انتشرت الجرائم في المجتمع المصري خلال السنوات الأخيرة بصورة بشعة، لعل أحدثها قتل شقيق لشقيقته بسبب الميراث وتدبير مؤامرة من شقيق آخر لاغتصاب شقيقته من أحد أصدقائه لنفس السبب، وقتل العديد من الأبناء والأزواج ذويهم بسبب الفقر، وغيرها من الجرائم التي يرجعها خبراء إلى العديد من الأٍباب على رأسها سياسة العسكر الفاشية التي طحنت المصريين اقتصاديا واجتماعيا ونشرت الفقر والعوز بشكل لم يسبق له مثيل. ولا يكاد يمر يوم بدون وقوع جريمة تهز الرأي العام دون تدخل من حكومة الانقلاب لعلاج الأوضاع المتفاقمة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وعلى كل المستويات، بل إنها تجند البلطجية وتوجههم لإثارة الفزع والرعب بين المواطنين.
ولعل الحادثين الأكثر بروزا الآن قتل 3 طلاب لزميلهم بعد التنمر عليه، وذبح بلطجي جاره وفصل رأسه عن جسده وسط احتشاد عدد كبير من الناس دون تدخل منهم لمحاولة منع الجريمة التي وصفها خبراء نفسيون وقانونيون بأنها الأبشع على الإطلاق، مشيرين إلى أن تناول المخدرات أحد أٍباب تلك الجرائم التي زادت في السنوات الأخيرة.
كأننا في غابة
من جانبه قال الدكتور سعيد صادق أستاذ الاجتماع بالجامعة الأمريكية إن "الوضع أصبح سيئا للغاية ولم تعد هناك رحمة بين الناس وكأننا نعيش في غابة، مشيرا إلى أن السبب الرئيسي في تلك الجرائم التي انتشرت في الفترة الأخيرة هي مقاطع الفيديو المنتشرة علي السوشيال ميديا ومواقع التواصل الاجتماعي، إلى جانب الأفلام والمسلسلات التي تدعو إلى العنف والانتقام والتي زادت بشكل ملحوظ في السنوات الماضية.
وأضاف صادق، في تصريحات صحفية، لو نظرنا إلى ما قبل عام 2000 لما وجدنا انتشار تلك الجرائم، بسبب عدم وجود السوشيال ميديا أو مواقع تواصل اجتماعي في ذلك الوقت.
وأشار إلى أن الجهل وسوء التربية وعدم التفاف الأهل حول أبنائهم وتربيتهم التربية الصحيحة سبب رئيسي في العنف والجرائم التي ارتُكبت مؤخرا، معربا عن أسفه لأن الآباء والأمهات مشغولون بأشياء أخرى سواء في العمل أو مشاغل الحياة أو غيرها وهذا سبب رئيسي في زيادة الجرائم في الفترة الأخيرة.
دخيلة على المجتمع
ووصف الدكتور صلاح الطحاوي، أستاذ القانون الدولي، الجرائم التي تحدث في المجتمع الآن بأنها بشعة ودخيلة على مجتمعنا المصري، مشيرا إلى أن هناك حالة قلق بالشارع المصري بسبب تلك الجرائم.
وقال "الطحاوي" في تصريحات صحفية إن "قانون العقوبات واضح وصريح في مثل هذه الجرائم، التي يتوافر بها الركنان المادي والمعنوي، مؤكدا أن القتل العمد من أخطر جرائم الاعتداء على الأشخاص، لأنه يستهدف إزهاق الروح وهو ما يظهر في قسوة العقوبة المرصودة للعقاب الذي يرتكبه الجاني عمدا والتي لا اختلاف عليها وهي عقوبة الإعدام.
وأوضح أن للقتل العمد ركنين هما: الركن المادي، وعبر عنه المُشرّع بالتسبب في قتل شخص للغير، وهذا الركن لا يختص بجريمة القتل العمد وحدها، وإنما يتطلب توافره في جميع صور القتل عمدا، أما الركن المعنوي فلا بد أن يكون إتيان الركن المادي أي التسبب في قتل الغير، جاء عن قصد ونية إجرامية وهذا الركن يُميّز بواسطته بين القتل العمد والقتل نتيجة إهمال أو خطأ.
وأشار الطحاوي إلى أنه وفقا للمادة ٢٣٠ من قانون العقوبات يُحكم على من قتل شخصا عمدا مع سبق الإصرار بالإعدام شنقا، وفي حالة اقتران القتل بجناية أخرى تكون العقوبة الإعدام شنقا، وهذا الاقتران ظرف مشدد لعقوبة القتل العمد، وترجع علة التشديد هنا إلى الخطورة الواضحة الكامنة في شخصية المجرم، الذي يرتكب جريمة القتل وهي بذاتها بالغة الخطورة، ولكنه في نفس الوقت لا يتورع عن ارتكاب جناية أخرى في فترة زمنية قصيرة.
3 احتمالات
ووصف الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي بجامعة عين شمس جريمة الإسماعيلية بأنها بشعة لا تصدر من شخص سوي على الإطلاق. مشيرا إلى أن هناك ثلاثة احتمالات لهذه الجريمة، أولها أن تكون جريمة شرف، وفي مثل هذه الجرائم تكون دائما مصحوبة بالانتقام والعنف والبشاعة، وقد تصل للتمثيل بالجثة، كرد اعتبار لهذا الشخص المريض الذي يرتكب هذه الجناية التي يندى لها الجبين.
وقال فرويز في تصريحات صحفية: "الاحتمال الثاني هو حالة الفصام التشككي، وفيه يعاني المريض من شعور دائم بالريبة، لا يهدأ فهو متخوف باستمرار، وهذا التشكك يظهر في كثير من الحالات التي نشاهدها يوميا، وتحدث اضطرابات للمريض تكون تصاعدية مصحوبة بهلاوس سمعية وبصرية، وفيها يظهر شعور الفصامي التشككي بالريبة طوال الوقت".
وأضاف ، هذا المريض لديه أفكار يزرعها بنفسه داخل تفكيره، لا ينفع معه جدال حولها ولا مساومة، فهو متأكد تمام التأكد من تلك الأفكار ويصدقها، ويتعامل على أساسها، وهذا المريض يحتاج لسرعة التدخل النفسي المتخصص حتى لا تسوء الحالة أكثر من ذلك.
وتابع فرويز، النوع الثالث الذي قد يكون عرضا للجاني الذي فصل رأس شخص في الشارع ووسط المارة هو الاضطراب التشككي وهو اضطراب حاد في الدماغ يشوه طريقة الشخص في التفكير والتصرف والتعبير عن مشاعره، والنظر إلى الواقع ورؤية الوقائع والعلاقات المتبادلة بينه وبين المحيطين به، موضحا أن ذلك قد يسببه الخوف والانطواء على النفس، وهو مرض مزمن يلازم المصاب به طوال فترة حياته، ولا يمكن معالجته، لكن يمكن السيطرة عليه بواسطة العلاجات الدوائية المناسبة.
وأوضح أن السلوك المميز للأشخاص المصابين بمرض الفصام غريب جدا، بل مرعب أحيانا، والتغيير المفاجئ الذي يحصل في شخصية المريض، أو في سلوكياته، يجعله يفقد أية صلة مع الواقع يسمى المرحلة الذهانية.
وأكد فرويز أن الأشخاص الذين يعانون منه يكونون غارقين في أوهام عن أنهم ملاحقون أو مطاردون من قبل شخص آخر أو طرف معين، ويعانون في الغالب من الشعور بالارتباك ومن مشكلات في الاتصال والتواصل مع الآخرين، كما يعانون من الكلام المتلعثم وغير الواضح، وبنظرة من الخارج يظهرون كأنهم عديمو المشاعر والحساسية، وذوو سلوكيات غير ملائمة أحيانا، وأحيانا يُظهر الأشخاص نمطا حركيا مميزا وغريبا، مثل تنفيذ حركات في الوجه، أو الميل إلى البقاء في وضعيات غريبة، وقد يكررون كلمة أو جملة أو تعبيرا معينا صدر عن شخص موجود بالقرب منهم في ذات الوقت، كما يميلون إلى إيذاء أنفسهم.
دور السوشيال ميديا
وقال الدكتور أحمد فخري، استشاري علم النفس وتعديل السلوك بجامعة عين شمس إن "الجريمة موجودة منذ قديم الأزل ولا يمكن إيجاد حلول نهائية للقضاء عليها، ولكن يمكن بكل تأكيد تحديدها وتقليلها عن طريق عدة أساليب وطرق".
وطالب "فخري"، في تصريحات صحفية، الأسر المصرية بضرورة الإبلاغ الفوري والسريع في حالة ظهور أعراض اضطراب في الشخصية أو عدوانية مفاجئة على أي شخص في الأسرة وإبلاغ الأخصائيين النفسيين مباشرة، وذلك حفاظا على استقرار المجتمع قبل أن تتفاقم حالة المريض.
وأكد أن هناك أسبابا تؤدي لمثل هذه الجرائم البشعة، منها التربية الخاطئة وممارسة العنف ، فينتج عن ذلك إنسان مقهور لا يستطيع التعبير عن نفسه بشكل سليم فيمارس هذا العدوان المكبوت بعد كبره كنوع من الانتقام، موضحا أنه بعد تفاقم الحالة المرضية تظهر اضطرابات شديدة وخطيرة على المريض وهو ما تمثل في التشهير بالجثة في وضح النهار وأمام المارة.
وتابع "فخري" أن التشهير بالجثة يعد اضطرابا سلوكيا ناتجا عن الشخصية السيكوباتية المضادة للمجتمع، وإحساسا بالقهر المستمر يقابله تصرف عدواني بشع غير مسبوق وانتقام عدائي مكبوت داخل المريض.
وأرجع ما يحدث الآن إلى نشر وسائل الإعلام والسوشيال ميديا أخبار الجريمة على نطاق واسع، ودون وعي، ما يؤدي إلى غياب القدوة الصالحة في المجتمع المصري، وتغيير سلوكيات المجتمع والإطاحة بالعادات السليمة وترسيخ العادات السيئة.