“النوبة” حلم العودة الذي يصطدم بأكاذيب وخداع العسكر

- ‎فيتقارير

مر اليوم العالمي للنوبة كلمح البصر دون أن يشعر به أحد في ظل ثقافة البعد عن المشاكل والاهتمام بأحلام وأفكار قائد الانقلاب الذي تسبب في كوارث ما بعدها كوارث طوال السنوات الماضية. وتصادف اليوم العالمي للنوبة الذي يحل كل عام في السابع من يوليو، مع تجدد المطالب بإعادة حقوقهم المسلوبة.

انتزاع النوبيين
بدأ تهجير النوبيين عام 1902 على فترات متقطعة عندما بدأ المصريون العمل في "خزان أسوان" لحل مشكلة فيضان النيل، إلا أن التهجير بصورته الكبرى وقع في عام 1963، عندما بدأت الحكومة المصرية في العمل على بناء السد العالي، حيث تم تهجير 44 قرية نوبية من مساحة 350 كيلومترا مربعا.

حلم العودة
ويناضل النوبيون منذ زمن بعيد من أجل العودة إلى ضفاف بحيرة ناصر القريبة من قراهم الأصلية، وكانت الحكومة المصرية قد أعلنت أنها حريصة على أن تكون الأولوية لأهل النوبة في الحصول على أراضٍ واقعة في منطقة النوبة القديمة بأقصى جنوب مصر ضمن مشروع ضخم تنفذه الحكومة لاستصلاح الأراضي.
ويحتج نشطاء نوبيون على قرار السلطات طرح بعض أراضي منطقتي "توشكى"و"خورقندي"، اللتين تقعان ضمن أراضي النوبة القديمة، للبيع بالمزاد العلني أو حق الانتفاع في إطار مشروع قومي لزراعة 1.5 مليون فدان، ويطالب النشطاء بأحقيتهم في تنمية هذه الأراضي.

حُرّاس مصر من الجنوب
وعلى الرغم من الاعتراف الصريح في الدستور المصري الأخير بحق النوبيين في العودة إلى أراضيهم الأصلية وتنميتها، إلا أن السلطات المصرية انتهجت مجموعة من السياسات والقرارات التي تقوّض بشكل فج هذه الحقوق.
تقع أرض النوبة جنوب مصر، بالقرب من الحدود السودانية عند خط عرض 22 شمالا، على مساحة 350 كيلومترا شرقا وغربا، تجد ملامح البساطة والطيبة ترتسم على وجوه النوبيين، من دون أن تفوتك علامات الحزن الظاهرة، نتيجة الأزمات المتلاحقة التي يمرون بها، إذ يبدو أن لا جدوى من الوعود والقرارات الكثيرة بشأن عودتهم إلى أرضهم مرة أخرى، وبات ملف الحقوق النوبية ملفا أمنيا من الدرجة الأولى، لأن النوبيين حُرّاس مصر من الجنوب.

المتاجرة بالغلابة
وانتهج العسكر، في توقيت غريب، صرف ما أُطلق عليه “تعويضات الضرر”، ويعوض صاحب الأرض “النوبي” بأرض أخرى على أن يجبر كسر الفدان إلى فدان لمن يملك دون الفدان، ويكون التعويض في المناطق التالية:
– المنطقة الأولى خور قندي بمساحة 6000 فدان جاهزة للتسليم.
– المنطقة الثانية منطقة وادي الأمل بمساحة 1200 فدان جاهزة للتسليم الفوري أول ديسمبر 2019.
– المنطقة الثالثة الأراضي المتاحة للتعويض وفقا لخطة الدولة المستقبلية في التنمية، ويكون للمستحق طلب الحصول على التعويض النقدي بدلا من الأرض القابلة للزراعة.

– ويكون التعويض النقدي عن الفدان الواحد مبلغ 25 ألف جنيه، على أن يجبر كسر الفدان إلى فدان لمن يملك دون الفدان.
 أما المستحقون للمساكن، فيكون تعويض مالك المسكن الواحد بمسكن آخر داخل أو خارج محافظة أسوان، ويكون التعويض بمناطق كوم أمبو، وإدفو بأسوان.

رفض حق العودة (444)
يقول الناشط الحقوقي والمحامي طارق عبد العال، ملخصا الأمر في “حق العودة”: "يبدأ ذلك من القرار الجمهوري رقم 444 لعام 2014 الذي اعتبر أراضي 16 قرية نوبية أراضي حدود عسكرية، لا يجوز للمدنيين العيش فيها أو الاستفادة منها، مرورا بقراري رئيس الجمهورية 355 و498 لعام 2016، واللذين صادقا على مصادرة الكثير من الأراضي النوبية لمصلحة مشروع المليون ونصف المليون فدان. وأخيرا كان القانون رقم 157 لعام 2018 بشأن إنشاء هيئة تنمية الصعيد، والذي عصف بآمال النوبيين، بعدما غفل عن ذكر هجرتهم أو حقهم في العودة إلى أراضيهم، ورأوا أنه يمثل اغتصابا لحقهم في عودتهم للسكن على ضفاف بحيرة ناصر".
وأضاف عبد العال أن "أهالي أرض الذهب ما زالوا بغالبيتهم يتمسكون بالحق في العودة إلى الديار الأصلية، والموطن الأم، وقد ازداد الأمل بعد صدور النص الدستوري، ولكن صدور مثل تلك القرارات الحكومية، والتي كان آخرها قرار تعويض أهالي النوبة عن الأراضي التي تمت مصادرتها، يمثل تقويضا واقعيا لهذا الحق أو هذا الحلم، فقبول التعويض عن المصادرة فعليا، يعني عدم القدرة على المطالبة بحق العودة، فانقسم أهالي النوبة ما بين مؤيد ورافض لمثل تلك القرارات".

أكذوبة مخابراتية
ويضيف الحقوقي طارق عبد العال أنه سرت إشاعة، في محاولة لتقويض تيار حق العودة، مفادها أن النوبيين يسعون إلى الانفصال عن الدولة المصرية، وتكوين دولتهم الخاصة بثقافتهم وطرازهم النوبي الفريد، وهو ما لمّحت إليه الإدارة المصرية أكثر من مرة. وقارنت ذلك بما يحدث في بعض أقاليم دول أخرى، وهو الأمر الذي عبر عنه النوبيون بالنفي المطلق، وأنهم ليسوا من دعاة الانفصال، ولا يجب خلط الأمور ببعضها، أو تقليب الأوراق على نحو يغير مسار القضية النوبية، وفي أكثر من مناسبة وأكثر من حديث يؤكد النوبيون حلمهم في الرجوع إلى الديار من دون أي انفصال عن الدولة المصرية الأم".
ويشير إلى أنه "لا بد من الإشارة إلى ما تضمنته الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان في شأن حقوق الأقليات، ويأتي في الصدارة المادة 27 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والمادة 15 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وعلى سبيل التخصيص ما جاء في الاتفاقية الدولية رقم 169 بشأن الشعوب الأصلية والقبلية في البلدان المستقلة والصادرة عام 1988، والتي دخلت حيز التنفيذ عام 1991، وهي التي تدعم حقوق الأقليات، وخصوصا حق العودة إلى الديار الأصلية".