3 نتائج تحققت.. “سيف القدس” تنتصر على الاحتلال والمقاومة تفرض معادلة جديدة للصراع

- ‎فيعربي ودولي

النتيجة الأهم في العدوان الصهيوني الأخير على غزة أن المعركة التي أطلقت عليها المقاومة الفلسطينية "سيف القدس" وضعت أوزارها بعد أن تكبد جيش الاحتلال أكبر هزيمة مذلة في تاريخ الكيان الصهيوني منذ إنشائه في 15 مايو 1948. اضطرت حكومة الاحتلال إلى وقف إطلاق النار من جانب واحد دون أن تحقق أيا من أهدافها، بينما نجحت المقاومة في حماية المسجد الأقصى والمرابطين فيه، وصد اعتداءات الاحتلال.
بعد أن وضعت الحرب أوزارها، شنت الصحافة والمراسلون والمحللون الإسرائيليون هجوما حادا على أداء حكومة بنيامين نتنياهو وجيش الاحتلال الإسرائيلي في حرب غزة بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار بدءا من الساعة الثانية فجر يوم الجمعة 21 مايو2021م، بعد 11 يوما من القتال، معتبرين أن المبادرة الإسرائيلية بوقف إطلاق النار من جانب واحد هي إقرار بالهزيمة أمام حماس التي سجلت في هذه الحرب أداء سياسيا وعسكريا لافتا، مقابل تراجع الحكومة الإسرائيلية.
جاء هذا نتيجة لعجز الحكومة الإسرائيلية في رأيهم عن تحقيق إنجاز عملياتي خلال هذه الحرب، والمتمثل بالوصول إلى قادة الجهاز العسكري لحركة حماس الذين وضعتهم إسرائيل على قائمة الاغتيال وأبرزهم محمد الضيف أو نائبه مروان عيسى أو يحيى السنوار زعيم الحركة، أو بضرب البنى التحتية لصواريخ حماس التي لم تتأثر نظرا لاستمرار إطلاق الصواريخ على المدن الإسرائيلية حتى الدقائق الأخيرة من سريان قرار وقف إطلاق النار.
يقول رون بن يشاي، الخبير العسكري الإسرائيلي، إن "الأهداف الإستراتيجية للحرب على غزة لم تتحقق بعد، ورغم ضراوتها، لكنها لم تنجح بإقامة ردع ثابت وطويل الأمد للمنظمات المسلحة، التي باتت قيادتها قريبة من تزعم المنظومات السياسية والوطنية والدينية للفلسطينيين أينما كانوا، بما في ذلك 48". فلم تتوقف صواريخ المقاومة في غزة من السقوط في المدن الإسرائيلية طوال أيام الحرب، بل إن مستوى الصواريخ من حيث مداها وصل لأول مرة لمناطق تبتعد 250 كيلومترا عن قطاع غزة، أو من حيث كثافتها وعددها التي وصلت لـ4300 صاروخ خلال 11 يوما، وهو نفس عدد الصواريخ التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية في حرب العام 2014 التي استمرت 51 يوما. ويعكس هذا التطور النوعي لحماس فشل المنظومة الأمنية والاستخبارية الإسرائيلية التي لم تكن تتوقع أن تمتلك حماس صواريخ بهذا الشكل، كما أن تسيير حماس للمعركة وتحكمها في مستوى التصعيد بإدارة دفة المواجهة لصالحها عبر تشتيت الجيش واستنزافه، أسقط مفهوم الردع الإسرائيلي بصورة كبيرة.

القدس في حماية المقاومة
بعد أن وضعت الحرب أوزارها فإن المقاومة تكون قد فرضت معادلة جديدة للصراع؛ فقد أصبحت القدس والمسجد الأقصى ولأول مرة تحت حماية فصائل المقاومة، ولم يعد قطاع غزة معزولا عن محيطه الفلسطيني، بل أصبح يتولى مهمة حماية الكل الفلسطيني. يمكن القول إن الفلسطينيين رسموا جميعا ــ باستثناء السلطة الفلسطينية التي مردت على النفاق والتنسيق الأمني مع الاحتلال ــ لوحة نضالية احتوت على جميع صور الجمال الإنساني ضد الظلم والطغيان والاحتلال وأصبحت تمثل أيقونة عربية إسلامية يجب دعمها بكل الوسائل حتى تؤتي ثمارها بتحرير الأرض والمقدسات.
خلال الــ11 يوما فشل جيش الاحتلال ــ رغم إمكاناته الهائلة ـ في الوصول إلى شبكات الأنفاق أو مخازن الأسلحة أو توجيه ضربة كبيرة لحركة حماس أو اغتيال بعض قادتها الكبار مثل محمد الضيف قائد كتائب القسام أو يحيى السنوار رئيس الحركة في قطاع غزة، لكنها فشلت ومنيت بخسائر أكبر بكثير من تلك التي تكبدها الفلسطينيون، فقد اندلعت انتفاضة شاملة في كل الأرض الفلسطينية بما فيها داخل الأراضي المحتلة عام 1948، وهذا يحدث لأول مرة، وانتفض الرأي العام العالمي ضد الاحتلال، وفي المقابل تبين أن الاحتلال ليس لديه أي أهداف في غزة ولم يتمكن من الوصول إلى أحد، سوى إلى النساء والأطفال والمدنيين الأبرياء ومبانٍ تستخدمها وسائل الإعلام.
تنتهي هذه المعركة والمسجد الأقصى لا يزال مغلقا أمام المستوطنين الصهاينة وأمام قوات الاحتلال، بينما أدى فيه الفلسطينيون صلاتهم واحتفلوا بانتصاراتهم وصمودهم، وهو ما يعني أن الحرب وضعت أوزارها على هذه المعادلة الجديدة، التي تُفيد بأن الاعتداء على المصلين في الأقصى سيأتي الرد عليه من غزة. ولأول مرة، فإنه كما أن السلاح الإسرائيلي يطول كل الفلسطينيين، فصواريخ الفصائل كذلك باتت قادرة على الوصول إلى كل التجمعات الإسرائيلية. إنها معادلة جديدة بامتياز، ولم يسبق أن حدثت منذ العام 1948.

المقاومة تنتصر على أوسلو
أما النتيجة الثانية المهمة التي انتهت إليها معركة "سيف القدس"، فهي أنها وحدت كل الفلسطينيين خلف المقاومة باستنثاء الحفنة القليلة من عصابة رئيس السلطة محمود عباس الذين يصرون على ضلالهم في السير خلف أوهام اتفاق أوسلو، غير مدركين أن السلام يتحقق بقوة الردع وتوازن الرعب، حينها فقط يتحقق السلام وليس بالأدوات السلمية التي لا تصلح سوى لمعارضة الحكام المستبدين داخل الدولة الواحدة وليس لتحرير الأرض من احتلال عنصر استيطاني كإسرائيل . هذه الحرب وحدت جموع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة والقدس ومن هم داخل الخط الأخضر، والفلسطينيون في الشتات، وجمعت كلمة اللاجئين الفلسطينيين في الخارج، وأعادت القضية الفلسطينية إلى واجهة الاهتمام العربي، وهذا فشل استراتيجي كبير لمشروع الاحتلال الذي يقوم على تقسيم المنطقة وتفتيت الفلسطينيين، وبدأ بزرع بذور الانقسام بينهم وبين محيطهم العربي أولا، ثم الانقسام الداخلي ثانيا، سواء بين الفصائل أو بين الضفة والقطاع.
النتيجة الثالثة المهمة لهذه المعركة، هو أن السلطة الفلسطينية غابت وتبخرت وأثبت الفلسطينيون -خاصة في الضفة الغربية- أن من الممكن تجاوزها، وأنها ليست قدرا محتوما للحيلولة دون الاشتباك مع الاحتلال، وما المطلوب من القيادة الفلسطينية سوى إعادة ترميم منظمة التحرير وحركة فتح والعودة للالتحام مع الشارع، وعدم التمترس وراء "سلطة تحت الاحتلال" قامت على أساس "التنسيق الأمني". ثمة الكثير من النتائج والإنجازات لهذه المعركة، والمهم الآن هو البناء عليها والتعامل مع المشهد الفلسطيني الجديد على أساسها.