في الوقت الذي فرضت فيه عصابة الانقلاب غرامة تصالح قدرها خمسون جنيها للمتر على الفلاح إذا قام بالبناء فوق الأرض الزراعية التي يملكها، أو يعرض بيته بالكامل إلى الهدم، تسربت أنباء عن بيع مصنع أسمنت طره والذي تبلغ مساحته نحو 10 مليون متر مربع، بالإضافة لـ187 ألف متر مربع أخرى على كورنيش النيل بالمعادي.
الصدمة أو الكارثة أن المشتري لن يكون سوى مستثمر إماراتي كالعادة، ويبلغ ثمن الصفقة نحو 560 مليون جنيه، وبلغ سعر المتر 40 جنيها، أي ما يقدر بثمن بطيخة أو ثمن نصف شيكارة أسمنت.
ديون أبو ظبي
كان عام 2022، الذي يدخل في ربعه الأخير، حافلا بالصفقات الإماراتية المحمومة للاستحواذ على شركات وأصول الشعب المصري ذات البعد الإستراتيجي، رغم التحذيرات السياسية والاقتصادية لعصابة الانقلاب بعدم التفريط في أموال الشعب، إلا أن استغلال الأزمة الراهنة كان عنوانا للاندفاع الإماراتي نحو عقد صفقات شراء بمقابل زهيد، لقاء مساندة العسكر في أزمتهم الاقتصادية الراهنة، ودعم ملفهم للحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي.
بدأ الاستحواذ بأسهم في شركات مطروحة في البورصة المصرية، مرورا بأصول حكومية، حتى وصل إلى مناطق سكنية كاملة يتم إخلاؤها الآن بالقوة لتسليمها إلى مستثمر إماراتي في أقرب وقت ممكن.
واستلزم حسم الملف نهائيا زيارة من الشيطان محمد بن زايد، رئيس دولة الإمارات، إلى السفاح السيسي، لمناقشة الاحتلال الإماراتي لمصر، الذي بدأ مع انقلاب 30 يونيو 2013.
بدأت المفاوضات للاستحواذ على حصص حكومية في شركات مصرية كبرى، منذ أشهر، حين اتجهت مؤشرات الاقتصاد المصري إلى الانهيار بوتيرة ملحوظة، لتظهر الإمارات في المشهد كمنقذ يمد يديه إلى عصابة الانقلاب، ولكن من دون مساعدات مطلقة.
شهدت الأشهر الست الأخيرة وحدها موجة استهداف ممنهج للأصول المصرية من الشركات الإماراتية المملوكة في معظمها لحكومة دبي وصندوق أبو ظبي السيادي، تنوعت في مساراتها بين البنوك والشركات العقارية والمؤسسات النفطية وشركات الدواء والأسمدة والحاويات.
ولم تترك الإمارات مجالا ناجحا إلا وطرقت بابه، دون أن تقترب من القطاعات التي تعاني من أزمات، وهو ما أثار الشكوك فيما بعد بشأن أهدافها الحقيقية وراء تلك الهرولة بعيدا عن التصريحات الدبلوماسية التي يرددها قادة الدولة النفطية بأن كل تلك التحركات لدعم الشقيقة مصر وتعزيز التعاون بين البلدين.
منذ انقلاب 30 يونيو 2013 وحتى قبيل 2019 لم تدخر الإمارات جهدا لدعم السفاح السيسي عبر حزم متنوعة ما بين استثمارات مباشرة ومنح ومساعدات، تجاوزت حاجز الـ4 مليارات دولار، فقد أودعت مبلغ ملياري دولار في البنك المركزي، وتوظيف ملياري لتنشيط الاقتصاد عبر مبادرات اقتصادية، فضلا عن المساعدات النفطية الأخرى.
موجة الاستحواذ
وخلال مشاركته في المؤتمر الاقتصادي الذي عقدته عصابة الانقلاب بمدينة شرم الشيخ في مارس 2015 تحت عنوان "دعم وتنمية الاقتصاد المصري، مصر المستقبل" قال نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، جملته الشهيرة إن "وقوفنا مع مصر في هذه الظروف ليس كرها في أحد ولكن حبا في شعبها، وليس منّة على أحد بل واجب في حقها، دولة الإمارات ستبقى دائما مع مصر".
ظل الوضع هكذا، دعم مطلق دون حسابات أو اعتبارات اقتصادية، حتى بدايات 2019، حينها شهدت الاستثمارات الإماراتية في مصر تغيرا واضحا في بوصلة الاهتمامات والدوافع والأهداف المرجوة، ومن ذلك الوقت بدأت موجة الاستحواذ على الأصول المصرية، تركيزا على الناجح منها، الأمر الذي أحدث ضجة كبيرة خاصة لدى المراقبين للمشهد ممن اتهموا الإمارات بالتخطيط للسيطرة على السوق الاقتصادي المصري من خلال دولارات النفط دون أي اعتبارات أخوية أو عروبية أخرى كما كان يردد شيوخ الدولة الخليجية سابقا.
ويبدو من رصد أسماء الشركات التي تستحوذ عليها الإمارات حاليا، أن تركيزها ينحصر في أصول مصرية ناجحة وتحقق أرباحا، بعدما هبطت أسعار أسهمها نتيجة لهبوط سعر الجنيه المصري، فضلا عن الأزمة المالية التي تمر بها عصابة الانقلاب، وهي الأصول التي تدر على خزانة العسكر ثروات وأموالا طائلة سنويا، وكأن اتفاقا ضمنيا بين شيطان الإمارات والسفاح السيسي لـتأجيل الإفلاس ، وليس المساهمة في إنقاذ الاقتصاد المصري، أو تحسين الأوضاع.
وهو ما دفع شركة “الدار” الإماراتية، التي استحوذت على “سوديك” وتتفاوض لإنهاء صفقة شراء شركة مدينة نصر للتعمير والإسكان، إلى الإعلان عن تخطيطها الاستحواذ على المزيد من الصفقات العقارية في مصر.
منذ أن قادت الإمارات وشركاؤها مخطط الثورة المضادة الذي أطاح بالدولة المدنية المصرية في 2013، وهي تخطط لتعزيز نفوذها داخل مصر، ولا يخفى على متابع، الحضور البارز للمال الإماراتي في مصر، في مجالات شتى، فيما لا تكف دراهم أبوظبي عن التوسع في الاستحواذ إلى درجة التخطيط لرفع قيمة "الاستثمارات الإماراتية" في المحروسة من نحو 20 مليار دولار إلى 35 مليارا بحلول 2027.
أحدث إشارات ذلك التغول الإماراتي، كشفته دراسة بعنوان من يملك القاهرة؟ التي أفصحت أن الحكومة الإماراتية ثاني أكبر حكومة تمتلك أراض في محافظة القاهرة بعد حكومة العسكر.
