انفصاليو الصرب يهددون استقرار البلقان وسط محاولات تركية لتجنب الحرب

- ‎فيعربي ودولي

"لن يكون هناك استقرار في البلقان ما لم يكن هناك استقرار في البوسنة، ولن يكون هناك استقرار في أوروبا والعالم ما لم يسد الاستقرار البلقان" هذه العبارة تكررت على ألسنة كثير من القادة المعنيين بالشأن الإقليمي الأوروبي في يوغوسلافيا القديمة، وورثتها في كرواتيا وصربيا والبوسنة وكوسوفو.
فعلى وقع محاكمة قادة عسكريين من الصرب كانوا متهمين بقتل 100ألف مسلم خلال حرب البوسنة في التسعينيات، تستمر الأزمة التي خلقها الصرب في جمهورية البوسنة والهرسك، والتي تهدد بعودة الحرب للبلاد.

 

تطورات أخيرة
وحذر مراقبون وسياسيون بوسنيون من تحركات سياسية خطيرة وأجواء تحشيد وتسليح لميليشيات، ما زاد الخشية من تحول الأزمة السياسية إلى نزاع مسلح جديد، خاصة أن المنطقة الصربية في البوسنة مازال يعيش بها أعداد من المسلمين.

وبداية ديسمبر 2021، انسحب نواب صرب البوسنة الانسحاب من المؤسسات المركزية في البوسنة والهرسك، رغم تحذيرات الغرب ضد هذه الخطوة، ومرر برلمان صرب البوسنة تصويتا يلزم الحكومة المحلية بالانسحاب من 3 مؤسسات مشتركة أساسية، هي الجيش والنظام القضائي والضرائب في الأشهر الستة القادمة.

الأجواء المقلقة لمسلمي البوسنة دعتهم إلى إظهار خشيتهم من عودة الحرب، بحسب ما نقلت تقارير منها واحد لصحيفة "ذا تايمز" البريطانية، أشار إلى أنه على غرار ما جرى بين عامي 1992 و1995 من حرب مدمرة بين البوسنيين والصرب والكروات وتخللتها مذابح خلفت أكثر من 100 ألف قتيل، منهم نحو 80 ألفا من البوسنيين (البوشناق) في موستار وسربرنينتشا.

بداية الأزمة
ورصد مراقبون بداية الأزمة بقرار أممي، حيث فرض المبعوث الدولي السابق في البوسنة، فالنتين إنزكو قبل نهاية ولايته، حظرا على إنكار الإبادة الجماعية التي وقعت خلال حرب البوسنة، ما أغضب قادة الكيان ذي الأغلبية الصربية في البوسنة، المعروف باسم "جمهورية صربسكا"، وأعلنوا مقاطعة لمؤسسات الدولة البوسنية.

كما هدد ميلوراد دوديك، زعيم الصرب في البوسنة والهرسك، أخيرا بالانفصال عن البوسنة إذا لم يتم العودة إلى أصل اتفاقية دايتون، التي أنهت الحرب في البلد الذي يعاني أزمة سياسية منذ فترة، عمّقتها تصريحات دوديك الأخيرة.

في حين استدعى بعضهم العداء مع تركيا في ظل حشد أوروبي متصل ضد أنقرة، مذكرين أن دولة صربيا الوليدة من أشد أعداء تركيا منذ الحرب التركية في حرب البلقان الأولى عام 1912، التي انتزعت من الدولة العثمانية آخر ممتلكاتها الأوروبية، ومنذ الحين اتسمت العلاقة بين الجانبين بالتوتر مع دعم تركي لمسلمي يوغسلافيا سواء في البوسنة أو ألبان كوسوفو.

 


 

زيارة  أكار
وزار وزير الدفاع التركي خلوصي آكار البلقان قبل ساعات من العام الجديد 2022، الزيارة التي اعتبرها المحلل السياسي التركي محمد أونلماز، جاءت بعد تصاعد دعوات صربية للانفصال وتشكيل جيش  صربي مستقل في البوسنة ذات الوضع المضطرب، توجّه أردوغان  للبوسنة، كان المكهرب، وحصلت مشادة كلامية في المؤتمر الصحفي بين عضو المجلس الرئاسي البوسني والصربي.
وأضافت أن أردوغان دعا الجميع إلى الهدوء، وحذّرهم من أي خطوة قد تجر البلاد إلى حرب أهلية أخرى، كالتي حصلت في بداية التسعينات، وقال إن "تركيا ستقف بكل قوتها  كما وقفت دائما  إلى جانب البوسنة.

وأستدرك أن زيارة أردوغان الدبلوماسية ودعواته للهدوء، لم تلاقِ تجاوبا واسعا مع الصرب.
والتقى آكار في زيارته بالمسؤولين البوسنيين والكوسوفيين، وأخبرهم أن تركيا مستعدة للوقوف دائما معهم بناء على طلبهم.

وزار أضرحة أبطال المقاومة ضد الصرب في كلا البلدين، وكانت آخر محطة له في زياراته لكلا البلدين هي مقرات الجنود الأتراك الموجودين هناك ضمن المهمات الدولية.


 

دعم روسي
أونلماز استدعى خلفيات لموقف الصرب الذين التقى قائدهم زعيم الصرب في البوسنة دوديك في أكتوبر 2021، بوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، وأطلعه على خطة أعدها من أجل فصل الصرب عن البوسنة والهرسك، وتتضمن خطته تشكيل جيش صربي خارج جيش البوسنة، وقال دوديك بعدها إنه "تلقى دعما ضمنيا من روسيا لخطته".
وعلى سبيل إذكاء روح الدبلوماسية، دعا الرئيس التركي  دوديك إلى أنقرة، وحذره من أي عمل قد يؤدي إلى حرب أهلية جديدة في البوسنة، لم يفصح أحد عن محتوى اللقاء، ولكن دوديك قال بعد الزيارة "وعدت أردوغان بأننا لن نحارب".
الدعم الروسي للصرب، فوق أنه أثار حفيظة الأتراك، إلا أنه أثار غضبا أوروبيا ، وبيّن قلقهم من النفوذ الروسي في المنطقة مع تعزز علاقة صربيا بموسكو، وكذلك مفاخرة زعيم صرب البوسنة بعلاقاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتهديده باللجوء لمساعدة الصين وروسيا إذا فرضت عقوبات أوروبية على صرب البوسنة.

كوسوفا وصربيا

من جانب آخر، وصلت كلا من كوسوفا وصربيا إلى شفير الحرب تقريبا، بسبب قوانين كوسوفية تجبر السيارات الصربية على استخدام لوحات محلية داخل كوسوفا، وقد حشدت كلا الدولتين قواتهما على الحدود، وسط دعم روسي كبير لصربيا، بينما تكتفي أوروبا بإبداء قلقها عن التطورات،
ولأن الدعوات التركية إلى التهدئة لم تلاقِ جوابا من صربيا والصرب، الذين يستقوون بروسيا ويستغلون الخلاف الأوروبي، وبالتالي قررت تركيا إرسال رسالة عبر وزير الدفاع، أنها موجودة بجيشها أيضا للحفاظ على قواعد اللعبة.


ورأت تقارير أن موقف تركيا تجاه أزمة البوسنة يشهد تصعيدا، وباتت تبعث برسائل ذات مغزى سياسي وعسكري، لأن تركيا تولي أهمية كبرى لاستقرار البوسنة والهرسك.
وباتت تلوح للصرب بجزرة الاقتصاد وعصا البيرقدار، وتحمل رسائل تركيا دعما لمسلمي البوسنة، مع استمرار تأكيدها على حرصها على العلاقات مع كل مكونات البوسنة -الصرب والكروات والأرناؤوط والمقدونيين والبوشناق- والحفاظ على العلاقات الوثيقة التي تشكلت مع صربيا في السنوات الأخيرة.

ولكن منذ تولي حزب العدالة والتنمية الحكم، حاولت أنقرة الابتعاد عن كونها مجرد نصير لمسلمي البلقان، وبدلا من ذلك تعمل كوسيط قوة بين المجموعات العرقية في المنطقة، أصبح هذا واضحا خلال زيارة أردوغان للبوسنة، وزيارة زعيم صرب البوسنة دوديك إلى تركيا.