأمر، وجد ماكرون نفسه في مأزق، فكان اللجوء إلى حلفائه في المنطقة، وعليه جاءت تلك الزيارة المفاجئة وإن لم تكن المستغربة، والتي تندرج تحت إطار "مساحيق التجميل" للنظام الماكروني وتخفيف حدة العزلة التي يتعرض لها من شعوب الشرق الأوسط.. لكن يبقى السؤال: ما المقابل الذي يمكن أن يحصل عليه نظام السيسي من وراء القيام بهذا الدور الذي من المتوقع أن ينضم إليه ممثلون آخرون خلال الأيام القادمة؟
مقابل بخس
وأمام الضغوط الداخلية والخارجية، اضطر كل من السيسي وماكرون للحديث عن أزمة الرسوم المسيئة وجدلية حرية التعبير، ورغم مساعي السيسي إثارة تلك القضية من باب ذرء الرماد في العيون إلا أنه في الجهة الأخرى واصل التحريض على الإسلاميين في أوروبا بالتزامن مع حملة فرنسية تجاههم. وخلال المؤتمر الصحفي الإثنين 7 ديسمبر، أشار السيسي إلى أن قضية الرسوم جرحت مشاعر ملايين المسلمين، معربًا عن تفهمه للقيم الإنسانية التي تحكم المجتمع الفرنسي إلا أنه لم يوجه انتقادًا مباشرًا لباريس حيال تلك الأزمة، مكتفيًا بالإشارة إلى أن القيم الدينية أسمى من القيم الإنسانية.
إلا أن ماكرون لم يترك الفرصة هو الآخر ليغازل علمانية شعبه وشعوب أوروبا من خلال التأكيد على أنه لاشيء يعلو في فرنسا فوق القيم الإنسانية، منوهًا ان القيم الدينية ستجعل من بلاده دولة دينية، وهو أمر مرفوض بالنسبة له، وهو الذي كان قد أشار في وقت سابق إلى أنه رغم الهبًة الإسلامية ضد الرسوم لكنه لم يوقفها.
من جانبه، السيسي أراد مغازلة الشارع المسلم عبر التأكيد على تأثير الرسوم السلبي على مشاعر الملايين من المسلمين، فيما عزف ماكرون على أوتار قيم بلاده والتي لا يمكن أن تتأثر بأي رد فعل هنا أو هناك، فيما تبادل كلاهما الابتسامات العابرة التي توحي بشعور كليهما بانتصار وهمي من خلال هذا المؤتمر.
ويبدو أن الشعبوية الترامبية باتت مصدر إلهام للعديد من الزعماء الغربيين، لاسيما بعد النجاحات التي حققها الرئيس الأمريكي بسبب تلك الإستراتيجية التي أنعشت خزائن بلاده وحققت أهدافها الخارجية من خلالها، وإن تأثرت بشكل أو بآخر بأسلوب إدارته للحكم والتي أودت به في نهاية المطاف إلى خارج البيت الأبيض.
ترامب الذي غض الطرف عن الانتهاكات الحقوقية السعودية والمصرية منذ قدومه، رغم الانتقادات والتقارير الحقوقية الدولية، في مقابل إبرام عشرات الصفقات العسكرية والتجارية والسياسية، التي جنى من خلالها مئات المليارات من الدولارات، يبدو أنها أسالت لعاب الحكومة الفرنسية كذلك. ففي الوقت الذي تقدم فيه ما يقرب من 15 برلماني فرنسي بجانب 222 آخرين في البرلمان الأوروبي قبل شهرين، مذكرة احتجاج للرئيس الفرنسي، للتنديد باستقبال السيسي في ظل استمرار الانتهاكات ضد المعارضة في بلاده، إلا أن ماكرون لم يلق لها بالا.

إجراءات قاسية

ماكرون الذي يعاني من أزمة اقتصادية حادة اضطرته إلى اتخاذ بعض الإجراءات القاسية ضد شعبه، أسفرت عن تصاعد الاحتجاجات ضده، يسعى بأي طريقة إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه، إلا أنه في الوقت الذي يسعى فيه لتخفيف الآثار السلبية لجائحة كورونا على اقتصاد بلاده إذ به يتعرض لحملة مقاطعة غير مسبوقة بسبب توجهاته العنصرية.
وأمام هذه الوضعية كان لابد من التنازل في مقابل تقليل حجم الخسائر، وعليه تراجع ملف حقوق الإنسان في قائمة أولويات باريس إزاء تعاملها مع الأنظمة الديكتاتورية في الشرق الأوسط، ومن بينها الملف المصري، وهو ما كشفته تصريحات ماكرون خلال اللقاء الذي جمعه مع السيسي.
الرئيس الفرنسي وبكل وضوح قال "إنه لن يربط مبيعات الأسلحة الفرنسية لمصر بسجلها في حقوق الإنسان، لأنه لا يريد إضعاف قدرة القاهرة على محاربة الإرهاب في المنطقة" وهو التصريح الذي فسره مراقبون بأنه اتفاق ضمني مع القاهرة على المضي في سياستها الانتهاكية نظير إنعاش الخزائن الفرنسية بالصفقات التي يبدو أنها لن تقتصر على السلاح وحسب.
ومن ثم يمكن اعتبار زيارة السيسي وهو يمثل دولة بحجم مصر سيكون لها ارتدادات سياسية واقتصادية إيجابية تجاه باريس في ظل المقاطعة المتصاعدة، ومن المتوقع أن توظف الحكومة الفرنسية تلك الزيارة لتبرئة نفسها أمام العالم من الانتقادات الموجهة لها.
السيسي سعى لتحقيق عدة أهداف من وراء تلك الزيارة، التي لها شقان: سياسي واقتصادي، الأول يتعلق بتعميق العلاقات بين نظام الانقلاب في مصر والعواصم الأوروبية وعلى رأسها باريس التي يتوقع منها السيسي أن تكون حاملة للواء الدفاع عنه أمام الانتقادات الحقوقية الأوروبية والمتصاعدة منذ قدوم السيسي. فالتقارب السياسي بين القاهرة وباريس عززه تقاطع الملفات بينهما على رأسها الملف الليبي وشرق المتوسط، وفوق كل هذا الموقف العدائي من تركيا، فيما يشير البعض إلى أن هذا التناغم الذي يضم كذلك اليونان وقبرص هو من باب النكاية السياسية ضد أنقرة.
فالتغاضي عن ملف حقوق الإنسان في مصر وهو الملف الأكثر إزعاجًا وحرجًا للنظام الحالي مكسب سياسي كبير حال تحقيقه سيكون له دور كبير في ترسيخ أركان هذا النظام العسكري لعقود طويلة قادمة، حتى بعد رحيل ماكرون، وهو أحد أبرز الأهداف التي يسعى السيسي لتحقيقها من تلك الزيارة. كذلك يمكن السيسي بعد الزيارة لفرنسا مهاجمة التنظيمات الاسلامية بقوة في كافة مناطق العالم، بدعم من التيارات العلمانية في أنحاء العالم. وهو ما برز في خطاب السيسي حينما غازل العلمانيين في فرنسا بقوله إنه "يحارب تنظيمًا متطرفًا متجذر في مصر من 90 سنة"، وذلك في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين، مضيفًا "نحن أمة تجاهد من أجل بناء مستقبل لشعبها في ظروف في منتهى القسوة في منطقة شديدة الاضطراب"! وتجاهل كما تجاهل الفرنسيون أيضا أن هذا التنظيم حصل على ثقة الشعب المصري في أنزه انتخابات في تاريخ مصر كله وجرى الانقلاب على إرادة الشعب من جانب السيسي الذي قاد الانقلاب العسكري وبتواطؤ غربي على رأسه فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.