تمتلىء مواقع الشبكة العنكبوتية بالكثير من التطبيقات التي تشكل خطرا داهما على مستقبل المراهقين والشباب، وأصبح من السهل، في ظل غياب الرقابة، اختراق أذهان الشباب والأطفال واصطيادهم من قبل مافيا الألعاب الإلكترونية، ففي الفترة الأخيرة ظهرت العديد من الألعاب الإلكترونية التي يجهلها أولياء الأمور وكان آخرها بل وأخطرها على الإطلاق لعبة ( كونكر) القمار الإلكتروني التي يستقطب موزعوها بمحافظات مصر الأطفال المراهقين بداية من سن عشر سنوات لإيهامهم بفكرة الثراء السريع حتى صارت هوايتهم الوحيدة التي يستنزفون بها أموال آبائهم لتصب في مصلحة أصحاب السايبرات وموزعي سيرفرات اللعبة الذين يعملون ليلا ونهارا في الخفاء بتشجيع من نظام الانقلاب.
ورغم خطورة اللعبة التي دمرت مستقبل الآلاف من الشباب والأطفال بل والراشدين من الرجال والنساء لم يستطيع أحد إيقافها أو حتى إقناع مرتادي اللعبة التي خرجت عن السيطرة بالتوقف عن استخدامها لوقف نزيف الأموال حتى باتت بمثابة الهيرويين الإلكتروني.
لعبة مدمرة
"اللعبة دي أخطر من إدمان البودرة".. بكلمات يعتصرها الألم بدأ ناجح أبو طالب يروي مشكلته التي بدأت حينما راوده الشك بأن أخاه الأوسط وقع في براثن الإدمان نتيجة تغير حياته رأسا على عقب بعدما كان يشتهر بدماثة أخلاقه وحبه لعمله وسط أقرانه، حتى وصل به الحال إلى سرقة محتويات شقة والديه للحصول على المال، فظل وراءه، حتى يعرف سبب هذا التغيير المفاجئ وكانت الصدمة حينما علم أنه يدمن أخطر أنواع الألعاب الإلكترونية ويطلق عليها (كونكر) وهي لعبة تعتمد في محتواها على المقامرة، كما اكتشف أن صديق السوء هو القاسم المشترك فيها بعدما طغت المصلحة على تصرفاته وبعد اتفاق أبرمه مع أحد أصحاب السايبرات لاستقطاب الشباب مقابل مبلغ من المال، وحاول إيهامه بفكرة الثراء السريع ليدفع فيها كل ما أُوتي من مال، وباءت محاولات "ناجح" لحماية شقيقه وإبعاده عن طريق تلك اللعبة بالفشل؛ بل يتلقى ناجح صدمة أخرى حينما علم أن شقيقه الأصغر الذي لا يتعدى عمره ١٧ عاما وقع هو الآخر ضحية لها، بعدما أبلغته والدته المسنة أنه قام ببيع حصتهم التموينية من سكر وزيت، ويقضي معظم أوقاته خارج المنزل داخل السايبرات.
وتابع أن "خسائرهم من وراء هذه اللعبة وصلت إلى ٣٠٠ ألف جنيه، واضطر والده المسن إلى بيع قطعة أرض زراعية ورثها لسداد ديون أبنائه التي تراكمت لدى الجيران والأصدقاء والمعارف بالإضافة إلى بيعهم ٢ توك توك دون علمهم، بخلاف المبالغ الكبيرة التي اعتادوا على طلبها منه هو ووالده قبل اكتشاف الكارثة، مشيرا إلى أنه مازال يدفع أقساط هواتف محمولة قام شقيقه بشرائها وتوقيع شيكات على بياض لتاجر يتعدى ثمنها ٢٠ ألف جنيه، ومعاودة بيعها بنصف الثمن كوسيلة للحصول على المال واستكمال اللعب.
إحباط ويأس
ضياء شاب في مقتبل العمر من إحدى قرى البدرشين أيضا تحول إلى شخص محبط شريد الذهن بعدما كان عائل أسرته الوحيد ورجل البيت بعد وفاة والده، ويعمل ليلا ونهارا لسداد احتياجات والدته وشقيقته الصغرى استطاع أحد أصدقائه إقناعه بأن لعبة "الكونكر" هي أسهل طريق للحصول على المال دون تعب أو شقاء حتى دفع فيها حصيلة شقاء ثلاثة أعوام ووصلت خسارته إلى أكثر من٥٠ ألف جنيه، إلا أنه مازالت تتملكه مشاعر مختلطة بين رغبته في الاستمرار في اللعبة لاسترداد أمواله وخوفه من زيادة الخسائر، مؤكدا أنه يشعر بخيبة أمل ولم يعد يحتمل خسارته حتى أُصيب بحالة نفسية يصعب علاجها، وأنه وقع ضحية لعملية نصب هو والعديد من أصدقائه وجيرانه".
واوضح أنه منذ فترة اكتشف أن هناك اتفاقا بين تاجر هواتف محمولة وأصحاب سايبرات لتيسير حصول المراهقين من مرتادي اللعبة على المال للمقامرة به، مشيرا إلى أنه قام بشراء هاتف منه وتوقيع شيك على بياض رغم أن ثمنه لا يتعدى ٧ آلاف جنيه وما زال يدفع أقساطا شهرية قيمتها ٦٠٠ جنيه رغم أنه خسر المبلغ بالكامل في لعبة الكونكر.
سايبر الموت
وقال محمد سعد أخصائي تخاطب من منطقة المرج إن "شقيقه الذي يبلغ من العمر١٢ عاما في الصف الأول الإعدادي رسب هذا العام رغم أنه متفوق دراسيا وكان الأول على مدرسته في الشهادة الابتدائية، إلا أنه منذ عدة أشهر أصبح يقضي معظم أوقاته داخل سايبر قريب من منزلهم والعودة إلى المنزل في ساعات متأخرة من الليل ومنذ فترة فُقد مبلغ كبير من المال داخل المنزل حتى حدثت بينهما مشادات كلامية انتهت بمشاجرة مع صاحب السايبر ليعلم حجم الكارثة التي يواجهها شقيقه الذي وقع في فخ القمار.
وأضاف سعد في تصريحات صحفية أن هناك الكثير من الأهالي لا يعلمون عن أبنائهم شيئا نتيجة غياب الدور الرقابي للأبوين على سلوكيات أبنائهم، وأنه أكتشف أن هناك المئات من المراهقين بل والأطفال الذين لا يتعدى عمرهم العشرة أعوام وقعوا ضحية للعبة الكونكر، وحينما حاول أن يحذر أصدقاءه منها على صفحته الشخصية على فيس بوك انهالت عليه التعليقات بأن هذه اللعبة موجودة منذ أكثر من عشرة أعوام وهناك فتيات كثيرات أيضا وقعن فريسة لها، بجانب وجود جروبات وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي يتابعها الملايين من محبي اللعبة.
واعتبر لعبة الكونكر بمثابة (هيرويين) يدمنه العديد من الرجال والمراهقين ويدفعون فيها مئات الآلاف يستفيد منها أصحاب السايبرات وموزعو الرسيفرات الخاصة باللعبة بحكم أنهم من يملكون وحدهم خاصية شحن الرصيد للاعبين حتى حصلوا من ورائها على ملايين الجنيهات من دم الأهالي.
لعبة قمار
وكشف عصام علام طالب أن هناك العديد من ألعاب القمار الإلكترونية إلا أن كونكر تختلف عن مثيلاتها بأنها حينما بدأت كانت لعبة حظ عادية وكان جمهورها من الشباب والأطفال الذين اعتادوا عليها ولكن بعد تحديث السيرفر الخاص بها أصبحت لعبة قمار يضطر اللاعبون فيها خاصة ممن اعتادوا عليها لسنوات طويلة أن يرضخوا لقواعدها الجديدة والمحاولة بمبالغ كبيرة يوميا لإرضاء غرورهم، بخلاف أن لعبة كونكر رغم خطورتها إلا أن هناك العديد من الأطفال الذين لا يتعدى عمرهم العشرة أعوام يدمنونها، حتى أنه في العام الماضي شهد واقعة غريبة لطفل عمره ١١عاما داخل أحد السايبرات بمدينة العبور حينما توفي إثر أزمة قلبية نتيجة خسارته مبلغ ٨٠٠ جنيه داخل لعبة كونكر ولفظ أنفاسه الأخيرة أمام شاشة الكمبيوتر.
وأشار إلى أن من الحكايات الغريبة التي شاهدها داخل مدينة العبور عن لعبة كونكر هو قيام أحد جيرانه برهن منزله المكون من أربعة أدوار بمبلغ ٥٠ ألف جنيه فقط لشراء أكونت للعبة الكونكر لكي يستطيع السيطرة على السيرفر ولكنه فشل وفي النهاية مات مكلوما مقهورا بعدما خسر كل شيء ولم يستطع استعادة منزله.
وقال إن "أسعار الأكونت الواحد فيها يبدأ من ٢٥ ألف جنيه وحتى نصف مليون جنيه وأن سعر قطعة لملابس الشخصية داخل اللعبة رغم تفاهتها لا يقل عن خمسة آلاف جنيه والغريب أن هناك من يُقبل على شرائها، مضيفا أن أصحاب السايبرات لا يفرقون بين طفل ورجل كبير وكل ما يسعون إليه هو كسب المال من ورائهم حتى أصبح دخلهم اليومي لا يقل عن عشرة آلاف جنيه".
