55 عاما على استشهاد سيد قطب ..الإبداع الفكري لايموت

- ‎فيلن ننسى

جاءت ذكرى استشهاد سيد قطب والأمة الإسلامية تمر بمنعطف حاد من التبعية والإرتماء في أحضان الغرب، فضلا عن التضييق التام على الدعوات والحركات الفكرية الوسطية المعروفة بالسماحة والاعتدال. 

وتأتي ذكرى استشهاد "قطب" الـ55، في وقت يغض فيه الغرب الطرف عن أفكار متطرفة غربية، يتحسس أخرون كتب وإرشادات الشهيد كنوع من الأمل الحي الذي يتوق له الملايين من المسلمين عبر بقاع العالم، أملا في صحوة إسلامية كبرى.
والشهيد سيد قطب ،الذي ولد في 9 أكتوبر 1906 ،واستُشهد في 29 أغسطس 1966، يعد أديبا بليغا ومُنظّرا إسلاميا رائدا، خرج من رحم دعوة عالمية وسطية، كونه أحد أعضاء مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين ورئيس سابق لقسم نشر الدعوة في الجماعة ورئيس تحرير جريدة الإخوان المسلمين.
كما يعتبر من أكثر الشخصيات تأثيرا على الحركات الإسلامية التي وُجدت في بداية الخمسينيات من القرن العشرين وحتى الآن، له العديد من المؤلفات والكتابات حول الحضارة الإسلامية، والفكر الإسلامي.
مر سيد قطب بمراحل عديدة في حياته من حيث الطفولة، ثم أدب بحت في مدرسة العقاد ثم ضياع فكري ثم توجه للأدب الإسلامي إلى أن صار رائد الفكر الحركي الإسلامي.

قصة كفاح
وُلد سيد قطب في قرية موشى، محافظة أسيوط، بها تلقى تعليمه الأوّلي وحفظ القرآن الكريم. عام 1920 سافر إلى القاهرة والتحق بمدرسة المعلمين الأوّلية ونال منها شهادة الكفاءة للتعليم الأوّلي ثم التحق بتجهيزية دار العلوم. في سنة 1932 حصل على شهادة البكالوريوس في الآداب من كلية دار العلوم.
بدأ سيد قطب متأثرا بحزب الوفد وخصوصا بكاتبه عباس محمود العقاد وكتاباته الشيقة فقد تأثر كثيرا باعتقادات العقاد وكان من أشد المدافعين عنه إلا أن نظرته إلى الجيل الذي يسبقه قد تغيرت، وصار يُنْحِي باللائمة عليه في تردي الأوضاع وبدأ بإنشاء منهج حسب ما يعتقده هو. وفي عام 1933 أنهى سيد دراسته من دار العلوم وعُيّن موظفا بـ 6 جنيهات في الشهر. وفي بداية أربعينيات القرن العشرين عمل سيد قطب كمفتش للتعليم وزاد شغف سيد بالأدب العربي وقام على تأليف "كتب وشخصيات" و "النقد العربي – أصوله ومناهجه". ثم تحول سيد إلى الكتابة الإسلامية، فكتب "التصوير الفني في القرآن" الذي لاقى استحسانا واسعا بين الأدباء وأهل العلم.

زيارة غيّرت حياته
حصل سيد على بعثة للولايات المتحدة في عام 1948 لدراسة التربية وأصول المناهج وفي عام 1951، وكان يكتب المقالات المختلفة عن الحياة في أمريكا وينشرها في الجرائد المصرية، ومنها مقال بعنوان "أمريكا التي رأيت" يقول فيه " شعب يبلغ في عالم العلم والعمل قمة النمو والارتقاء، بينما هو في عالم الشعور والسلوك بدائي لم يفارق مدارج البشرية الأولى، بل أقل من بدائي في بعض نواحي الشعور والسلوك"، ويذكر أيضا الكثير من الحقائق التي عايشها عن الحياة الأمريكية في مختلف تفاصيلها.
وجد "قطب" ضالته في الدراسات الاجتماعية والقرآنية التي اتجه إليها بعد فترة الضياع الفكري والصراع النفسي بين التيارات الثقافية الغربية، ويصف قطب هذه الحالة بأنها اعترت معظم أبناء الوطن نتيجة للغزو الأوروبي المطلق. ولكن المرور بها مكّنه من رفض النظريات الاجتماعية الغربية، بل إنه رفض أن يستمد التصور الإسلامي المتكامل عن الألوهية والكون والحياة والإنسان من ابن سينا وابن رشد والفارابي وغيرهم لأن فلسفتهم – في رأيه – ظلال للفلسفة الإغريقية.

مشروع إسلامي جديد

في 23 أغسطس 1952، عاد الشهيد سيد قطب من الولايات المتحدة إلى مصر للعمل في مكتب وزير المعارف. وقامت الوزارة على نقله أكثر من مرة، الأمر الذي لم يَرُقْ لسيد فقدم استقالته من الوزارة في تاريخ 18 أكتوبر 1952. وبعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، ازدادت الأحوال المعيشية والسياسية سوءا ولعبت حركة الإخوان المسلمين دورا بارزا في عجلة الإصلاح والتوعية. واستقطبت حركة الإخوان المسلمين المثقفين وكان لسيد قطب مشروعا إسلاميا يعتقد فيه بأنه "لا بد وأن تُوجد طليعة إسلامية تقود البشرية إلى الخلاص" ولذلك كانت بداية العلاقة بين سيد قطب والإخوان المسلمين هو كتاب "العدالة الاجتماعية في الإسلام" وفي الطبعة الأولى كتب في الإهداء "الفتية الذين ألمحهم في خيالي قادمين يردون هذا الدين جديدا كما بدأ. يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويُقتلون"، وفهم الإخوان المسلمون أن هذا الإهداء يعنيهم هم، فأصبحوا يهتمون بأمره ويعتبرونه صديقا لهم، إلى أن انضم فيما بعد إلى الحركة وأصبح مسؤولا للقسم الدعوي فيها.

 

معالم ومستقبل وظلال
توطّدت علاقة الشهيد سيداقطب بجماعة الإخوان المسلمين وساهم في تشكيل الهيئة التأسيسية لجماعة الإخوان. وكان سيد قطب المدني الوحيد الذي كان يحضر اجتماعات مجلس الثورة التي قام بها الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر، لكنه سرعان ما اختلف معهم على منهجية تسيير الأمور، مما اضطره إلى الانفصال عنهم. وفي عام 1954 حصلت عملية اغتيال فاشلة لـجمال عبد الناصر في منطقة المنشية، واتهم الإخوان بأنهم هم الذين يقفون ورائها، وتم اعتقال الكثيرين منهم وكان سيد أحدهم، حيث تم الزج به بالسجن لمدة 15 عاما معانيا شتى أصناف التعذيب في السجن. وقد تدخل الرئيس العراقي الأسبق المشير عبد السلام عارف لدى الرئيس عبد الناصر للإفراج عنه في مايو 1964. إلا أنه ما لبث ان اعتُقل ثانية بعد حوالي ثمانية أشهر بتهمة التحريض على حرق معامل حلوان لإسقاط الحكومة كما حدث في حريق القاهرة.
عمل سيد خلال فترة بقائه في السجن على إكمال أهم كتبه وهوالتفسير الشهير "في ظلال القرآن" وكتابه "معالم في الطريق" و "المستقبل لهذا الدين".
 

استشهاده
وفي 30 يوليو 1965،اعتقلت قوات الأمن شقيق سيد "محمد قطب" وقام سيد بإرسال رسالة احتجاج للمباحث العامة في تاريخ 9 أغسطس 1965. أدت تلك الرسالة إلى إلقاء القبض على سيد والكثير من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وحُكم عليه بالإعدام مع 6 آخرين وتم تنفيذ الحكم في فجر الاثنين 29 أغسطس 1966.
ويوم تنفيذ الإعدام، وبعد أن وُضع على المشنقة عرضوا عليه أن يعتذر عن دعوته لتطبيق الشريعة ويتم إصدار عفو عنه، فقال "لن أعتذر عن العمل مع الله" ثم قال "إن إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة ليرفض أن يكتب حرفا واحدا يقر به حكم طاغية". فقالوا له إن لم تعتذر فاطلب الرحمة من الرئيس فقال "لماذا أسترحم؟ إن كنت محكوما بحق فأنا أرتضي حكم الحق، وإن كنت محكوما بباطل، فأنا أكبر من أن أسترحم الباطل" .