رغم تركيز الإعلام والقيادات الصهيونية على إبراز مواقفهم وتبرير أحداث حرب أكتوبر، واصفين مصر بالعدو، كاشفين خيانات بعض القيادات كأشرف مروان في تسريب موعد الضربة العسكرية المصرية، وأحاديثهم عن الثغرة وتقويض الانتصار المصري وتجاوزهم آثار انتصار الجيش المصري عبر اتفاقات وقف إطلاق النار ووقف التقدم المصري في جبهة سيناء وعبر اتفاقيات السلام ، دون حرج أو مراعاة لعلاقاتهم الإستراتيجية الحالية مع عبد الفتاح السيسي ونظامه العسكري،وعلى عكس ذلك وعبر 8 سنوات قضاها السيسي في سدة حكم مصر بقوة الدبابة، لم يجرؤ السيسي على ذكر كلمة عدو عن إسرائيل، سواء في المحافل الدولية أو الإقليمية أو خلال الاحتفالات الوطنية والقومية، قاصرا وصف العدو على المعارضة المصرية التي أبدع في أوصافها ، التي تنوعت بين أهل الشر والإرهاب والإخوان والخونة وأعداء الوطن والخونة وغيرها من الأوصاف التي لا تمت للواقع بصلة.
ويتذكر المصريون كلمات السيسي التي تمثل عارا لا يمحى عن النظام العسكري ، بأقوال السيسي بأنه لن يسمح بأن تمثل الأراضي المصرية أي تهديد لإسرائيل كدولة جارة. وأيضا وفي ساحات الأمم المتحدة بقوله "أمن المواطن الإسرائيلي والفلسطيني سواء سيحافظ عليهم" بجانب القرارات والسياسات الكارثية التي إنحاز فيها للصهاينة، منذ انقلابه العسكري، وسماحه بتحويل سيناء لساحة خلفية لإسرائيل نفذت فيها أكثر من 100 عملية عسكرية من خلف الجيش المصري حتى 2018، بزعم مكافحة الإرهاب.
ومؤخرا توالت فضيحة السيسي المعتادة في مناسبة انتصار أكتوبر، حيث جاءت كلمات السيسي في احتفالاته بالذكرى بعيدا عن إنجازات الجيش العسكرية، مركزا على العبور نحو التنمية، والتي شارك فيها الجيش عبر شركاته الاقتصادية وتحوله نحو المشاركة في حروب سوق العبور وبيع الخيار والبسكويت واللحوم.
ولم يكتفِ عبد الفتاح السيسي بالحديث عن إسرائيل، خلال كلمته بمناسبة الذكرى الثامنة والأربعين لحرب السادس من أكتوبر 1973، إذ بلغ به الحال إلى الإشادة بقرار الرئيس الراحل أنور السادات التطبيع مع إسرائيل في عام 1979، بل ودعا جميع الحكام العرب إلى حذو هذا المسلك، من دون الاكتراث بدماء آلاف الشهداء ممن ضحوا بحياتهم في سبيل تحرير الأرض المصرية.
وسبق أن قال السيسي، في الندوة التثقيفية الـ34 للقوات المسلحة إن "الرئيس السادات تجاوز أدبيات ومفاهيم مستقرة بعد حرب أكتوبر، كان لا بد من تجاوزها بمفاهيم جديدة، من خلال إطلاقه مبادرة السلام التي أثبتت قدرته على قراءة الواقع بعد 40 عاما وأكثر، مستطردا أتمنى من الحكام المسؤولين عن إدارة الأزمات في منطقتنا أن يستطيعوا تجاوز هذه الأدبيات والمفاهيم، وأن ينطلقوا إلى أعماق أفضل من ذلك" في إشارة صريحة إلى التطبيع مع الاحتلال.
وأضاف "يوجد جدار آخر، بخلاف الحرب، لم يتحدث عنه أحد، لأن أدبيات وثقافة كل عصر تشكل حاجزا وجدارا أمام صناع القرار في عصرهم، متابعاً قد يكون لدى بعض الحكام القدرة والاستعداد لاقتحام هذه الأدبيات، وتجاوزها، مثلما فعل الرئيس السادات في مبادرته للسلام، حيث كان لديه قراءة واستعداد لتجاوز أدبيات مستقرة في عصره".
ماذا بعد التطبيع؟
وتأتي كلمات السيسي في وقت تتزايد فيه سياقات التطبيع، حيث وقعت إسرائيل اتفاقات أبراهام للتطبيع مع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، بجانب التطبيع السري مع السعودية، علاوة على التطبيع المبكر مع مصر والأردن، وإعلان وزارة الخارجية الإسرائيلية مؤخرا عن توصلها لاتفاقات تطبيع عديدة مع أطراف إقليمية ودولية لا يمكنها الإعلان عنها خلال الفترة الحالية.
وهو ما يدفع المراقبون للذهاب في تأويلهم لكلمات السيسي ومقصده من "الأدبيات المستقرة التي يجب أن يغيرها الحكام" بأنها أفكار أشد وأبعد خطرا من التطبيع الجاري والمتصاعد حاليا، وهو ما يمكن أن يكون مرتبطا بصفقة القرن الأمريكية ومشاريعها الكارثية، سواء بتنفيذ أكبر ترانسفير للفلسطينيين من أراضي الـ48 أو الضفة الغربية نحو قطاع غزة أو سيناء ومناطق أخرى، وأيضا اعتراف عربي ودولي وإقليمي بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، على خلاف كافة المواثيق والعهود الدولية والتاريخية والدينية.
ما الفرق بين رام الله والقدس؟
خاصة في ضوء استعداد النظام العسكري في مصر للتنازل عن القدس ، بنص التسريبات التي كشف عنها في 2018، من خلال الصحيفة الأمريكية نيويورك تايمز، حول تبني المخابرات المصرية لسيناريو نقل العاصمة الفلسطينية إلى رام الله أو أبوديس وفق مخططات صفقة القرن.
https://www.youtube.com/watch?v=LVnOPtAA49Y
وكشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، قي 6 يناير 2018 تسريبات تتحدث عن قبول نظام عبد الفتاح السيسي برام الله عاصمة لفلسطين بدل القدس.
وفي التسجيلات يتضح أن هناك تعليمات من ضابط مخابرات لإعلاميين بشأن معالجة ملف القدس إعلاميا من خلال التركيز على أن "موقف مصر يجب أن يظهر كما الدول العربية الأخرى، مناهضا لقرار الرئيس الأمريكي بنقل السفارة الأمريكية للقدس المحتلة، وإعلانه الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، في حين أن ما هو مهم بالنسبة لنا إنهاء معاناة الفلسطينيين عبر حل سياسي يتمثل برام الله بدل القدس عاصمة لفلسطين".
والمثير بالأمر أكثر، تساؤل الضابط وهو أشرف الخولي "ما الفرق بين رام الله والقدس؟".
وأشار إلى أنه "علينا إقناع الفلسطينيين بقبول ذلك" وأن مصر كان لديها علم بموضوع القدس، وأن المصريين وافقوا على ذلك.
وأوردت الصحيفة أن "ضابط المخابرات المصرية تكلم مكالمات هاتفية بنبرة هادئة إلى مقدمي برامج حوارية مؤثرة في مصر، وصرح الضابط الخولي لهم بأن مصر، شأنها في ملف القدس شأن جميع إخواننا العرب، ستنكر هذا القرار علنا".
إقناع المشاهدين
وذهب إلى أن "الصراع مع إسرائيل لا يصب في مصلحة مصر الوطنية، وقال للإعلاميين، إنه بدلا من إدانة القرار، يتعين عليهم إقناع المشاهدين بقبول القرار".
وتحدث الخولي بهذا الأمر لأربعة أشخاص، بحسب أربعة تسجيلات صوتية لمكالماته الهاتفية، التي حصلت عليها صحيفة "نيويورك تايمز".
وقالت الصحيفة إن "إعلاميا واحدا، هو عزمي مجاهد، أكد صحة التسجيل الذي حصلت عليه الصحيفة".
وبحسب الصحيفة، فقد تحدث الضابط الخولي أيضا بالتوجيهات ذاتها مع الإعلاميين مفيد فوزي، وسعيد حساسيان العضو بالبرلمان أيضا.
أما التسجيل الرابع، فقد تم بين الخولي والممثلة يسرا.
وقال الخولي "النقطة الخطيرة بالنسبة لنا هي قضية الانتفاضة، الانتفاضة لن تخدم مصالح الأمن القومي المصري، لأنها ستعيد إحياء الإسلاميين وحماس، حماس ستولد من جديد مرة أخرى".
مواقف العسكر
وتكشف تلك التسريبات المواقف الحقيقية للنظام العسكري المصري، على الرغم تقدم مصر بمشروع قرار لدى مجلس الأمن الدولي يطالب الولايات المتحدة بالتراجع عن قرار ترامب، إلا أن الولايات المتحدة استخدمت حق النقض ضد القرار، رغم أن الجمعية العامة للأمم المتحدة تبنت بعد أيام قليلة قرارا مشابها قوبل بعاصفة من الاحتجاجات الأمريكية. وهو ما يوضح أن الخداع هو أسلوب السيسي في التعاطي مع جميع القضايا.
فلعقود مضت، ما فتئت مصر تنتقد في العلن معاملة إسرائيل للفلسطينيين، بينما تعمل سرا على التسليم باحتلال إسرائيل المستمر للأرض التي يعتبرها الفلسطينيون وطنهم.
وفي لمحة تتعلق بمستقبل حكم السيسي الذي تؤكد العديد من التقارير عن وجود تململ داخل المؤسسات العسكرية والأمنية بشأن سياساته وقراراته، قال السيسي "لا يجب أن يفرق أي كلام بين المصريين وبعضهم البعض، ويجب أن يكون الجميع على قلب رجل واحد، مثلما حدث مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في 1967، حينما قال إنه سيستقيل، لكن الدولة وقفت إلى جواره، واستعادت قوتها، وهذا درس هام للغاية" وفق قوله.
وتعبر كلمات السيسي عن الكثير من التوقعات السياسية، بشأن تقديم مصر لتنازلات إستراتيجية كبيرة لأمريكا وإسرائيل في المنطقة، فيما يتعلق بسيناء والصراع العربي الإسرائيلي والضغط على حماس وحركات المقاومة الفلسطينية من أجل تمرير المشاريع الصهيونية المهددة للأمن القومي العربي، والذي بات من الأدبيات المستقرة التي يجب تغييرها وتوسيعها وفق ما يصبو إليه السيسي وانقلابه العسكري، والذي بات واضحا منذ اللحظة الأولى لانقلابه أنه جاء لتمرير أجندات دولية وإقليمية لم تكن لتمر لولا وجود السيسي ونظامه العسكري الخائر أمام الخارج، والمنتشي بقوته بالداخل، وهو ما ستؤكده تطورات الأحداث في الفترة المقبلة.