لماذا تنخفض أعداد المعلمين وتتزايد أعداد العساكر بعهد السيسي؟

- ‎فيتقارير

في كل الحضارات والمجتمعات التي تسابق الزمن في البناء الحضاري المتنوع، تبرز أعداد العلماء والمعلمين الذين يحتلون الصدارة في المجتمعات المتقدمة، كما في اليابان، الذي يأخذ فيه المعلم أعلى راتب بالدولة، وذلك لدوره الكبير في بناء المجتمع وتطوره.

أما في المجتمعات المتخلفة والتي تعيش أزهى عصور الاستبداد، فيتراجع موقع المعلمين والعلماء كما في مصر، وغيرها من دول التخلف، فلا راتب يكفيه ولا استقرار ولا تدريب وصقل مهارات، كي يتمكن من البناء والتحفيز الحضاري للمجتمع، بلا معاناة اقتصادية ملهية عن كل التطور والإبداع والابتكار.

 

أزمة المعلمين

إذ يعاني المعلمون في المجتمع المصري من عدم زيادة رواتبهم منذ العام 2014، وفي حال الحوافز والزيادات إن وُجدت يجري معاملته على أساس راتب 2014، وإذا كانت عقوبات وجزاءات جرى محاسبته على أساس راتب 2019 الذي لم يتقاضاه أساسا، حيث توقفت أي زيادات لمعلمي مصر منذ صعود السيسي على سُدة الحكم بالدبابة، على عكس ما عاينوه من زيادات برواتبهم خلال عام حكم الرئيس محمد مرسي، حيث زِيدت الرواتب بمعدل 200%.

وبجانب تراجع الحوافز المالية، تعاني كل مدارس مصر من نقص في أعداد المعلمين، ما دفع وزير تعليم السيسي، طارق شوقي للإعلان عن فتح باب التطوع للمعلمين دون تعيينهم أو بنظام الحصة، وهي من أوسع أبواب الفساد، في ظل تدني سعر الحصة، ما يدفع المعلمين للتوجه للتوسع في إعطاء الدروس الخصوصية كباب من أبواب تحصيل دخل مناسب، ومعها يغيب الدور التربوي والمهني للمعلم، وتخسر مصر أجيالها التي تزداد جهلا وبعدا عن العلم والتعليم.

وفي هذا الاطار، أظهرت بيانات للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء الصادرة إن "عدد المدرسين في التعليم العام والأزهري، انخفض 0.2% في عام 2019-2020 مقارنة بالعام السابق له".

وبرغم أن نسبة انخفاض عدد المدرسين تبدو هامشية بعض الشيء، إلا أن أي انخفاض في الأعداد يعد مضاعفا بسبب ارتفاع عدد التلاميذ سنويا، كما يقول عبد الحفيظ طايل مدير مركز الحق في التعليم.

وأوضح طايل في تصريحات صحفية  أن "التراجع في عدد المدرسين في هذه الفترة يعود إلى وقف التعاقد مع المعلمين في ظل النقص الحاد في أعدادهم ووقف التكليف، ويتواصل انخفاض أعداد المدرسين عموما على خلفية التقاعد الطبيعي في سن الستين وعدم استبدالهم".

 

التدريس تطوعا!

ومع بداية العام الدراسي هذا العام عادت وزارة التعليم بحكومة الانقلاب إلى محاولة البحث عن وسائل لتوظيف المدرسين دون تعيينهم عبر ما أُعلن مؤخرا من فتح الباب للتطوع بنظام الحصة مقابل 20 جنيها للحصة الواحدة. 

في سبتمبر الماضي أصدر طارق شوقي، وزير تعليم الانقلاب، كتابا دوريا أعلن فيه فتح باب التطوع بالمدارس من حملة المؤهلات العليا التربوية لمدة لا تزيد عن 11 شهرا، على ألا تزيد الحصص للمدرس الواحد عن 24 حصة شهريا.

وكان محمد عبد الله الأمين العام لنقابة المعلمين قال في تصريحات صحفية، مؤخرا، إن "المدارس تواجه عجزا في أعداد المعلمين بأعداد كبيرة تصل إلى 259 ألف معلم، مشيرا إلى أن هذا العجز ارتفع نتيجة خروج آلاف المعلمين إلى المعاش دون أي تعيينات جديدة في مقابل استمرار زيادة أعداد الطلاب سنويا".

ويعود العجز في المدرسين في التعليم العام  إلى التسعينات مع سياسة وقف تكليف خريجي كليات التربية، وتعيين أوائل الخريجين فقط حتى عام 2004 ثم التخلي حتى عن هذا التوجه والتحول بعدها للتعاقدات المؤقتة، أو حسب ما نظمه القانون 55 لسنة 2007 وظيفة معلم مساعد لمدة سنتين، ثم يجتاز اختبارات معينة ثم يتحول لمعلم ويتدرج في الوظائف.

واعتمدت الوزارة  أنماطا  مختلفة من التعاقد المؤقت مع المعلمين، حتى رصدت اليونسكو في 2008 أن نسبة المُعينين تعيينا دائما في التعليم العام المصري ممن تقل أعمارهم عن 35 سنة لا تزيد 4.5% وهو ما يعني أن اتجاه التعاقد المؤقت أصبح راسخا وقتها.

ثم تراكمت بعد وقف التعيينات جيوش من الخريجين من كليات التربية والكليات المناظرة كالآداب، الذين يعملون إما في القطاع الخاص أو يرضون بتعاقد لا تزيد قيمته عن 105 جنيهات، كما حال المعينين في الفترة بين 2008-2011 على أمل في التعيين بشكل دائم والاستفادة من  الدروس الخصوصية.

 

كثافة طلابية 

وتظهر بيانات المركزي للتعبئة والإحصاء أن "عدد التلاميذ للمدرس الواحد في المراحل الثلاثة الابتدائية والإعدادية والثانوية في التعليم العام تزيد بكثير عن المستوى المقبول دوليا وهو 12 تلميذا للمدرس الواحد".

كما  أن أي معدل للمدرسين مقابل عدد التلاميذ لا يمثل المدرس مقابل التلاميذ في الحصة الواحدة، بل يأخذ في الاعتبار عدد الحصص في اليوم الواحد.

كما تظهر البيانات نفسها أن التعليم الأزهري يحظى بمعدل أفضل بكثير لعدد التلاميذ للمدرس الواحد، وهو ما يعود  إلى سياسة الأزهر في تعيين المدرسين على نحو أكثر توسعا من التعليم العام.

ولعل ما يكشف معاناة التعليم في مصر هو تراجع الميزانية العامة للدولة فيما تخصصه للتعليم بالمخالفة للدستور الذي ينص على تخصيص 2% من الدخل القومي للتعليم ومثلهم للصحة، إلا أن تلك النسبة لا تتحقق نهائيا بحجج مختلفة، ما يؤثر سلبا على تعليم وصحة المصريين، وذلك في الوقت الذي تتزايد فيه أعداد العسكر ومخصصاتهم المالية وميزانياتهم الاستثنائية المقرة والعلنية والسرية، بجانب عوائد النشاط الاقتصادي للجيش والمقدر بنحو 60% من اقتصاد مصر، تذهب للعسكريين للتصرف فيها كما يشأؤون دون المشاركة في دعم ميزانية البلد بمليم واحد، وهو ما يفاقم الديون وعجز الموازنة وغيرها من الارتدادات الاقتصادية والاجتماعية المزرية في مصر بعهد السيسي.