“المعهد المصري”: هل تغير أمريكا من سياسة دعم “الديكتاتور” أم تنتظر غضبة شعبية موسعة؟

- ‎فيعربي ودولي

قللت دراسة أعدها موقع "المعهد المصري للدراسات" بإسطنبول من تأثير الرهان على اتجاه إدارة بايدن لممارسة ضغط حقيقي على نظام السيسي لإحداث تغيير في سياساته الاستبدادية، واعتبرته رهانا يحتاج لإعادة نظر، استنادا لعدة اعتبارات.
وأفادت الدراسة، التي جاءات بعنوان "سياسة بايدن والملف المصري: المحددات والتوجهات" وأعدها د. عصام عبد الشافي ود. عمرو درّاج أن الاحتمالات الأكبر هي أن تظل التغييرات في السياسة الخارجية الأمريكية لإدارة بايدن تجاه مصر قاصرة على مستوى الخطاب ولن تشكل تغييرا حقيقيا في العلاقات السياسية معها، بحيث تقوم إدارة بايدن بتوجيه بعض الانتقادات بين الحين والآخر إلى سياسات القمع التي يقوم بها نظام السيسي لبعض شخصيات المعارضة والنشطاء السياسيين وخاصة من الليبراليين فقط، ولن تتعاطى بفعالية مع أي ملفات تخص التيارات السياسية ذات المرجعية الإسلامية.

ومن بين الاعتبارات المرجحة لرؤى مختلفة بشان موقف بايدن من السيسي، وفقا للدراسة:

1ـ العلاقة الإستراتيجية بين واشنطن والقاهرة، حيث تشكل المصالح الإستراتيجية الأمريكية أولوية لأي إدارة أمريكية، حتى لو كان ذلك ينطوي على التعاون مع الأنظمة الاستبدادية.

2ـ لدى نظام السيسي مجالا للمناورة، بما يدفع الولايات المتحدة للحرص على استمرار العلاقات معه، رغم علاقات السيسي والجيش مع الروس عسكريا وتجاريا واقتصاديا، وتعزيزه العلاقات مع الصين، في القضايا التجارية والمالية والاقتصادية.

3ـ  بايدن سيواجه شرق أوسط يعاني من استقطاب أشد مما كان عليه الوضع في ظل إدارة أوباما، وقد يواجه مقاومة من قبل حلفاء واشنطن في المنطقة، من أجل الاستمرار في انتهاج سياستهم الخاصة، ويمكن أن تجد الإدارة الجديدة نفسها مضطرة إلى التمسك الخطابي بمبادئ وقيم الديمقراطية، ولكن من دون تحقيق أي منها.

4ـ استمرار النهج الأوبامي في السياسة الخارجية، فكما فعل أوباما، يمكن أن تتحدث إدارة بايدن من وقت لآخر عن حالات فردية محددة يتردد صداها مع قطاعات من الجمهور الأمريكي، فقد سُجن محمد سلطان وتعرض للتعذيب في مصر من أغسطس 2013 إلى مايو 2015 بسبب احتجاجه على انقلاب 3 يوليو 2013، وتدخلت إدارة أوباما بقوة لتأمين إطلاق سراحه، لكن ذلك جاء بعد إضرابه عن الطعام لمدة 489 يوما.

ضغوط متوقعة
الدراسة المطولة تحدثت بالمقابل عن إمكانية ممارسة إدارة بايدن لمستويات ما من الضغوط على نظام السيسي، وذلك لعدة أسباب أهمها: شعور الديمقراطيين بتضاؤل أهمية مصر كشريك للولايات المتحدة، كما أن بعض مستشاري بايدن يعتقدون أن نهج السيسي الخشن قد يؤدي إلى نتائج عكسية فقد يٌشجع على التطرف ومزيد من العنف وهو ما قد يهدد على المدى البعيد الأمن والاستقرار في مصر والمصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة.
وأضافت الدراسة إلى هذا الجانب تصاعد الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي ومواقفه من الديكتاتوريات، من ناحية، ووجود اتجاه متنام في أمريكا يعتقد أن الاطار الحالي لعلاقة الشراكة بين الولايات المتحدة ومصر ينتمي للماضي، ولا يجسده حاضر العلاقة وما تشهده من أزمات، وأن مصر فقدت، أهميتها الإستراتيجية في المنطقة والعالم، لحساب دول أصغر منها، من ناحية ثانية.
أما ثالث هذه الجوانب تصريحات بايدن وبرنامجه الانتخابي المتعددة حيث "تعهد بإعادة الديمقراطية إلى جدول الأعمال بعد أربع سنوات من ممارسات ترامب مع النظم الاستبدادية، كما وعد باستضافة تجمع لديمقراطيات العالم لإظهار التزامه بالقيم الديمقراطية في كل من الخارج والداخل"، وقالت إنه إذا كان جادا في ذلك فإن البداية يجب أن تكون في الشرق الأوسط، ومن مصر، لأنها مفتاح التغيير الديمقراطي في المنطقة.

 أسباب تتعلق بالسيسي
ومن الأسباب التي أشارت الدراسة أنها تتعلق بالسيسي تراجع شعبيته في ظل التدهور المعيشي للمصريين، وإفراطه في القمع وتضرر الدعم الخليجي عقب انهيار أسعار النفط منذ بداية 2020، وآخر المستجدات المؤثر الإضافي لتراجع الدعم هو: المصالحة الخليجية.
وأضافت لهذه التحديات أزمة اقتصادية غير مسبوقة، مرشّحة للتفاقم في 2021، تتمثل بانهيار عائدات مصر من العملات الأجنبية من قناة السويس والسياحة وتحويلات العاملين في الخارج، واستمرار كورونا، وتضاعف الديون الخارجية إلى 124 مليار دولار، وسط توسع هائل للجيش في النشاط الاقتصادي.

جدل حول مصر 

وربطت الخلاصات التي قدمتها الدراسة بين جدل دائرة في أمريكا وتحول مصر لدولة فاشلة، وهو خشية الأمريكيين من أن يصعب على المجتمع الدولي تحمل كلفة إنقاذها من فشلها الاقتصادي والسياسي المزمن، وإذا اتسع نطاق هذا الجدل، عند إعادة تقييم أولوية مصر في السياسة الخارجية لإدارة بايدن، فإن نظام السيسي سيواجه أزمة حقيقية، لن تقف عند حدود ملف المساعدات الاقتصادية أو العسكرية التي تحصل عليها من الولايات المتحدة، والتي يتم استخدامها كورقة بين الحين والآخر للضغط على النظم السياسية والعسكرية في مصر.
رهان مطلوب
ودعت الدراسة إلى رهان جديد يتمثل في قبول إدارة بايدن بتغيير حقيقي وانتقال ديمقراطي في مصر، على حدوث انتفاضة شعبية أو حراك سياسي فاعل ومؤثر في مصر، ووجود بديل سياسي قوى يمتلك مشروعا واضحا لإدارة وقيادة عملية الانتقال، هنا يمكن أن تتخلى إدارة بايدن عن السيسي، كما فعل أوباما مع مبارك عام 2011، ليس من باب دعم التغيير والانتقال الديمقراطي، ولكن من باب إدارة هذا الانتقال بما يتفق والمصالح الإستراتيجية الأمريكية في مصر والمنطقة.