أكدت ورقة بحثية ما أوردته تقارير من مسؤولية محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي، والأمير السعودي بندر بن سلطان رئيس المخابرت السعودية وقتها، في هندسة الانقلاب والتخطيط له منذ أواخر 2012 بالتشارك مع جهاز الموساد وأجنحة داخل مؤسسات الحكم الأميركية مثل البنتاجون والخارجية والسي آي إيه.
وأضافت ورقة للشارع السياسي أن مئات الاجتماعات عقدت في أبو ظبي والرياض وواشنطن وتل أبيب ، وحتى عواصم أوروبية من أجل الترتيب للخطة وتوفير سبل النجاح لها.
وفي مجمل التخطيط أن السفيرة الأمريكية “آن باترسون” مهمتها تعقيد الأوضاع أمام الرئيس مرسي وربط خيوط الانقلاب ببعضه، وتتولى الإمارات والسعودية التمويل، أما التنفيذ فأوكل للدولة العميقة من الجيش والشرطة والمخابرات والقضاء والإعلام.
المحدد الأول
وأكد ذلك أيضا تسريبات عباس كامل مع اللواء صدقي صبحي، رئيس هيئة الأركان وقتها، بثتها "مكملين" في فبراير 2015، لتشير إلى أن عناصر المخطط وكل شروط النجاح للانقلاب كانت أموال طائلة وغطاء دولي وإعلام تحريضي و كنيسة متحفزة معادية للإسلام والمسلمين وسلفيون ممولون من السعودية وعلمانيون متطرفون.
تحريض الغرب
وقالت تقارير إن "عواصم الخليج حرضت الأمريكان لإسقاط النظام الديمقراطي المنتخب بدعوى أنه نظام الإخوان وبحسب الكاتب، دافيد كيركباتريك، المدير السابق لمكتب نيويورك تايمز الأمريكية في القاهرة، في كتابه “بين أيدي العسكر” يؤكد أن السعودية والإمارات مارستا ضغوطا شديدة لإقناع واشنطن بأن الرئيس مرسي وجماعة الإخوان المسلمين يشكلون خطرا على المصالح الأمريكية.
ونقل الكتاب عن وزيرالدفاع الأمريكي تشاك هيجل قوله إن "ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان، الحاكم الفعلي للإمارات ورئيس قواتها المسلحة، وصف جماعة الإخوان المسلمين بأنها باتت اليوم العنصر الأخطر على الأرض في الشرق الأوسط.
وفي لقاء السيسي وهيجل بالقاهرة، قال السيسي «توجد بعض القوى الشريرة جدا على الأرض ، أنتم لا تستطيعون فهمها كما نفهمها نحن هنا» وأخبر هيجل “كيباترك” أنه اتفق مع مخاوف الإماراتيين قائلا لهم إن "الإخوان المسلمين خطرون ، ونحن ندرك ذلك" بينما خاطب السيسي قائلا “أنا لا أعيش في القاهرة، أنت تعيش فيها، عليك أن تصون أمنك وأن تصون بلادك” في تحريض سافر على الانقلاب، وهو نفس ما اعترف به وزير الخارجية الأمريكي وقتها “ون كيري والذي دافع عن انقلاب السيسي بشدة، واعتبره خطوة على طريق الديمقراطية.
عمل بإصرار
وقالت الورقة إن "أبو ظبي والرياض عملتا بإصرار على إسقاط التجربة الديمقراطية الوليدة في مصر؛ بالتحريض على الرئيس مرسي في أوساط الإعلاميين وفلول مبارك والعلمانيين والكنيسة وشراء ذمم قادة الجيش وأركان الدولة العميقة، الذين توافقت مصالحهم مع مصالح عواصم الاستبداد العربي".
ونقلت تقارير عن بن زايد قوله في جلسات خاصة "سنتكفل بإسقاط مرسي حتى لو كلفنا الأمر أكثر من موازنة أبو ظبي" مشيرا إلى إنفاق الأموال على الإعلام والعلمانيين وجبهة الإنقاذ وتمرد.
وفي يناير 2013 اعترف الإعلامي المقرب من السلطة توفيق عكاشة أن الخليج يساعد معارضي الرئيس مرسي من أجل إسقاط نظامه؛ حيث دعا يوم 23 يناير المصريين إلى النزول في 25 يناير من أجل إسقاط حكم الإخوان، مؤكدا أن دولا عديدة ستساعد من يزيح الإخوان من السلطة وعلى رأسهم دول الخليج العربي، ودول أجنبية أخرى.
وأكدت نيويورك تايمز الأمريكية الواقع المعروف، في تقرير لها في مارس 2015م، أن الإمارات دعمت السيسي بكل شيء من أجل الانقلاب على الرئيس مرسي واستيلاء الجيش على السلطة.
لتنتهي الصحيفة الأمريكية إلى التأكيد على أن الخليج بارك الانقلاب ومول الاحتجاجات قبله وأن الجيش لعب دورا فاعلا في تنظيم الاحتجاجات ضد مرسي.
دور بندر
ورغم أن القليل من الحديث عن دور بندر بن سلطان في الانقلاب سببه أن الملك عبدالله أطاح برئيس المخابرات بندر في 2014، إلا أن رئيس مجلس الأمن القومي السعودي التقى في دولة أوروبية، مع مسؤولين من الاستخبارات الأمريكية قبل نحو ثلاثة أشهر من الانقلاب لبحث تفاصيل على صلة بمطلب السعودية إسقاط نظام الإخوان في مصر، وقدّم فيه بندر ضمانة سعودية باحتواء التيار السلفي في المنطقة مقابل إنهاء صعود الإخوان فيها.
ولعب كل من الأمير بندر بن سلطان، رئيس المخابرات السعودية، وخالد التويجري رئيس الديوان الملكي دورا محوريا في التخطيط والتحريض على الانقلاب، فالأول (بندر) تربطه علاقات وثيقة بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث ظل نحو 20 سنة سفيرا لبلاده في واشنطن، والثاني “التويجري” اتضح لاحقا أنه كان على علاقات وطيدة للغاية بالإمارات وخاصة محمد بن زايد.
وفي 20 أغسطس 2013، تناولت صحيفة الجارديان البريطانية حقيقة الدور السعودي في مصر، بمقال لديفيد هيرست قال فيه "المملكة السعودية اعترفت بدعم الانقلاب في مصر ومن خلال مدير مخابراتها الأمير بندر بن سلطان الذي عمل بلا كلل من أجل تحقيق هذا الهدف، حيث إنه وبعد لحظات من أداء عدلي منصور رئيس المحكمة الدستورية القسم كرئيس مؤقت للبلاد، أرسل الملك عبدالله رسالة تهنئة للجيش المصري بوصفه “أنقذ مصر من الدخول في نفق مظلم”.
سري للغاية
ومن أبرز الأدلة تمويل الإمارات العصابات المنظمة والبلطجية، ما ظهر في 2019، حيث أخرجت أجهزة السيسي تقريرا سريا للغاية أمام النائب العام، يؤكد بالأدلة والاعترافات أن الإمارات مولت عصابات تخريبية في عهد الرئيس مرسي لإشاعة الفوضى وعلاقتها بجبهة الإنقاذ وأحد مساعدي وزير الداخلية بحكومة هشام قنديل. وعرضت المحكمة الأربعاء 13 مارس 2019 حرزا مهما وخطيرا أثناء إحدى جلسات محاكمة الرئيس مرسي في القضية التي تعرف إعلاميا باسم قضية “اقتحام السجون” إبان ثورة يناير2011 وحمل الحرز تقريرا للعرض على النائب العام بعنوان (سري للغاية ويُفرم عقب قراءته ، يعرض على المستشار النائب العام).
ومحررا بتاريخ 19 فبراير 2013 وعرض التقرير محاضر وتقارير رسمية من أجهزة الأمن غاية في الخطورة بأرقام (609 لسنة 2013 إداري قصر النيل، و610 لسنة 2013 إداري قصر النيل، و21 لسنة 2013 جنح قصر النيل، و921 لسنة 2013 بلاغات النائب العام، وجميعها عبارة محاضر وتقارير أمنية رسمية.
المحاضر والتقارير قالت إن "مراقبات هواتف ، بالإضافة إلى التحريات والمحاضر، كشفت أن الإمارات وسفارتها في القاهرة كانت تمول تشكيلات عصابية لتنفيذ مشاريع إجرامية ممنهجة غرضها إحداث الفوضى والتعدي على قوات الشرطة” وأوردت اسم شخص يتعامل من داخل السفارة الإماراتية يدعى “نوار” وكان يوفر الأموال لمتهم يدعى “إيهاب مصطفى حسن عمار” وشهرته “إيهاب عمار” للغرض المذكور، وحصلت أجهزة الأمن على تلك التفاصيل من المراقبة المأذون بها من النيابة، وتضمنت المحاضر والتحريات اعترافات متهمين ومراقبات هواتف أثبتت التفاصيل المذكورة، ووصفت أسماء بعينها بأنها رؤوس تنظيمات عصابية ممولة تتعمد إحداث الفوضى وترويع المواطنين ومنع السلطات العامة من مباشرة أعمالها.
وتضمنت الأدلة استغلال التظاهرات والمسيرات السلمية والاندساس وسطها لتهيئة الفرصة لهم (العصابات) لتنفيذ مشاريعهم الإجرامية من سلب ونهب وقتل لإثارة الفوضى في البلاد، وأن هؤلاء الأشخاص في سبيل تنفيذ مخططاتهم يتلقون تمويلات تشمل المال والسلاح لإمداد عصاباتهم بها”.
وقالت المحاضر والتحريات الأمنية إن "بعض المتهمين كانوا على علاقة بأعضاء في جبهة الإنقاذ وأحد مساعدي وزير الداخلية وقتها". من جانبه، نفى مجدي حمدان القيادي السابق بالجبهة علمه بأي تمويلات من هذا النوع، مؤكدا أن ما كان معروفا هو تمويل أبو ظبي لحركة تمرد وجماعات بلاك بلوك السرية.
وأكدت الوثائق السرية ـ بحسب صحيفة الشروق ــ أن الهجوم الذي دبر على فندق سميراميس في يناير 2013 كانت تقف وراءه عصابات ممولة من السفارة الإماراتية.
واعتبر الأكاديمي والمفكر نادر فرجاني ذلك ابتزازا من جانب نظام السيسي لصهاينة العرب في الإمارات من أجل إجبارهم على المزيد من تقديم المساعدات المالية للنظام.
والغريب أنه رغم هذه الأدلة تم غلق التحقيقات بعدما توصل السيسي إلى تفاهمات مع أبو ظبي.
الدعم المالي
ورقة "الشارع السياسي" نقلت اعتراف حازم الببلاوي، رئيس أول حكومة بعد الانقلاب في سبتمبر 2013م أن حكومته حصلت في الأيام التي تلت الانقلاب مباشرة على 12 مليار دولار مساعدات من السعودية والإمارات والكويت.
بخلاف الأموال الأخرى السرية التي حصل عليها الجيش والتي قدرها السيسي نفسه في أحد التسريبات بنحو 30 مليار دولار حتى منتصف 2014م فقط.
وتعهد الخليج بتوفير جميع أنواع الوقود لمصر خلال تلك الفترة، وفي 2016 تنازل السيسي عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية مقابل توريد شركة النفط السعودي أرامكو 700 ألف طن من المشتقات البترولية لمصر شهريا، من خلال قرض سعودي قيمته 23.5 مليار دولار لمدة 5 سنوات.
وتذهب بعض التقديرات إلى أن حجم ما تلقاه السيسي من تمويل ومساعدات خليجية تصل إلى نحو 92 مليار دولار حتى منتصف 2018م.
ذبح الإسلاميين
المحدد السادس الذي اتفق عليه المنقلبون هو ذبح الإسلاميين وأنصار الثورة والديمقراطية في مصر للقضاء على روح الثورة، وقالت رويترز إن "حكام مصر الجدد في إشارة إلى العسكر يعتمدون على دعم الخليج رغم الدماء الغزيرة التي أراقوها".
وطالب العاهل السعودي بترك السيسي يذبح معارضيه كما يشاء، منتقدا الضغوط الدولية على السيسي من أجل التوقف عن سفك المزيد من الدماء، وأعربت الإمارات عن تأييدها للمملكة العربية السعودية في دعم مصر وسيادة الدولة المصرية، خاصة في دعوة الملك السعودي لعدم التدخل في شؤون مصر الداخلية.
وفي أعقاب مذبحة رابعة، أعلن وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل أن بلاده والدول العربية ستغطي أي نقص في التمويلات التي تحتاجها مصر.
لماذا؟
وقالت ورقة الشارع السياسي إن "موقف الرياض يعزى إلى تخوف النظام السعودي من زعزعة المكانة الدينية للنظام ، حيث يقدم النظام السعودي نفسه بوصفه حامي الإسلام في العالم ، وكذلك اعتبار آل سعود أن حكم الإخوان يقوض شرعيتهم على المدى الطويل، خاصة أن الجماعة أصبحت تقدم نموذجا ديمقراطيا وإسلاميا في الوقت ذاته، والسعودية لا تريد الديمقراطية من جهة، ولا الإسلام بمفهومه الصحيح من جهة أخرى.
وعزا المفكر الأميركي نعوم تشومسكي في ندوة بجامعة كولومبيا الأميركية، تحدث فيها عن الثورة المصرية أسباب عداء الإمارات لنظام الرئيس مرسي في مصر، ودعم المعارضة ضده، إلى أن مشروع تطوير إقليم قناة السويس، الذي تبناه الرئيس مرسي يمثل أكبر كارثة لاقتصاد الإمارات خاصة دبي، حيث إن اقتصادها خدمي وليس إنتاجيا، يقوم على لوجيستيات الموانئ البحرية، وأن موقع قناة السويس هو موقع استراتيجي دولي، أفضل من مدينة دبي المنزوية في مكان داخل الخليج العربي، الذي يمكن غلقه إذا ما نشب صراع مع إيران.