ورقة بحثية: تخصيص “الجزر” والأراضي لإمبراطورية الجيش ضمان ولاء وشراكة في الفساد

- ‎فيتقارير

قالت ورقة بحثية نشرها موقع "الشارع السياسي" تعليقا على قرارات السيسي الأخيرة بتخصيص 37 جزيرة نيلية وأربعة قرارات في 26 يناير بضم مساحات وأراض بمساحات واسعة لصالح جهاز الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة إنها " شكل من أشكال الرشوة من أجل ضمان ولاء المؤسسة لشخصه وعدم الغدر به".
وأضافت الورقة التي جاءت بعنوان "بقرارات السيسي ، إمبراطورية الجيش تلتهم الدولة" تعليقا على آخر هذه القرارات وخلفياتها. وأولها، نشرته الجريدة الرسمية في ذكرى  الثورة 25 يناير، تحت رقم 13 لسنة 2022، حيث قرر السيسي تخصيص 37 جزيرة لصالح القوات المسلحة 36 منها جزر نيلية، وجزيرة واحدة بحرية، ويشمل القرار جزرا مختلفة المساحة أكبرها جزيرة البدرشين التي حددت إحداثياتها المُعدة من قبل إدارة المساحة التابعة للهيئة الهندسية للقوات المسلحة مساحتها بـ852 فدانا، وأصغرها جزيرة بحرية أطلق عليها القرار اسم «الجزيرة المواجهة لشركة الأمل» دون تحديد موقعها، بمساحة سبعة أفدنة.
وثانيها، أصدر السيسي يوم الأربعاء 26 يناير، أربعة قرارات تضمنت تخصيص مساحات كبرى من أراضي الدولة للجيش ممثلا في جهاز مشروعات الخدمة الوطنية؛ بدعوى تحويلها إلى مشروعات استثمارية تصب في ميزانية الجيش غير الخاضعة لأي نوع من الرقابة، بمنأى عن مساءلة الأجهزة الرقابية والتشريعية في الدولة.

شريك في الفساد
وفسرت الورقة هذه القرارات أيضا بما "يتعلق بتقسيم الغنائم والامتيازات والتوزيع الجائر للثروة في البلاد، وبهذه القرارات نجح السيسي في إعادة تموضع الجيش اقتصاديا بعيدا عن المشروعات الخدمية والإنتاجية التابعة له، والتي تطورت منذ نهاية السبعينات، وتعاظمت في عهد السيسي".
وأكدت أن "الجيش شريك رئيس لأي استثمار عقاري أو خدمي على الأرض، وبقية الأطراف الفاعلة في الاقتصاد، سواء من رجال الأعمال المصريين أو المستثمرين الأجانب، عليهم العمل إما بشراكة مع الجيش أو المرور من خلال موافقته".

 

تضخيم الامبراطورية
وفسرت الورقة القرارات على أنها أيضا "تعزيز استقلالية المؤسسة العسكرية عبر تضخيم الإمبراطورية الاقتصادية، بمعنى أن الجيش يريد لنفسه استقلالية كاملة في الموارد والإيرادات إلى الحد الذي يجعل الدولة نفسها تحتاج إليه، فالواقع وتطوراته وطبيعة العلاقات المدنية العسكرية داخل الدولة المصرية وبين مؤسساتها المختلفة تلقي بعض الأضواء على التحولات التي جرت على عقيدة المؤسسة العسكرية".
وأضافت أنه "إذا كان هناك تحولات كبرى واضحة على العقيدة القتالية للجيش تتمثل في اعتبار الداخل المصري (الإسلاميون ـ الثوار) تهديدا وليس الخارج (إسرائيل ــ إثيوبيا)، فإن هناك تحولات أخرى على عقيدة الجيش الاقتصادية تتمثل في تبني المؤسسة العسكرية تعريفا للأمن القومي يركز على الجانب التنموي، والذي يُقصد به أن يكون للقوات المسلحة المصرية الإمكانات والقدرات الخاصة المستقلة التي تتيح لها امتلاك قرارها سلما وحربا، داخليا وخارجيا؛  من أجل ضمان عدم توريط القوات المسلحة في أي قرار يترتب عليه تنفيذ مهمات في الداخل أو الخارج".

القدرة المالية
ورأت الورقة أن مثل هذه القرارات تعني أن "الجيش بات يمتلك قدرة مالية منفصلة بالكامل عن الدولة المصرية، ويحرص قادة الجيش على ترسيخ هذه الاستقلالية في نفوس أبنائه من خلال التصريحات بشأن هذه القدرة تحصيلا وإنفاقا؛ فقد صرح اللواء محمود نصر، مساعد وزير الدفاع للشئون المالية وعضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة وفقا لجريدة الشروق الصادرة بتاريخ 27 مارس 2012، آنذاك، بأن القدرة المالية للجيش المصري هي بعرق أبنائه ، هذا المال يؤمن لنا القدرة على حماية مقدرات أمننا القومي، وتتأكد لنا هذه الاستقلالية من خلال القروض والتبرعات التي تقدمها القوات المسلحة للدولة المصرية، فقد صرح اللواء محمود نصر، مساعد وزير الدفاع في ندوة نظمها المجلس الأعلى للقوات المسلحة حول مستقبل الاقتصاد المصري في ديسمبر 2011 بأن “القوات المسلحة أقرضت البنك المركزي مليار دولار من عائد مشروعاتها الإنتاجية”، كما أعلن الجيش المصري في يونيو 2014 عن التبرع لصندوق تحيا مصر بمليار جنيه، وفي أبريل 2020 تبرعت القوات المسلحة للصندوق أيضا بمبلغ 100 مليون جنيه.

قضم متتابع
وأشارت الورقة إلى أن عمليات القضم المنظم والمتتابع للأرض ومنحها للجيش تناقض نصوص جميع الدساتير المصرية التي نصت على أن أرض مصر ملك للشعب، وهو الوحيد صاحب الحق في التصرف فيها، لكن السيسي يخالف ذلك عمليا ويمضي دون اكتراث  باعتبار مصر ملكية عسكرية ولا أحد له الحق سواه.
وخلصت إلى أن "أي اعتداء أو عدوان أو استيلاء على أراضي الدولة أو استغلالها بخلاف النشاط المخصصة له يعد مخالفا للدستور والقوانين التفصيلية المعنية بهذا الشأن".

أسباب الانقلاب
وأوضحت الورقة أن الانقلاب مبعثة "الهيمنة السياسية والاقتصادية والإعلامية للجيش على مفاصل المشهد المصري، وأن بروز دور المؤسسة العسكرية سياسيا في أعقاب ثورة 25 يناير2011م، أكد سعيها إلى دسترة وقوننة أوضاعها من أجل أن تبقى وصية على الدولة والمجتمع أو بمعنى أكثر دقة دولة فوق الدولة".
وأوضحت أنه عندما "فشلت المؤسسة العسكرية في تحقيق ماكانت تطمع فيه من خلال دستور 2012م، انقلبت على المشهد كله ونسفت المسار الديمقراطي بكل عنف، وسيطرت على البلاد بقوة الدبابات وصناديق السلاح والذخيرة في يوليو 2013م وعمدت بعد ذلك إلى دسترة وضعها الشاذ والغريب كوصية على الدولة والمجتمع؛  وحماية هذا الوضع بكل ما أمكن لها؛ ولذلك جاء دستور 2014 وتعديلاته عام 2019 لتكشف عن هذه الوصاية التي أصبحت واقعا ملموسا ومعترفا به، فقد نصت المادة (200) بعد التعديل على أن “القوات المسلحة ملك للشعب، مهمتها حماية البلاد، والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها، وصون الدستور والديمقراطية، والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها، ومكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد، والدولة وحدها هي التي تنشئ هذه القوات، ويحظر على أي فرد أو هيئة أو جهة أو جماعة إنشاء تشكيلات أو فرق أو تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية".

عواقب وخيمة
وحذرت الورقة من "تغول الجيش على حساب الدولة والمجتمع " واعتبرته يمثل مخاطرة غير محسوبة العواقب، في الحاضر، وتلغيما لمستقبل البلاد، ومقامرة شديدة الخطورة تضع الجيش في مواجهة الشعب بشكل متصاعد وغير مبرر، ولن يكتب للدولة المصرية أن تخرج من طور الاستبداد والفساد إلا بإستراتيجية قومية توقف التغول العسكري وتمكن السيطرة المدنية  من حكم البلاد وفق قواعد وآليات الديمقراطية، وعلى المؤسسة العسكرية أن تكون مؤمنة أكثر من أي مؤسسة أخرى أن مثل هذا الطريق الديمقراطي المدني هو المستقبل الحقيقي الأكثر أمانا للحفاظ على كيان الدولة المصرية، وحماية الأمن القومي المصري ضد أي تهديد أو عدوان.

https://politicalstreet.org/4992/?fbclid=IwAR0iZqsO6UGNaO1JeN-S5KiISyUfK7QebZeol6nvGzywmC8_eUyGzR50c3M