عابت ورقة بحثية لموقع "الشارع السياسي" على السياسات الاقتصادية التي يتبناها عسكر الانقلاب، ووصفتها بأنها عقيمة تقوم على استرضاء داعميه العسكريين عبر إطلاق أيديهم في الاقتصاد، وضخ أموال ضخمة في صفقات التسليح، كما تقوم على فكرة الإبهار عبر تدشين مشروعات ضخمة لكنها قليلة الجدوى الاقتصادية؛ بغرض الإيهام بنجاح النظام القائم وقدرته على الإنجاز مع الإسراف في الإنفاق على تنظيم مؤتمرات وفاعليات مبهرجة بدون إضافة حقيقية.
وقالت الورقة البحثية التي جاءت بعنوان ، (هل ينهار النظام المصري تحت وطأة الأزمة الاقتصادية؟ ) إن "الانقلاب يستند في معالجاته إلى استجداء الشرعية الدولية عبر الدخول في صفقات شراء سلاح وطائرات باهظة للغاية، مع الانهماك ببناء عاصمة جديدة هدفها الأساسي حماية نخبة الحكم من سيناريو السقوط، في حال وقوع احتجاجات شعبية، عبر توطينهم في عاصمة جديدة في قلب الصحراء بعيدة عن المواطنين، أما موقع الناس من اهتمامات الحكومة فتقع في ذيل القائمة".
سياسات الأزمة
ولفتت الورقة إلى أن الانقلاب ينفق على هذه السياسات من خلال (1) الاقتراض غير الرشيد (2) المنح المقدمة من حلفائه في الخليج (3) سياسات الخصخصة.
وأضافت أن الانقلاب يدرك اليوم أن قدرته على الحركة والمناورة تراجعت بصورة كبيرة، ومن ثم بدأ يدعو للحوار الوطني، ويطالب المواطنين بالتقشف، ويطالب الحلفاء في الخليج بالمزيد من الدعم ويهددهم من تكرار سيناريو الفوضى في مصر وتداعياته".
مساران رئيسيان
وبحسب الورقة ، تعتمد حكومة السيسي في تمويل مشروعاتها على القروض، وعلى المنح التي يقدمها حلفاء النظام الإقليميين، وعلى الخصخصة وأشارت الورقة إلى أن هذه الأموال في ظل أحوال معيشية تزداد صعوبة من عام إلى آخر، وخدمات تزداد ترديا في الصحة في التعليم وفي غيرهما من الخدمات التي تقدمها الحكومة تذهب لمسارين؛ الأول: الإنفاق المتزايد على التسليح، حيث تُعتبر مصر السيسي الثالثة عالميا في صفقات الأسلحة؛ ليس بهدف تسليح الجيش ومده بالمزيد من الأسلحة المتطورة؛ إنما في أحيان كثيرة، استرضاء للدول الموردة لهذا السلاح، وشراء صمتهم على ملف حقوق الإنسان البائس في مصر، وشراء شرعية دولية تسمح للنظام الحالي بالاستمرار في السلطة رغم التآكل الواضح في شرعيته الداخلية، ومن جهة أخرى ضمان استمرار ولاء الجنرالات في الداخل، حتى لا يدفعهم طموحهم للتفكير في الانقلاب على النظام القائم خاصة مع متابعتهم السخط السائد في الشارع؛ ومعروف أن “الدول السلطانية”، ومصر لا تختلف كثيرا عن الدول السلطانية في عهد دولة يوليو 1952، تضمن استمرارها عبر إغداق الأعطيات على الجند.
ونبهت الورقة إلى أن المسار الثاني، هو: الإنفاق الجنوني على الإنجازات الوهمية، من قبيل الاستمرار في إنشاء الطرق والكباري، بناء العاصمة الإدارية الجديدة، التي تكلفت حتى الآن 58 مليار دولار، بهدف نقل السلطة بعيدا عن الناس كضمانة لحمايتها في حال حدوث أية هبات شعبية مفاجئة، والمساران معا يعنيان أن النظام الحالي لا يعبأ بالمجتمع والناس إلا في الحدود التي تضمن صمتهم وتؤمن خنوعهم، وأكثر ما يعبأ به النظام هو استمراره والحيلولة دون سقوطه، فهو منفصل عن الناس، يحيطهم بسياج صلب من القمع والرقابة والتحفز.
منافع شخصية
ونسبت الورقة إلى مراقبين قولهم إن "السيسي يشتري السلاح ليحقق 3 أهداف أساسية؛ الأول شراء ولاء الجنرالات في القوات المسلحة، والثاني شراء الشرعية خارجيا وضمان الحد من الأصوات المنتقدة لانتهاكات حقوق الإنسان، والثالث العمولات التي يستفيد منها هو شخصيا بطبيعة الحال.
وبخصوص المنح التي يقدمها حلفاء النظام الإقليميين، فيكفي أن نعرف أن مصر تمتلك 35.5 مليار دولار، هي مجمل احتياطي مصر النقدي من العملة الأجنبية، تُشكل ودائع الدول الخليجية نسبة 55.7%، بإجمالي يصل إلى 19.97 مليار دولار، والتي تعود ملكيتها إلى 10.3 مليار دولار ودائع سعودية، و5.67 مليار دولار وديعة إماراتية، و4 مليار دولار وديعة كويتية.
احتمالات الانهيار
وأجابت الورقة على تساؤلات هل يمكن أن ينهار النظام، وهل انهياره في صالح أحد، هل هناك من قوى المعارضة من يملك القدرة على وراثة تركة النظام الثقيلة؟ وقالت "انهيار النظام سيناريو ممكن التحقق، خاصة مع تراكم الديون وتراجع قدرته على السداد، واستمرار الاحتياطي النقدي في التآكل، ومع تفاقم سوء الأوضاع الاقتصادية للمواطنين.
وأضافت أن "الانهيار قد يكون جراء هبات شعبية وهو السيناريو الأسوء بل قد تكون تداعياته كارثية، وقد يكون الانهيار جراء انقلاب من داخل جهاز الدولة وهو سيناريو الأقل سوء؛ فهو يعني أن الدولة العميقة باتت تدرك أن تكلفة استمرار النظام الحالي واستمرار سياساته عالي للغاية، ويعني أن الدولة العميقة ستتولى هي سداد الفاتورة الباهظة لسياسات السيسي".
وأوضحت أن انهيار النظام في صالح الجميع لو تم عبر انقلاب داخلي؛ لأن الدولة العميقة نفسها هي من ستتحمل كلفة تحسين الأوضاع السيئة القائمة، وهي التي ستتعامل مع آمال الناس في التغيير للأفضل، وستحاول تقليل حدة الصدام مع قوى المعارضة وكسبها إلى صفها مما يكسبها شرعية.
وأبانت أن القوى المعارضة، غاية ما تأمله أن يحدث تغيير يتيح لها التقاط الأنفاس ولملمة نفسها ومعالجة مشكلاتها الداخلية واستعادة شيء من عافيتها وفاعليتها دون أن تطمح للمشاركة في السلطة، على الأقل في المدى المنظور، لضخامة التحدي الذي سيواجه من يتولى السلطة في ظل مشكلات عويصة وحقيقية.
