تركيا والسعودية.. عهد جديد أم مصالحة باردة؟

- ‎فيتقارير

نشر موقع العربي الجديد "النسخة الإنجليزية" تقريرا سلط خلاله الضوء على زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى تركيا وتداعياتها على العلاقات التركية السعودية.

وبحسب التقرير، زار ولي عهد السعودي محمد بن سلمان تركيا في 22 يونيو، كجزء من جولة إقليمية إلى مصر والأردن، وكانت هذه الزيارة هي الأولى له منذ توليه منصب ولي عهد في عام 2017 بدلا من الأمير محمد بن نايف في أعقاب الحصار الذي تقوده السعودية على قطر.

ويأتي ذلك بعد خمس سنوات من العلاقات المتوترة بين أنقرة والرياض على خلفية مقتل جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول عام 2018.

وقال التقرير إن "الرئيس التركي رجب طيب أردوغان زار في أبريل المملكة العربية السعودية للمرة الأولى منذ عام 2017، حيث التقى الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وولي العهد محمد بن سلمان بعد أكثر من عام من جهود التقارب بين البلدين".

وتزامنت زيارة الرئيس التركي مع حلول شهر رمضان المبارك، ما دفع أردوغان إلى التأكيد على أنه الوقت المناسب لإصلاح العلاقات بين البلدين الشقيقين.

وأضاف التقرير أنه في الشهرين الماضيين، تم تغيير موعد زيارة محمد بن سلمان المتبادلة إلى تركيا مرتين في 25 مايو و 3 يونيو، لأسباب تتعلق بصحة الملك سلمان، في ذلك الوقت، ورد أن ولي عهد أراد زيارة اليونان وقبرص إلى جانب زيارته إلى تركيا، الأمر الذي كان يمكن أن يرسل رسالة خاطئة إلى الأتراك بالنظر إلى الإجراءات اليونانية الأخيرة في بحر إيجه وشرق البحر الأبيض المتوسط والتي اعتبرتها أنقرة استفزازية.

وفي نهاية المطاف، تخلى ولي عهد السعودي عن فكرة التوقف عند أثينا ونيقوسيا واستبدلها بمحطات توقف في القاهرة وعمان، ولدى وصوله إلى أنقرة، استقبل نائب الرئيس التركي فؤاد أوكتاي وعدد من المسؤولين المرافقين محمد بن سلمان في المطار، بينما استقبله الرئيس أردوغان في المجمع الرئاسي، حيث كان ينتظره حفل استقبال رسمي.

بعد ذلك، عقد الزعيمان اجتماعا فرديا تم خلاله استعراض العلاقات الثنائية وأوجه التعاون وسبل تطويرها في مختلف المجالات.

وأوضح التقرير أنه عقب اللقاء الرسمي، أعد الجانب التركي مأدبة تكريما لولي العهد والوفد المرافق له كانت هناك أيضا لفتتان خاصتان.

وفي العشاء، عزفت أغنية وطنية سعودية تمجد السعوديين والملك سلمان وابنه وفي خطوة نادرة، رافق الرئيس أردوغان محمد بن سلمان إلى المطار لتوديعه.

وفي ختام الزيارة، صدر بيان مشترك مكتوب يؤكد عزم الجانبين على إطلاق حقبة جديدة من التعاون في العلاقات الثنائية، بما في ذلك في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والثقافية.

وأبرز البيان أن "المباحثات الرسمية بين الرئيس رجب طيب أردوغان وولي العهد محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود عقدت في جو من الإخلاص والأخوة".

ووفقا للبيان "أكد الطرفان مجددا التزامهما بتعزيز التنسيق والتعاون وتبادل وجهات النظر حول القضايا الحاسمة على الساحة الإقليمية والدولية، الأمر الذي من شأنه دعم وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة".

وشكرت المملكة العربية السعودية تركيا على دعمها لاستضافة عرض الرياض لمعرض إكسبو 2030 كما أعرب ولي العهد عن امتنانه لكرم الضيافة الذي أبداه الرئيس أردوغان، والولع والمودة التي أبداها له ولوفده خلال زيارته.

بدوره، أعرب الرئيس أردوغان عن تقديره لجهود الملك سلمان لتنظيم فريضة الحج في عام 2021 على الرغم من التحديات التي فرضتها جائحة كوفيد-19، وأعرب عن ارتياحه لاستئناف الحج والعمرة هذا العام.

وأشار التقرير إلى أنه بصرف النظر عن الجوانب السياسية والإشارات إلى التعاون والتنسيق بين البلدين على المستويين الثنائي والإقليمي، تم التركيز بشكل خاص في البيان على الأعمال التجارية والطاقة والأمن والدفاع والسياحة.

وفي حين أن الجو العام المصاحب للزيارة كان إيجابيا، لا يسع المرء إلا أن يلاحظ العديد من القضايا التي تبعث برسائل متناقضة.

على سبيل المثال، قررت بعض وسائل الإعلام السعودية الرسمية اختيار ونشر صور غير لائقة لمحمد بن سلمان وأردوغان.

تم التقاط صورة واحدة بينما لم يكن الرئيس التركي مستعدا تماما للصورة، وفي وضع أظهره يبدو هادئا مقارنة بمحمد بن سلمان المبتهج.

نشرت الصورة لأول مرة من قبل وكالة الأنباء السعودية وظهرت على الصفحة الأولى من صحيفة الأخبار العربية السعودية. وفسرها العديد من المراقبين على أنها رسالة مضمنة إلى الجانب التركي.

وبصرف النظر عن ذلك، وعلى الرغم من أهميتها، بدت بعض جوانب الزيارة احتفالية إلى حد كبير وهو يمثل الإعلان عن فجر المصالحة بدلا من نقل العلاقات إلى المستوى التالي. باختصار ، كانت الزيارة موجزة.

وكان الوقت بين حفل استقبال محمد بن سلمان ومغادرته المطار أقل من أربع ساعات، مما يعني أنه لم يكن هناك وقت كاف لمناقشة القضايا الجوهرية بعمق، ناهيك عن مناقشة المسائل ذات الاهتمام المشترك بين وفدي البلدين.

وعلاوة على ذلك، فإن إصدار بيان مشترك بدلا من عقد مؤتمر صحفي مشترك هو بالأحرى إشارة ضعيفة، في حين قد يجادل البعض بأن ولي العهد السعودي ليس من المعجبين بالمؤتمرات الصحفية وليس لديه سجل حافل في القيام بها، فإن الاستثناء في هذه المرحلة بعد الإيماءات التركية كان من شأنه أن يرسل رسالة قوية من العزم والالتزام.

والبيان نفسه هو إعلان نوايا عام أكثر منه اتفاق فعلي بشأن قضايا ملموسة أو خطة عمل، ومن المثير للاهتمام أن عددا قليلا فقط من المراقبين لاحظوا أن هناك نسختين من البيان المشترك صدرتا في غضون ساعة واحدة من بعضهما البعض، وبعد دراسة الوثيقتين، يمكن ملاحظة التنقيحات المتعلقة بأربعة مجالات الاقتصاد، وتغير المناخ، والسياحة، والسياسة الخارجية الإقليمية.

وأشارت فقرة مضافة في النسخة المحدثة إلى أنه "بصفتهما عضوين في مجموعة العشرين، سلط الطرفان الضوء على الإمكانات الاقتصادية الهائلة للبلدين والفرص التي تتيحها رؤية المملكة العربية السعودية 2030 في مجالات الاستثمار والتجارة والسياحة والتنمية والصناعة والتعدين ومشاريع البناء والبنية التحتية للنقل بما في ذلك مقاولات البناء والزراعة وسلامة الأغذية والصحة،  الاتصالات وتقنية المعلومات والإعلام والرياضة، مع اتفاقيات لتمكين عمل مجلس التنسيق السعودي التركي، وزيادة مستوى التعاون والتنسيق في مجالات الاهتمام المشترك، والعمل على تبادل الخبرات بين خبراء البلدين".

وشددت فقرة إضافية في نهاية البيان على أنه "لا ينبغي انتهاك سيادة دول المنطقة"، فضلا عن ضرورة إيجاد "حلول سياسية لجميع الأزمات في المنطقة، والعمل على إبعاد المنطقة عن التوترات وضمان الأمن والاستقرار الإقليميين".

وفي حين أن معظم التغييرات الأخرى غير ذات صلة وتتعلق في معظمها بالصياغة، يمكن إبراز ثلاثة اختلافات جوهرية بين البيان الأولي وصيغته المستكملة.

أولا، النسخة المحدثة من البيان خالية من الإشارة إلى فقرة تشير إلى البيان المشترك للاجتماع الوزاري الخامس لمجلس التعاون الخليجي بتاريخ 13 أكتوبر 2016، والذي يؤكد على أهمية مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي، وهو الهدف الذي تسعى أنقرة استراتيجيا إلى تحقيقه منذ سنوات.

ثانيا، مع التأكيد على أهمية التعاون في مجال السياحة، حذفت النسخة المحدثة من البيان جملة تطالب بزيادة عدد الرحلات الجوية بين البلدين.

ثالثا، والأهم من ذلك، حذفت النسخة المحدثة من البيان المشترك توقيعات وزيري الخارجية السعودي والتركي من الصفحة الأخيرة خالية من أي توقيعات أو أسماء رسمية في نهاية الوثيقة.

في حين أن معظمها يمكن أن يعزى إلى ترتيبات اللحظة الأخيرة ، فإن طبيعة بعض هذه التعديلات لا تعكس القوة أو العزم أو الثقة، بل على العكس من ذلك، يبدو أنها تعكس الحذر.

تفتقر النسخة المحدثة إلى أسماء أو توقيعات رسمية، والتي قد تكون طريقة سعودية للتهرب من الالتزام الرسمي بالتزامات قد لا تتناسب مع تفضيلات الرياض لاحقا لدى السعوديين سجل حافل بعدم متابعة الاتفاقيات التي يوقعونها وحقيقة أن البيان المشترك نفسه دعا إلى إعادة تفعيل الاتفاقات الموقعة سابقا بين البلدين في مجال الدفاع هو مؤشر قوي على ذلك.

وفي حين أن الزيارة تمثل تطبيع العلاقات بين البلدين، إلا أنها لا تمثل دفعة قوية نحو نقلها إلى المستوى التالي حتى الآن، وستساعد الإجراءات بدلا من التصريحات في الفترة المقبلة على توضيح ما إذا كانت هناك بالفعل إرادة حقيقية للتغلب على الحذر، وتعزيز العلاقات الثنائية، والمضي قدما.

 

https://english.alaraby.co.uk/analysis/turkey-and-saudi-arabia-new-era-or-cold-reconciliation