الأرض لا تشرب الدم يا كبير

- ‎فيمقالات

مجزرة رابعة ، مجزرة ترقى إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية، كما وصفتها بذلك منظمة "هيومن رايتس ووتش". هذه المجزرة التي وثقتها آلات التصوير، وشاهدها العالم على الهواء مباشرة بالصوت والصورة من خلال البث الحي المباشر. فقد شاهد العالم كله قيام أفراد الشرطة والجيش، على نحو ممنهج، بإطلاق الرصاص الحي على المعتصمين السلميين من رجال ونساء وأطفال. حيث شهد ميدان رابعة استشهاد أكثر من ألف من المعتصمين، وجرح الآلاف في حملة قمعية ممنهجة.

ومع ساعات الصباح الأولى هاجمت قوات الأمن اعتصام "رابعة" من كل جانب بالجرافات والمدرعات والمجنزرات والقناصة، وكأنها تخوص حربا ضد الصهاينة، وأمطرت المعتصمين والمرافق الطبية الميدانية بوابل من الرصاص، وانتشر القناصة على أسطح البنايات القريبة، فضلا عن الطائرات المروحية التي كانت تدور حول الميدان وتقذف بالرصاص في كل جانب. فضلا عن إشعال النار في المستشفى الميداني والطابق الأول من مستشفى رابعة، ومسجد رابعة، وإلقاء المصاحف في المجاري والبلاعات.

وهناك شهادات موثقة ومشاهد مصورة وتقارير طبية رسمية، وأعداد القتلى ونوع الإصابات التي كان غالبها في الرأس والصدر والعين، تفيد بتعمد الانتقام من المعتصمين السلميين.

وبعد سنوات من المجزرة يحاول جهاز المخابرات بمحاولة مكشوفة لطمس معالم الجريمة، وهو مايؤكد شعور نظام الانقلاب بالخزي والعار من هذه المجزرة. فلجأ إلى مشخصاتية مشهورين لعمل الجزء الثانى من مسلسل "الاختيار" لعرض رواية الداخلية المكذوبة، والكل يعرف روايات الداخلية في كل ماتقوم به، من منطلق نظرية "معزة ولو طارت"، وكما حدث في رواية تعذيب وقتل الباحث الإيطالى "جوليو ريجينى"، وماقامت به من تصفية خمسة مصريين بزعم أنهم قتلوه. والقصد من تأليف مسلسل من إنتاج المخابرات، برواية باطلة، أن ينفض عن يديه دماء شهداء رابعة لكن هيهات.

ستظل الدماء التي سالت والأرواح التي أزهقت، معلقة في رقبة كل من شارك فيها ولو بشطر كلمة. فهل قيام  مشخصاتي فقد ضميره وإنسانيته يمحو آثار هذه الجريمة، الثابتة في سجلات العدل الإلهية؟ 

وإذا كان الفن رسالة كما يزعم هؤلاء، فأين رسالة الفن في تزييف الحقائق. لأن جزاء الولوغ في الدماء المعصومة، جزاؤه غضب الله ولعنته، ودخول النار، والعذاب الشديد، كما قال تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93].

ويقول صلى الله عليه وسلم: "والَّذي نفسي بيده لقَتلُ مؤمن أعظم عند اللَّه من زوال الدُّنيا"، وستحل لعنة دماء رابعة على كل من ساهم وشارك ودعا وحرض من إعلام مسيلمة الكذاب، كما قال الشيخ سلمان العودة، فك الله أسره، في تغريدته الشهيرة "غمة مصر": "ألا أيها المستبشرون بقتلهم أطلت عليكم غمة لاتفرج". فهل عمل مسلسل بإنتاج مخابراتي يمكنه تزييف التاريخ، وجعل الباطل حقا.

ولعل مشهد الطفل الذي يبكي وهو ينادي على أمه بعد أن تم قنصها من القناصة المجرمين قائلا: " اصحى يا ماما.. يا ماما.. اصحي بالله عليكي".. هذه العبارة كفيلة لتوضح حجم المأساة والإجرام الذي مارسه العسكر في هذا اليوم!

وهل يمكن أن أن تكون صورة هذا الإرهابى الصغير، الباكي على أمه التي تم قنصها من أحد المجرمين، يمكن أن يظهر مع المشحصاتي أحمد مكي؟ أم أن الأم الإرهابية المسجاة على الأرض وهي غارقة في دمائها ستفضح كل مشخصاتي فقد إنسانيته وضميره؟ أم أن اعتصام رابعة كان مجرد اعتصام لمجموعة من الإرهابيين الذين لا حقوق ولا بواكى لهم؟

كما أن برلمان العسكر، أقر قانونا عجيبا، هو قانون معاملة بعض قادة الجيش، في 16 يوليو 2018، وبمقتضى هذا القانون، يُحظر مباشرة التحقيق أو اتخاذ إجراء قضائي عن أي فعل ارتُكب أثناء تأديتهم لمهامهم، أو بسببها بين 3 يوليو 2013 و8 يونيو 2014 إلا بإذن من المجلس الأعلى للقوات المسلحة.

لكن هيهات، فهذه الجرائم لن تسقط بالتقادم، وحتما سيتم القصاص العادل من القتلة والمجرمين، إن لم يكن في الدنيا ففي محكمة العدل الإلهية. وكل مشخصاتي فقد ضميره وإنسانيته يدعم الباطل بزعم أنه "عبد المأمور" لابد أن يتذكر أنه عبد لله.

كيف تقبل أن تدعم القتلة المجرمين مقابل حفنة من المال؟ فالمال يفنى ويبقى الإثم. بفعلك هذا سوف تساعد في طمس الحقائق وتزوير التاريخ وتدعم الانقلاب ضد إرادة الشعب.

يا كبير رابعة.. دم وثأر والأرض لاتشرب الدم. 

ياكبير رابعة.. مذبحة لم ولن تسقط بالتقادم، فليذهب كل مشخصاتي خائن عميل إلى مزبلة التاريخ.