“عجز السيسي” يحول سد النهضة لقاطرة لخراب مصر

- ‎فيأخبار

وسط إصرار زعيم عصابة الانقلاب عبدالفتاح السيسي على تضييع حقوق مصر التاريخية بشأن سد النهضة، وتحذيره المصريين من تناول أي حديث عن السد الكارثي، بإشارته في كلمته الأخيرة "لا تسمعوا لـ"الهري"، باتجاه السلطات الأمنية نحو قمع من يعبر عن رأيه أو رفضه لسياسات تضييع حقوق مصر، وسط ذلك تؤكد إثيوبيا أن  الملء الثاني يسير بخطى ثابتة وسط زيادات كمية الفيضانات السنوية الحالية، وهو ما يمنح السد حصانة ذاتية ، ويصعب الخيارات العسكرية وأيضا يخضع مصر والسودان للإملاءات الإثيوبية.

وغيّرت مصر تحت إدارة المنقلب السيسي أكثر من مرة ثوابتها التفاوضية: ففي البداية، كانت تتمسك بأن يتم ملء السد على 7 أعوام، لكن وبقرار سياسي، تراجع الوفد الفني عن هذا الطلب في مفاوضات واشنطن، وطُرحت رؤية جديدة لترك الملء بحسب الظروف الهيدرولوجية، على 5 مراحل قد تستغرق من عامين إلى 3 أعوام. وفي نهاية المطاف سيتم ملء خزان السد في إثيوبيا إلى 595 متراً، وستصبح جميع توربينات الطاقة الكهرومائية في السدّ جاهزة للعمل، ما سيؤدي إلى تناقص منسوب المياه في بحيرة ناصر جنوب السدّ العالي، بشكل كبير، خصوصاً إذا انخفض منسوب الفيضان في العامين المقبلين، ليقل عن مستوى 170 متراً. ويعني ذلك خسارة 12 ألف فدان من الأراضي القابلة للزراعة في الدلتا والصعيد كمرحلة أولى، من إجمالي 200 ألف فدان تتوقع وزارة الموارد المائية والري خروجها نتيجة المدة الإجمالية للملء.

فشل مصري سوداني

ومرّ أكثر من 10 أيام على جلسة مجلس الأمن الدولي الأخيرة حول أزمة السد، وفشلت المساعي المصرية والسودانية المدعومة من أوروبا والولايات المتحدة في استصدار بيان رئاسي من المجلس لدعوة إثيوبيا لاستئناف المفاوضات ووقف العمل الأحادي المستمر حالياً، الأمر الذي يجعل الملء الثاني أمراً واقعاً.

وبحسب مصادر فنية في وزارة الري بحكومة الانقلاب، فإن مصر يمكنها بسهولة تعويض النقص حتى خمسة مليارات متر مكعب في حصتها الواردة إلى بحيرة ناصر، لكن نقص أي كمية أكبر من ذلك سيؤدي إلى مشاكل لا يُحمد عقباها، خصوصاً في فترات الجفاف الممتد. وأوضحت المصادر أن الإثيوبيين استطاعوا حتى الآن حجز نحو ملياري متر مكعب من المياه أعلى من مستوى الملء الأول، لتبلغ إجمالي الكمية المخزنة 7 مليارات متر مكعب تقريباً، وذلك مع الحفاظ على تشغيل مضختي المياه إلى بحيرة سد الروصيرص حتى نهاية فترة الملء الثاني بتدفق يصل إلى 50 مليون متر مكعب يومياً لكلتا الفتحتين. وهذه الكمية ترى مصر والسودان أنها لا تفي باحتياجات دولتي المصب، ولا تكافئ متوسط تصرفات النيل الأزرق.

ويتيح هذا الإنجاز حالياً إمكانية استمرار الملء حتى شهر أغسطس المقبل لزيادة كمية المياه المحتجزة من المياه لتتجاوز بالفعل 13 مليار متر مكعب، وهي كمية أقل بنحو نصف مليار مما كان مستهدفاً بالملء خلال العام الحالي، مع مراعاة استمرار تصريف المياه من فتحتي التدفق لوقت أطول، بشرط تمكن إثيوبيا من تعلية الممر الأوسط للسد بما يناسب الكمية المذكورة.

أضرار لا يمكن قياسها

لكن الواقع العملي والتغيرات الإستراتيجية التي ستترتب على إنجاز سد النهضة، تنبئ بأن الأضرار لا يمكن قياسها بهذه الأرقام المجردة لتغيرات حصّة المياه. فحتى تمكّن مصر من تلافي هذه الأضرار له ضريبة. فبحسب السيسي نفسه، يتطلب مشروع تطبين الترع، الذي أدخل جزءاً منه ضمن مبادرة "حياة كريمة" التي يمولها رجال الأعمال، أكثر من 60 مليار جنيه ، كان من الممكن إنفاقها في مرافق أخرى. كما أن غياب المعلومات وانعدام الشفافية من قبل الجانب الإثيوبي، حتى مع الإخطار الدوري قبل الملء، يعرقل الاستجابة المشتركة للتغيرات الفنية والمناخية الطارئة، كما يحيط الإجراءات بالغموض وصعوبة توقع المشاكل الوارد حدوثها.

وكذلك ستحتاج مصر إذا استمر الوضع الحالي إلى توسع كبير في إنشاء محطات التنقية، التي ستتطلب تمويلاً ضخماً، وعدت بالمساعدة فيه دول كثيرة مثل الصين والسعودية والإمارات من دون عائد حقيقي حتى الآن. ويأتي ذلك للتعامل مع نتائج استخدام المياه للأغراض الزراعية والصناعية والتنموية في كل من إثيوبيا والسودان، من استخدام مكثف للمبيدات وزيادة كميات الصرف الصناعي والزراعي في حوض النيل.

وبالتوازي مع هذه المستجدات، عاد وزير ري الانقلب بمصر محمد عبد العاطي إلى القاهرة صباح السبت 17 يوليو 2021م، قادماً من عاصمة الكونغو الديمقراطية، كينشاسا، في زيارة ركزت على تعميق التعاون بين البلدين. وتكتسب الكونغو الديمقرطية أهمية كبيرة من كونها الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، وإحدى دول حوض النيل التي لم تنضم حتى الآن إلى اتفاق عنتيبي الإطاري المضاد لمصر والسودان. وناقش عبد العاطي قضية سد النهضة مع رئيس الوزراء الكونغولي الديمقراطي جان ميشيل ساما ليكونديه، انطلاقاً من المبادرة التي أطلقها رئيس هذا البلد، فيليكيس تشيسيكيدي، بدعم أميركي وأوروبي، لإعادة إطلاق المفاوضات على أساس ما تم إنجازه في مراحل المفاوضات السابقة، فيما لا تزال إثيوبيا تعرقل هذه المساعي.

وبذلك تواجه مصر المجهول في ظل تقاعس من السيسي ونظامه عن الرد المناسب على إثيوبيا التي تسير بخطى مستفزة وبالغة الخطورة في ملء وبناء السد الكارثي الذي يحرم مصر من التنمية والنهضة.