في ظل الانهيار الاقتصادي الذي تواجهه مصر في زمن الانقلاب الدموي بقيادة عبدالفتاح السيسي يشهد الجنيه المصري تراجعا غير مسبوق ليسجل الدولار أكثر من 19 جنيها ، ويتوقع الخبراء أن يصل إلى 22 جنيها بنهاية العام الجاري ، خاصة مع توجه البنك المركزي إلى تعويم جديد للجنيه أمام العملات الأجنبية وضغوط صندوق النقد الدولي على حكومة الانقلاب لفرض ما يسميه مرونة سوق الصرف ، ما يؤدي إلى مزيد من ارتفاع الأسعار وفرض أعباء جديدة على الفقراء والغلابة الذين لا يستطيعون الحصول على احتياجاتهم اليومية الأساسية .
انهيار جديد
حول هذه الكارثة أكد بنك "إتش إس بي سي" في تقرير له أن الجنيه المصري عرضة للخطر وفي طريقه لانهيار جديد، بعد أزمات متعددة يشهدها الاقتصاد في ظل العجز الكبير في الحساب الجاري، وضعف تدفقات رأس المال، وأعباء مدفوعات سداد الديون، والضغط على ميزان المدفوعات.
وكشف التقرير الذي كتبه الخبير الاقتصادي "سايمون ويليامز" عن الحالة المالية السيئة للبنك المركزي المصري ووضعية العملة المحلية، محذرا من تأثير الصفقات مع صندوق النقد الدولي على الاقتصاد المصري.
وتوقع أن يُسجل الجنيه المصري مزيدا من الانهيار خلال الفترة المقبلة، وأن يتجاوز سعر الدولار 22 جنيها قريبا.
وأكد التقرير أن يتجه الاقتصاد المصري إلى تسجيل مزيد من التضخم وتباطؤ أكثر في النمو ، موضحا أن الافتراض العملي يشير إلى أن عجز الحساب الجاري بلغ ذروته في الربع الأول من العام الجاري وسينخفض بشكل مطرد، وأن من شأن اتفاقية صندوق النقد الدولي المدعومة من الخليج في الأسابيع المقبلة، تسهيل الانتقال المنظم إلى ميزان مدفوعات أكثر استقرارا، رغم اضطراب السوق ومع ذلك يتزايد الضغط بسرعة، إذ تُظهر البيانات تدهورا مستداما في الميزانية العمومية لمصر في الأشهر الخمسة التي تلت انطلاق مناقشات صندوق النقد الدولي، وسط ما يواجهه الاقتصاد الفعلي من ضغوط.
وأوضح أنه في حال كان تعقيد وحساسية عملية التعديل سببا في تأخير الوصول إلى التمويل الثنائي أو متعدد الأطراف، فمن المرجح أن يرتفع احتمال فرض ضوابط تنظيمية إضافية، أو تعديل أكثر اضطرابا، مؤكدا أن مصر ولّدت عجزا في الحساب الجاري قدره 5.8 مليارات دولار أمريكي في الربع الأول، وهو أعلى عجز ربع سنوي مسجل على الإطلاق.
تداعيات خطيرة
وقال الخبير الاقتصادي مصطفى عبد السلام إن "البنك المركزي فقد السيطرة على سوق الصرف في ظل عدم امتلاكه الموارد المالية الكافية للدفاع عن العملة، وبالتالي تلجأ حكومة الانقلاب إلى التعويم لضرب كل هذه العصافير السامة بحجر واحد، والحيلولة دون انهيار العملة المحلية وقبلها الاحتياطي الأجنبي".
وأضاف عبدالسلام في تصريحات صحفية أن حكومة الانقلاب تدرك الآن أن التعويم لم يحقق أهدافه رغم أنها كانت تصور للرأي العام أن تعويم الجنيه فاتحة خير على البلاد، حيث سيحدث طفرة في معدلات النمو الاقتصادي، وكذا في إيرادات النقد الأجنبي، خاصة من أنشطة الصادرات والسياحة وتحويلات العاملين في الخارج وتدفق الاستثمارات الأجنبية، وهو ما لم يحدث طوال السنوات الماضية.
وحذر من أن التعويم له تداعيات خطيرة، منها فتح الباب على مصراعيه أمام تهاوي قيمة العملة المحلية وتهاوي القدرة الشرائية للمصريين ومدخراتهم، وخلق موجة تضخم هي الأعنف ، حيث لم تشهدها الأسعار منذ أكثر من 70 عاما، وتآكل الطبقة الوسطى بشكل دراماتيكي، وزيادة معدلات الفقر وتدحرج ملايين المصريين تحت خط الفقر المدقع.
وأشار عبدالسلام إلى أن قرار التعويم فتح الباب على مصراعيه أمام التوسع المفرط في الاستدانة ليبلغ حجم الدين الخارجي 157,8 مليار دولار في نهاية مارس الماضي.
وطالب بوضع خطة عاجلة تقوم على محاور رئيسية، منها تنشيط إيرادات البلاد الدولارية خاصة من السياحة والصادرات والاستثمارات المباشرة، والحد من الواردات والحد من الاقتراض الخارجي إلا للضرورة، وتجميد تنفيذ المشروعات غير الضرورية والتي من المتوقع أن تلتهم أكثر من 60 مليار دولار مرة واحدة.
وقال عبدالسلام "إذا استمر الحال على ما هو عليه من دفاع البنك المركزي المتواصل عن قيمة الجنيه رغم تراجع إيرادات البلاد الدولارية وتطبيق سياسة تثبيت العملة والتوسع المفرط في الاقتراض الخارجي وزيادة أعباء الدين، وإعطاء أولوية للأموال الساخنة على حساب قطاعات التصدير والإنتاج وتنشيط السياحة والاستثمارات، وتأجيل سداد القروض الخليجية فإن احتمالات التعويم تظل قائمة".
طارق عامر
وقال الخبير الاقتصادي إبراهيم نوار إن "هناك مشاكل كثيرة داخل المجموعة الاقتصادية، وهناك تخبط بالفعل، مشيرا إلى أن صندوق النقد الدولي يطالب بمرونة أكبر في نظام أسعار الصرف، وذلك ضروري للمساعدة على امتصاص أو مواجهة الصدمات الداخلية والخارجية".
وحول الأرقام السلبية المتعلقة بحجم الديون التي بلغت مستويات قياسية، واحتياطي النقد الأجنبي الذي تراجع بشكل حاد، وخفض قيمة الجنيه بشكل كبير وارتفاع التضخم، أكد نوار في تصريحات صحفية أنه لا يميل إلى تحميل طارق عامر مسؤولية ما يحدث، لكن حكومة الانقلاب بشكل عام هي في وسط ورطة سيئة جدا.
الأموال الساخنة
وقال المحلل الاقتصادي محمد جاد إن "الأزمات التي طرأت على السوق العالمي كان لها مردود سلبي على الاقتصاد المصري، وبالتحديد خروج الأموال الساخنة من مصر وصعوبة الاقتراض من الأسواق الخارجية لدعم الاحتياطي النقدي".
وأضاف جاد في تصريحات صحفية أن هذه التغيرات العالمية، أدت إلى هبوط الجنيه المصري لأدنى مستوى له على الإطلاق دون وجود كابح أو سياسات استباقية من قبل محافظ البنك المركزي، ليسجل حاليا نحو 19.20 جنيها لكل دولار أمريكي.