لتحصين “السيسي” بالخارج.. تعديل قانون المحكمة الدستورية لتصبح أداة بيد سلطة الانقلاب

- ‎فيأخبار

في عبث قانوني جديد يُهين مكانة مصر، ويفقد قضائها الاستقلال المعروف لعهود سابقة، وافقت اللجنة التشريعية في مجلس نواب العسكر نهائيا على مشروع مقدم من حكومة الانقلاب بتعديل بعض أحكام قانون المحكمة الدستورية رقم 48 لسنة 1979، عقب استطلاع رأي المحكمة نفسها، يهدف إلى منحها حق الرقابة القضائية على دستورية قرارات المنظمات والهيئات الدولية، وأحكام المحاكم وهيئات التحكيم الأجنبية، المطلوب تنفيذها في مواجهة الدولة المصرية، والحكم بعدم الاعتداد بمثل هذه القرارات، أو بالالتزامات المترتبة على تنفيذها.
السبب الرئيس لتقديم هذا المشروع ، بحسب مصادر قضائية، هو تخوف حكومة الانقلاب من صدور أحكام وقرارات تنفيذية عن منظمات دولية ودول أجنبية، على خلفية بعض الدعاوى القضائية المرفوعة ضد نظام الانقلاب، وبعض قياداته بصفاتهم وأشخاصهم في الوقت الحالي.

مخاوف الانقلاب 

كما تتخوف سلطة الانقلاب كذلك من صدور أحكام ضدها عن هيئات تحكيم دولية مخالفة لما ترنو إليه في عدد من المنازعات ذات الطبيعة الاقتصادية، بالإضافة إلى ما يمكن صدوره من أحكام وقرارات خاصة بتنفيذ القاهرة التزاماتها الحقوقية، في إطار الحريات الشخصية والعامة، بموجب المعاهدات الدولية التي وقعت عليها في فترات سابقة، كما يجري حاليا مع حازم الببلاوي رئيس حكومة الانقلاب العسكري وقت فض اعتصامي رابعة والنهضة، حيث تُنظر دعاوى قضائية ضده في أمريكا.
ونص التعديل الكارثي على "حق رئيس الوزراء في التقدم بطلب إلى المحكمة الدستورية للنظر في عدم الاعتداد بقرارات المنظمات الدولية، وأحكام المحاكم وهيئات التحكيم الأجنبية، شرط أن يُبيّن في الطلب النص أو الحكم الدستوري الذي يخالفه قرار المنظمة والهيئة الدولية، أو حكم المحكمة الأجنبية".
وسجل بعض أعضاء اللجنة ببرلمان العسكر، منهم النائبين سليمان وهدان، وضياء الدين داوود، اعتراضهما على مشروع القانون، مطالبين بدعوة خبراء التحكيم الدولي إلى اللجنة، للاستماع إلى آرائهم، ومعرفة ما إذا كان التعديل يتعارض مع الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر أم لا؟.
وطرحت حكومة الانقلاب مشروع تعديل قانون المحكمة الدستورية بغرض تمكينها من وقف تنفيذ الأحكام والقرارات الصادرة عن محاكم ومنظمات وهيئات دولية ذات طبيعة سياسية أو قضائية في مواجهة الدولة المصرية، أو التي ترتأي السلطة الحاكمة في مصر أنها تخالف الدستور أو التشريعات المحلية.
واستهدف تعديل القانون قطع الطريق على أي حكم ضد مصر، أو قرار ملزم لها بأداء مستحقات، أو تعويضات مالية، أو أدبية، أو الالتزام بنصوص معينة من معاهدات دولية، أو توقيع عقوبات تتطلب رفع الضرر الواقع على أشخاص، أو أطراف أو جهات، من خلال تقدم رئيس الوزراء بطلب إلى المحكمة الدستورية لوقف تنفيذ تلك الأحكام أو القرارات بحجة مخالفتها للدستور المصري.
تعديل مخالف لاتفاقية فيينا

ويعتبر التعديل مخالفا بشكل صريح لاتفاقية فيينا التي وقعت مصر عليها بشأن المعاهدات الدبلوماسية، والحاكمة لجميع اتفاقات الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها، والتي تسمح للدول بالتحفظ على بعض مواد أو بنود الاتفاقيات التي توقع عليها، ليكون تنفيذها مُقيدا بالنصوص الدستورية المحلية، لكنها تحظر وقف تنفيذ القرارات والأحكام الخاصة بتلك الاتفاقيات، أو المترتبة عليها بأحكام قضائية محلية.
وكانت قد وافقت الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العليا، يوم 9 يونيو الجاري، على مقترح لحكومة الانقلاب بتعديل قانونها؛ ليشمل زيادة اختصاصاتها لتمتد إلى الرقابة على قرارات المنظمات والهيئات الدولية وأحكام المحاكم وهيئات التحكيم الأجنبية الصادرة ضد مصر، في ما يتعلق بالأمن القومي، وتحديد ما يتم تنفيذه منها.
ويُعدُّ التعديل ، وفق دستوريين وقضاة سابقين، إقحاما من الحكومة للمحكمة الدستورية في شؤون السياسة، وتجاوز لدورها المنصوص عليه في الدستور، كمحكمة تراقب تنفيذ مواده داخل الإقليم المصري، وتحايلا على الالتزام الدستوري الخاص باحترام الاتفاقيات والمعاهدات الدولية.
في غضون ذلك، اعتبر رئيس إحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا أن التعديلات تخالف الدستور، وتضر بسمعة مصر خارجيا، وبسمعة المحكمة الدستورية العليا، وتجعل منها أداة في يد الدولة لحل نزاعاتها الخارجية.
إذ أن إخضاع القرارات الصادرة عن المنظمات والهيئات والمحاكم الدولية، لرقابة المحكمة للتأكد من اتفاقها من عدمه مع أحكام الدستور المصري، هو أمر غير مُتصور، لأن علاقة مصر بالدول والهيئات ومراكز التحكيم الأجنبية هي علاقة محددة باتفاقيات، ومعاهدات، وعقود شراكة، واتفاقيات تعاون، وكل اتفاق منهم يتضمن آلية للاعتراض على قراراته، وانضمام مصر لتلك الاتفاقيات والمعاهدات يتبعه التزامها دوليًا شأن باقي الدول المشاركة فيها في تنفيذ بنودها حتى في حالات النزاع.
كما أن الدستور المصري يُلزم باحترام الاتفاقات والعهود والمواثيق الدولية.
من جانبه، تخوّف رئيس المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، ناصر أمين" من التعديلات التي وصفها بغير المشروعة، وشدد على أنها تُعرّض قضاة «الدستورية» لضغوط سياسية في مسألة تقدير الأحكام ،أو الأدوار التي يقومون بها للحكومة، معتبرًا أن التعديلات تتجاوز دور المحكمة الدستورية المُحدد دستوريًا كمحكمة مصرية تعمل تحت ظلال أحكام الدستور المصري في الإقليم المصري".
واعتبر أمين :"أن أضرار التعديلات الأخيرة أكثر من فوائدها للحكومة الراغبة في التحايل على التزامتها الدولية، مشيرا إلى أنه في ما يتعلق بسمعة مصر، 13

فإن إقرار تلك التعديلات على قانون المحكمة الدستورية من شأنه أن يؤثر بدرجة مُخيفة على كل اتفاقيات التعاون الدولي المبرمة بين الحكومة المصرية وحكومات العالم، خاصة في ما يتعلق بتنفيذ الأحكام الأجنبية، لأنه سيكون معروفا سلفا أن مصر تستطيع أن ترفض تنفيذ أحكام مراكز التحكيم والمنظمات الدولية من خلال إحدى محاكمها، رغم أن مصر نفسها قد تلجأ إلى أي من جهات التحكيم العالمية في يوم من الأيام لاستصدار حكم ضد دولة أخرى اعتدت على حقوقها المالية أو غيره".
وفي ما يخص «الدستورية»، قال أمين :"إن منح هذا الاختصاص للمحكمة سيترتب عليه أحكام من جانب واحد تخاطب الحكومة المصرية، وليس لها أي صفة تنفيذية بالنسبة للجهات والمنظمات الدولية، ما يضر بسمعة المحكمة الدستورية العليا المصرية التي تتصدر المحاكم في الوطن العربي على الأقل.