وسط تنديد حقوقي واسع.. رسائل السيسي من الحكم بسجن “الباقر وأكسجين وعبدالفتاح”

- ‎فيتقارير

الحكم الذي أصدرته محكمة جنح أمن الدولة طوارئ بالتجمع الخامس أمس الإثنين 20 ديسمبر 2021م بسجن الناشط علاء عبدالفتاح 5 سنوات، وكل من المحامي محمد الباقر، والمدون محمد إبراهيم المعروف بـ«أكسجين» بالسجن أربع سنوات، في تهمة «نشر أخبار كاذبة باستخدام أحد مواقع التواصل الاجتماعي»، الموجهة لهم في القضية 1228 لسنة 2021م، يحمل كثيرا من الرسائل التي يستهدف الانقلاب إرسالها للجميع.

الحكم الذي ينتظر التصديق من رئيس الانقلاب ومن يفوضه كحاكم عسكري قبل تنفيذه، قد يفهم منه أن الديكتاتور عبدالفتاح السيسي لا يضع اعتبارا لردود الأفعال الدولية وإدانتها للحكم، وبالتالي فإن الحكم هو بحد ذاته تأكيد على إصرار السيسي على مواصلة طريق البطش والقمع حتى منتهاه دون اكتراث للعواقب. وقد يكون الهدف من الحكم هو قياس مدى ردود الأفعال الدولية وما يمكن أن يتعرض له نظام السيسي من عقوبات جراء الإصرار على حبس نشطاء لهم مكانة عند العواصم الغربية في واشنطن وباريس وبرلين ولندن. وبالتالي فإذا كانت ردود الفعل قد تلحق بالنظام أضرارا مؤثرة فإن السيسي قد يلجأ إلى العفو كصلاحية من صلاحياته وبذلك يطفئ شعلة النقد قبل أن تتفاقم ووتتحول إلى عقوبات حقيقية على نظامه، أما إذا توقفت ردود الفعل الدولية لا سيما من الإدارة الأمريكية التي دانت الحكم بالفعل في بيان لها، عند حدود الكلام والبيانات والشجب، فإن نظام السيسي على الأرجح سيمضي في طريقه دون اكتراث كما حدث من قبل في محطات كثيرة سابقة منذ انقلابه المشئوم في يوليو 2013م. يبرهن على ذلك توقعات جورج إسحاق، عضو القومي لحقوق الإنسان، عند إحالة الثلاثة للمحكمة، أن تكون تلك الإحالة مقدمة للعفو الرئاسي عنهم، مفسرًا بأن الانفراجة في ملف السجناء التي يتحدث عنها عدد من المسؤولين في الدولة تنحصر في إصدار قرارات عفو رئاسي عن السجناء المحكوم عليهم وليس المحبوسين إحتياطيًا، ومن ثم فمن الوارد بحسب إسحاق أن تكون الإحالة للمحكمة غرضها الاستفادة من عفو رئاسي.

الرسالة الثانية من الحكم ـ رغم أنه مخفف ولا يمكن مقارنته بالأحكام المغلظة والقاسية على قيادات الإسلاميين وعناصرهم من الإخوان وغيرهم ـــ هي للقوى العلمانية التي تعارض النظام؛  فالحكم  هو رسالة لهؤلاء أن نظام 30 يونيو لن يتهاون أو يتسامح مطلقا مع أي شكل من اشكال المعارضة حتى لو كانت معارضة في حدها الأدنى. وبالتالي فإن السيسي يبرهن بمثل هذا الحكم أنه بعدما سحق الإسلاميين فإنه لن يتسامح مطلقا مع شباب الثورة من القوى العلمانية أو تلك الأحزاب والقوى التي قد تمثل له إزعاجا لا سيما وأنهم يحظون بدعم العواصم الغربية. فالسيسي لا يقبل إلا بالإذعان الكامل والخضوع المطلق لسياساته وتوجهاته والتسليم بما يراه دون اعتراض أو نقاش. فهو يتعامل مع المجتمع المصري بوصفه فرقة عسكرية تدار بالأوامر والتوجيهات العليا، ولا يحق لأحد الاعتراض وإلا عوقب بالتحويل إلى محاكمة عسكرية أو أمام إمام محاكم استثنائية.

الرسالة الثالثة، ترتبط بحجم الاستهانة والاستخفاف بالرأي العام المحلي، وعدم الاكتراث بحجم الانهيار الذي حدث للمنظومة القضائية في مصر؛ فالذي نطق بالحكم (الكيدي بدوافعه وحيثياته السياسية) هو حاجب المحكمة من داخل غرفة المداولة في ظل غياب القضاة والمتهمين، وهو أمر غريب يناقض أبجديات العمل القضائي. الأمر الذي يمثل برهانا على انهيار منظومة العدالة في مصر بعدما هيمن السيسي على جميع مفاصل السلطة القضائية وروَّض محكمة النقض التي استعصت لفترة ثم خرت أمام الدكتاتور راكعة ذليلة.

الرسالة الرابعة، هي أن هذه المحاكمة المسيسة كمعظم المحاكمات السياسية التي جرت منذ انقلاب يوليو 2013م، لا سيما وأن المتهمين تجاوزوا مدة الحبس الاحتياطي يمثل ترجمة حقيقية لزيف الادعاءات التي يروج لها النظام العسكري وبعض مقربيه من صناديد الإعلام حول انفراجة سياسية وحقوقية، وبرهنت هذه المحاكمة الهزلية على أن ما تسمى بالإستراتيجية القومية لحقوق الإنسان ماهي إلا أكذوبة كبرى يرد به تبييض صورة النظام الذي يملك سجلا حافلا في الظلم والانتهاكات الوحشية؛ حيث يقبع في سجونه أكثر من 60 ألف معتقل سياسي في ظروف قاسية محرومين من الطعام الجيد والدواء وحقهم في الزيارة والتريض. وبالتالي فالمحاكمة الهزلية والحكم الصادر إنما هو برهان على سوء الأوضاع وأن مصر تمضي باستمرار نحو الأسوأ دون أمل في نظام أدمن التعذيب والانتهاكات حماية لسلطانه الذي اغتصبه بانقلاب عسكري.

الرسالة الخامسة، هي غموض الطريقة التي ستم بها تنفيذ هذا الحكم الجائر؛ وينقل موقع "مدى مصر" عن أحمد راغب، محامي الباقر، أن الأمر يخضع لوجهات نظر؛ وأنه يرى ضرورة خصم مدة الحبس الاحتياطي التي قضاها المتهمون الثلاثة على ذمة القضية 1356 لسنة 2019، منذ سبتمبر 2019، وذلك لأن الاتهام بنشر أخبار كاذبة، الذي أصدرت بموجبه محكمة الجنح اليوم حكمها في القضية 1228 لسنة 2021، كان ضمن الاتهامات التي وجهتها نيابة أمن الدولة العليا للمتهمين في «1356»، ومن ثم فهناك ارتباط قانوني بين القضيتين يُلزم بتنفيذ حكم اليوم منذ لحظة القبض عليهم، في سبتمبر 2019م. في المقابل اعتبر محامي «أكسجين» أن إمكانية خصم مدة الحبس الاحتياطي التي قضاها المتهمون الثلاثة من الحكم الجديد، هي إمكانية محل تشكك طالما لم تحفظ النيابة العامة الاتهامات التي حُبس على إثرها عبد الفتاح وباقر وأكسجين احتياطيًا منذ أكثر من عامين. ويدلل خاطر بواقعة سابقة، عندما قضت محكمة جنح طوارئ مصر القديمة، في 17 نوفمبر 2021م، بحبس المحامي زياد العليمي خمس سنوات، والصحفيين حسام مؤنس وهشام فؤاد أربع سنوات، بتهمة نشر أخبار كاذبة، في قضية منسوخة من القضية المعروفة بـ«خلية الأمل»، موضحًا أن الواقعتين قانونيًا متماثلتين، ولكن الرأي الذي رُجح وقتها هو عدم خصم مدة الحبس الاحتياطي التي قضوها (عامين وخمسة أشهر) إلا في حالة براءتهم من قضية «خلية الأمل»، أو استبعادهم منها أو حفظ التحقيق بها. وشدد خاطر على أن الأمر مرهون بما سيصدر من النيابة العامة من بيانات تخص موعد بدء وانتهاء تنفيذ العقوبة.

كانت إدارة سجن طرة 2 شديد الحراسة «العقرب» قد أخبرت علاء عبد الفتاح، ومحمد إبراهيم «أكسجين»، ومحمد الباقر، في 13 أكتوبر الماضي، بإحالتهم إلى محكمة جنح أمن الدولة طوارئ، على ذمة قضية جديدة تم استنساخها من القضية رقم 1356 لسنة 2019 (جنايات).

وعلى مدار ثلاث جلسات، في 18 أكتوبر والأول والثامن من نوفمبر 2021م، نظرت المحكمة القضية، دون أن تستجب خلال أيٍ من الجلسات لمطالب دفاع المتهمين، بالحصول على صورة رسمية كاملة من ملف الدعوى، والتصريح للمحامين بزيارة موكليهم في السجن لمناقشة استراتيجية الدفاع، إضافة إلى السماح لعبد الفتاح بتحرير توكيل خاص يسمح لدفاعه باتخاذ الإجراءات القانونية في دعوى المخاصمة ضد محامي عام نيابات أمن الدولة والمحكمة التي تنظر الدعوى. وكذا تمكين «أكسجين» من تحرير توكيل خاص لدفاعه من أجل اتخاذ الإجراءات القانونية لتحريك دعوى مخاصمة ضد هيئة المحكمة التي تنظر الدعوى.

كما شهدت الجلسة الأخيرة، شرح عبد الفتاح والباقر لهيئة المحكمة الظروف القاسية لاحتجازهما، وإشارتهما إلى منعهما من حقهما في القراءة والتريض. في الوقت الذي طالب محامي «أكسجين» برد المحكمة ومنعها من نظر القضية، ما قابله رئيس المحكمة برفع  الجلسة دون تعليق أو استجابة، قبل أن يصدر قرار المحكمة بحجز القضية للحكم الذي صدر الإثنين.

 

تنديد حقوقي

من ناحيتها دانت 10 منظمات حقوقية الحكم بسجن النشطاء الثلاثة، وطالبت بإلغائه وحفظ الدعوى، وحملت سلطات الانقلاب المسئولية عن حياتهم وصحتهم النفسية والجسدية، وأشارت المنظمات إلى أن هذا الحكم "المشين" يبرهن على استمرار سياسات الحكومة المعادية لحقوق الإنسان، بما يؤكد ما سبق وأشارت إليه المنظمات المصرية المستقلة بشأن "هزلية" الإعلان عن إستراتيجية لحقوق الإنسان، التى تدعي استقلالية السلطة القضائية ومراعاة حقوق الإنسان في مصر على نحو مناف للواقع، و"عبثية" الإعلان عن رفع حالة الطوارئ التي ما زالت مستمرة بقوانين قمعية أخرى، تضمن إهدار حياة الأبرياء في السجون.

وقالت أن الحكم الصادر من محكمة استثنائية لا يمكن الطعن على أحكامها، يأتي ضمن مجموعة من الانتهاكات الخطيرة والمتصاعدة خلال العامين الماضيين بحق النشطاء الثلاثة، والمحتجزين منذ أكثر من عامين على خلفية اتهامات ملفقة في القضية رقم 1356 لسنة 2019، رغم تخطيهم الحد الأقصى للمدة القانونية للحبس الاحتياطي. وبدلاً من الإفراج عنهم، تم تدويرهم على هذه القضية الجديدة المستنسخة من الأولى، والتي صدر حكمها بعد سلسلة من الخروقات القانونية المتصلة طول فترة التحقيق والمحاكمة.

البيان وقع عليه كل من "مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ، مبادرة الحرية ، كوميتي فور جستس ، الجبهة المصرية لحقوق الإنسان ، مركز النديم ، مؤسسة حرية الفكر والتعبير ، المفوضية المصرية للحقوق والحريات ، المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ، مجتمع التقنية والقانون – مسار ، المركز الإقليمي للحقوق والحريات".