مصر في زمن السيسي ومختار جمعة.. مسلسل كل ساعة وحظر للتهجد والاعتكاف

- ‎فيتقارير

شيء غريب حقا يحدث في بلاد العرب خلال العقود الماضية، ومع بزوغ عصر التلفزيون دأب الحكام على إفساد شهر رمضان على المسلمين بالفوزاير أولا حيث كانت نيللي تحظى بشهرة كبيرة، ثم شيريهان، ثم بالكم الهائل من المسلسلات والأعمال الدرامية على قنوات التلفزيون الرسمي قبل ظهور الفضائيات الخاصة وأطباق الدش والإنترنت؛ لكن تلك فترة قد ولت وانقضت، وشرع صناع الدراما في المزيد من إفساد شهر رمضان من كل عام؛ وكأنهم  فضلوا أن يقوموا مقام الشياطين التي تصفد خلال الشهر الكريم بنص الحديث النبوي،  ليقوموا هم بذات الدور وربما أكبر من الشيطان نفسه؛ وتحول شهر رمضان عند هؤلاء من شهر الصوم والقيام والطاعة إلى شهر المسلسلات والعري والرقص والابتذال؛ حيث يتنافس المنتجون والممثلون في تقديم أعمالهم خلال هذا الشهر الفضيل على نحو مثير للغضب والاستفزاز.

في مصر السيسي مثلا يتم خلال رمضان الحالي (1443 ــ إبريل 2022م) نحو 35 مسلسلا، تقوم على إنتاج معظها شركة "سينرجي" المملوكة لجهاز المخابرات العامة؛ الأمر الذي يعني أن تكثيف الأعمال الدرامية في رمضان هو توجه الدولة تشرف على تنفيذه  أجهزة السيسي الأمنية والإعلامية. وفي الوقت الذي تحاصر الممثلات العاريات الصائمين ليل نهار، وكثافة المسلسلات كل ساعة، نجد وزير الأوقاف محمد مختار جمعة الذي يفترض أنه المسئول عن جميع مساجد مصر وجوامعها، يحظر الاعتكاف والتهجد (تراجع عنه لاحقا) ويحدد صلاة التراويح بنصف ساعة فقط، لم يمنح حتى الحرية للناس في مسألة الإطالة (الصلاة بجزء كل يوم) أو حتى التقصير (أقل من جزء في اليوم)، فهذا التنوع مطلوب ليناسب الهمم المختلفة والرغبات المتباينة؛ لكن الوزارة المحكومة بأوامر جهاز الأمن الوطني، قررت إلزام المسلمين جميعا بما تراه وتجبرهم على ذلك؛ ثم تهدد المخالفين بأشد العقاب!

معنى ذلك أن النظام يحاصر الصائمين بنحو مسلسل كل ساعة إذا استثنينا فترة النوم، وهي نوعية من الدراما غير النظيفة حيث تقدم الدولة من خلالها وجبة دسمة من الأكاذيب والافتراءات كما يحدث في مسلسل «الاختيار3»؛ حيث يتم توظيف الدراما سياسيا لخدمة أجندة النظام وتحقيق أهدافه وتسويق روايته حتى لو ناقضت الواقع والحقيقة من خلال تزييف الأحداث التي عاينها عشرات الملايين من المصريين. 

وفي مسلسل آخر «أمل فاتن حربي»، يتم التطاول بصورة مستفزة على قيم الإسلام وأحكامه، ويظهرون الشيخ الأزهري بزيه الرسمي (عمامة الأزهر ــ جلبابه) في صورة شخص دنيء النفس خسيس الطبع منافق متلون؛  فلماذا تسمح الدولة بتقديم الشيخ الأزهري على هذا النحو المهين؟ قلنا مرارا إن السيسي يعادي الإسلام جهارا دون اكتراث أو خوف من ردود الأفعال؛ ذلك أن الذي يحارب الإسلام لا يرفع بالضرورة شعال العداء الصريح له بل تحت لافتة لطيفة (التفسير الصحيح للإسلام ــ الإسلام الوسطي المعتدل ــ تطهير الإسلام من الفكر المتطرف والإرهابي) وتحت هذه اللافتات البراقة يتم هدم الإسلام وفق سياسات متدرجة؛ لكن أكثرها شيوعا هو شيطنة وتشويه علمائه والدعاة إليه؛ وقد فعل مشركو مكة ذلك حينما أعجزهم القرآن فقالوا{وَقَالُوا۟ لَوۡلَا نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ عَلَىٰ رَجُلࣲ مِّنَ ٱلۡقَرۡیَتَیۡنِ عَظِیمٍ}، أي أنهم لا يعيبون على القرآن ذاته ولكنهم يرفضونه لأنه نزل على شخص غير مرغوب فيه عندهم. النبي محمد (ﷺ). وهو عين ما يقوم به السيسي منذ اغتصابه للحكم بانقلاب عسكري،  فقد دأب على شيطنة حركة الإخوان المسلمين كبرى الحركات الإسلامية في العالم، وزج بعشرات الآلاف من قادتها وعلمائها ومفكريها وعناصرها في السجون والمعتقلات بتهم كيدية بالغة الاختلاق والافتراء، ويوظف كل إمكانات الدولة من أجل تشويه العلماء والدعاة إلى الله، وقبل سنوات راح يحظر الغرب في مؤتمر ميونخ للأمن في فبراير 2019م، من خطورة المساجد، وطالبهم بمراقبة المسلمين وعدم منحهم الحرية في العبادة كباقي الأقليات، وفي 2020 شن حربا ضروسا على المساجد بدعوى أنها بنيت بالمخالفة للقانون رغم أنها كانت مبينة منذ سنوات طويلة ويمارس الناس فيها عبادتهم منذ سنوات، ورغم أنه في قبل بسنوات سن قانونا خاصا بتقنين أوضاع الكنائس المخالفة؛ الأمر الذي كشف بعمق حجم التمييز ضد المسلمين والحرب على الإسلام رغم أنه دين الأغلبية في مصر.

اليوم يحاصر السيسي المسلمين الصائمين بعشرات المسلسلات التي أنفق عليها بسخاء بالغ، ويمنح أبطال هذه المسلسلات عشرات الملايين من ميزانية الدولة الفقيرة للغاية، يقترض ليمنح هؤلاء عشرات الملايين من أجل أن يمجدوه ويقدسوه ويظهروه في صورة البطل المنقذ؛ ولكن هيهات هيهات؛ فقد زرع الله في قلوب المصريين كراهية السيسي؛ ومهما فعل لن يراه المصريون إلا طاغية فاسدا دمر البلاد وأفقر العباد، وأغرق مصر في الديون الباهظة.

لماذا تتدخل أجهزة السيسي الأمنية في شئون الجوامع والمساجد على هذا النحو المؤلم والمهين؟ لماذا تخضع المساجد كلها لسلطة الأمن بينما لا تقدر مطلقا أن تتدخل في شئون الكنائس؟ لماذا تستهين أجهزة السيسي الأمنية بالأزهر وعلمائه وشيوخه ودعاته وهو أكبر جامعة إسلامية في العالم؟ فهل يقدر السيسي وأجهزته أن ينتجوا عملا دراميا يظهر فيه رجل الدين المسيحي بصورة قبيحة كما يفعلون حاليا في مسلسل "فاتن أمل حربي" حيث يظهرون الشيخ الأزهري في أبشع صورة؟ ولماذا يهاجمون بعض أحكام الإسلام رغم سماحتها واتساع الفتوى بها ويصمتون على مشاكل الطلاق عند النصاري وهي أزمة مزمنة لا تستطيع الدولة أن تقترب منها مطلقا رغم معاناة مئات الآلاف من رعايا الكنيسة بسببها  وإلحاحهم على الدول بالتدخل وإنقاذهم من تعنت الكنيسة؟  لماذا كل هذ التمييز وتلك العنصرية؟ ولماذا تحاربون الإسلام دون سواه؟!