لا أنكر أنني فرحت لهلاك المجرمين وائل الإبراشي وتهاني الجبالي، كما فرح ملايين المصريين بهلاكهما، وضجت مواقع التواصل الاجتماعي معبرة عن فرحتها بموتهما في يوم واحد الأحد 09 يناير 2022م، فالفرحة في هلاك الظالمين والمجرمين والمفسدين في الأرض هي شكل من أشكال العبادة لله والتذكير بقدرته وجبروته، فهلاك بعض المجرمين فرصة للتذكير بأن الطغاة والظالمين مهما عاشوا فمصيرهم الموت "كل من عليها فان"، وأنهم مهما تمتعوا بالنفوذ والسلطة والجبروت، ومهما كنزوا الثروات والأموال، فإنهم سيفارقون كل ذلك حتما، لعل مثل هذه المعاني تكون رادعا لبعضهم، فيتوقفوا عن ظلمهم وغيهم وإجرامهم بحق الأبرياء.
فرحة المظلوم بهلاك الظالم هي سنة من سنن الله في الخلق والناس، وسلوك قويم يتسق مع الفطرة السوية، فهب أن قاطع طريق خرج عليك وعلى أسرتك وأشهر سلاحه في وجهك، فسطا على مالك واغتصب زوجتك وهم بقتلك وقتل أولادك، ألا تفرح إذا جاءته مصيبة مفاجئة طرحته أرضا وتركته عاجزا عن استكمال جريمته؟ هذا هو الأمر على النحو السليم والتكييف الصحيح.
فرحة مواقع التواصل الاجتماعي لهلاك الإبراشي والجبالي دفعت دار الإفتاء السيسية إلى إصدار فتوى جديدة تنتقد فيها سلوك المظلومين بوصفهم شامين في موت الآخرين! دار الإفتاء تكيف المسألة على نحو مليء بالتلبيس والتدليس، وتفرغ الحدث من مضمونة وجوهره وحقيقته بوصفه سلوكا طبيعيا من المظلومين الذين أنهكتهم مظالم السلطة وأزلامها في القضاء والإعلام ومؤسسات الدولة. لذلك انتشر مقطع الإبراشي مع الداعية الإسلامي الدكتور محمود شعبان بوصفه خلاصة حياة الإبراشي الذي كان حتى أنفاسه الأخيرة بيدقا من بيادق الظالمين يوجهونهم نحو الأبرياء للعصف بهم وتبرير جرائم السلطة بحقهم.
دار الإفتاء تقول إن الشمانة في موت الآخرين ليس من صفات الإيمان، لافتة إلى أن رسولنا الكريم كان حريصاً على نجاة جميع الناس من النار.وقالت دار الإفتاء في بيانها " تعليق بعض شباب السوشيال ميديا على مصائر العباد الذين انتقلوا إلى رحمة الله تعالى ليس من صفات المؤمنين، ولا من سمات ذوي الأخلاق الكريمة. ويزيد الأمر بعدًا عن كل نبل وكل فضيلة أن تُشْتَمَّ في التعليق رائحة الشماتة وتمني العذاب لمن مات".
الشماتة في اللغة هي الفرح بمصيبة تنزلُ بعدو. وعند المفسر العظيم "ابن عاشور" في كتابه التحرير والتنوير، فإن َالشَّمَاتَةُ هي سُرُورُ النَّفْسِ بِمَا يُصِيبُ غَيْرَهَا مِنَ الْأَضْرَارِ. وبحسب فتوى موقع "إسلام ويب" الذي يشرف عليه مئات العلماء والدعاة إلى الله فإنه لا حرج في الشماتة بهذا المعنى بما يصيب العدو الظالم المفسد، لا سيما إذا كانت البلية التي حلت به قاطعةً لشره، وضرره على الناس، وقد نص الفقهاء على جواز الفرح بما يصيبه من البلايا لانقطاع شره. وقد ورد عن السلف أنهم كانوا يفرحون بهلاك الظلمة، ومن ذلك ما رواه ابن سعد في طبقاته: عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، عَنْ حَمَّادٍ، قَالَ: بَشَّرْتُ إِبْرَاهِيمَ بِمَوْتِ الْحَجَّاجِ فَسَجَدَ قَالَ: وَقَالَ حَمَّادٌ: مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ أَحَدًا يَبْكِي مِنَ الْفَرَحِ حَتَّى رَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ يَبْكِي مِنَ الْفَرَحِ.
اللافت في الأمر، أن بعض الناس ـ جلهم من المقربين للسلطة ــ يعتبرون أن الفرح بهلاك ظالم نوعٌ من الشماتة، وأنَّ الميت إنما تجوز عليه الرحمة، وأنه لا يجوز أن نَذكره بسوء أو نشمت به أو نفرح لموته مهما كانت أفعاله في الدنيا، ويحتجون في ذلك بحديث: (اذكروا محاسن موتاكم، وكُفُّوا عن مساويهم)، متجاهلين أنه حديث ضعيف. والحقيقة أن هناك خيطًا رفيعًا بين الشماتة في المسلم والفرح بهلاك ظالم أو طاغية أو فاسق أو متجبِّر؛ فلقد نُهينا عن الشماتة وأُمرنا بالاستعاذة منها، ولكننا لم نُنْهَ عن الفرح بهلاك ظالم أو طاغية أو فاسق أو متجبر. قال تعالى: ﴿ فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأعراف: 150]. كما روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تَعَوَّذُوا بالله من جَهْد البلاء، ودَرَك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء).
معنى ذلك أن الشماتة في موت الصالحين خلق ذميم، أما الفرح بهلاك الطغاة والظالمين و المتجبرين في الأرض والمنافقين الذين كانوا يحرضون على قتل الأبرياء وسجنهم ظلما وعدوانا، وأذَلُّوا عباد الله واستباحوهم، وجعلوا أيامهم على الأرض شقاءً وكدحًا، ونال أذاهم القاصيَ والداني، فالفرح في موتهم إنما هو في حقيقته تقرُّب إلى الله تعالى بالاعتراف بقدرته جل شأنه على تحقيق وعيده بالقِصاص من الظالمين.
وقد أقرَّ الرسول (ﷺ) ذلك في الحديث الذي رواه البخاري؛ عن أبي قتادة بن ربعي الأنصاري قال: مُرَّ على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة، فقال: ((مُستريح ومُستراح منه))؛ فقالوا: "يا رسول الله، ما المستريح وما المستراح منه؟"، قال صلى الله عليه وسلم: (إن العبد المؤمن يستريح من نَصَبِ الدنيا وأذاها إلى رحمة الله تعالى، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب). وفي الحديث الذي رواه البحاري ومسلم، عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : مَرُّوا بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَجَبَتْ ) ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا فَقَالَ ( وَجَبَتْ ) فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : مَا وَجَبَتْ ؟ قَالَ : ( هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ ).
في هذين الحديثين يبيَّن النبي (ﷺ) أن الفاجر حين يموت يكفي العباد شره، ويريحهم من فجوره وغطرسته، بل حتى الشجر والدواب يستريحون منه، وفيه عظيم دلالة على أنَّ هذه الراحة نعمة من نعم الله الجليلة التي لا بد من شُكرها، وأول أبواب شكرها: الفرح بها.
فافرحوا يا معشر المظلومين والمضطهدين في الأرض بهلاك الطغاة والظالمين وكل من شايعهم وأيدهم، ولعل الله يفرغ عليكم رحمته بهلاك الطاغية الأكبر قريبا ويومئذ يفرح المؤمنون، وسوف يخرج ملايين المصريين المصريات يطلقون الزغاريد على رحيل هذا الطاغية الذي أذل الناس وحول حياتهم إلى جحيم لا يطاق. فقد سجد علي ابن أبي طالب لله شكرا عندما وصله هلاك أحد زعماء الخوارج الذين كانوا يذيقون الناس العذاب الأليم.