“الدستورية” تمنع الطعن على بيع أصول الدولة.. ما ثمن تواطؤ القضاة؟

- ‎فيتقارير

تواطأت المحكمة الدستورية العليا مجددا مع  المنقلب السفيه عبد الفتاح السيسي ومنعت الطعن على بيعه أصول الدولة، بعدما قضت 14 يناير 2023، برفض الطعن المقدم من المحامي خالد علي بشأن عدم دستورية قانون تنظيم الطعن على عقود الدولة رقم 32 لسنة 2014.

المفارقة هي أن من أصدر هذا القانون كان رئيس الانقلاب المؤقت السابق عدلي منصور ورئيس المحكمة الدستورية العليا السابق، ورئيس المحكمة الحالي بولس فهمي إسكندر الذي عينه السيسي في 8 فبرايرشباط 2022، خلفا للمستشار سعيد مرعي، الذي أُحيل للتقاعد لعدم لياقته الصحية بناء على طلبه، هو من رفض إلغاء قرار رئيسه السابق في المحكمة عدلي منصور.

المفارقة الأخرى هي أن هذا أول حكمة تصدره المحكمة منذ تعيين اللواء العسكري الرويني نائبا لرئيسها بالمخالفة للدستور، ما أدى لعسكرتها وتحولها رسميا لبوق للسيسي.

المحكمة أكدت بذلك دستورية القانون، وإقرارها بعدم قبول الدعاوى التي ترفع أمام المحاكم المصرية، بخصوص بطلان قرارات وعقود بيع وخصخصة الشركات والأصول المملوكة للدولة.

وبذلك، قطعت المحكمة الدستورية الطريق أمام رفع الدعاوى أمام محكمة القضاء الإداري لبطلان خصخصة أو بيع حصص من شركات القطاع العام، وقطاع الأعمال العام، وغيرها من الشركات المملوكة للدولة كليا أو جزئيا؛ معتبرة أن طعون المواطنين في العقود التي تبرمها الدولة مع الغير من دعاوى الحسبة ، بغض النظر عما قد يشوبها من عوار أو فساد.

وترافق قرار المحكمة الدستورية مع إصدار الحكومة ما يُعرف بـوثيقة سياسة ملكية الدولة ، التي صدق عليها عبد الفتاح السيسي مؤخرا؛ بغرض تسهيل إجراءات طرح مجموعة واسعة من الشركات والأصول المملوكات للدولة للبيع أمام مستثمري الخليج، ضمن خطة حكومية للانسحاب من قطاعات اقتصادية محددة، من أجل جذب استثمارات بقيمة 40 مليار دولار على مدى 4 سنوات للحد من عجز الموازنة، وسداد أعباء الديون الخارجية المستحقة على البلاد.

قرار الدستورية يتشابه إلى حد بعيد مع قرارات سابقة لها لدعم والتواطؤ مع السيسي مثل رفض مصرية جزر تيران وصنافير وترسيخ قاعدة دستورية بتسليمها للسعودية، والتي كوفئ أعضاء المحكمة على قرارهم بتعيين أحدهما رئيس لمجلس النواب والثاني رئيسا لمجلس شيوخ الانقلاب.

 

كيف كافأهم السيسي؟

جاء تعيين نظام عبد الفتاح السيسي لثالث رئيس للمحكمة الدستورية منذ انقلاب يولية 2013 حنفي الجبالي ، رئيسا لمجلس النواب، بعد 3 شهور من تعيين زميله، ثاني رئيس للدستورية رئيسا لمجلس الشيوخ، مؤشرا واضحا على مكافأة السلطة لقضاة المحكمة مقابل خدماتهم السياسية.

المكافأت بدأت بأول رئيس للمحكمة عقب انقلاب يولية 2013 عدلي منصور الذي عُين رئيسا مؤقتا، ثم أمتدت لغالبية قضاة المحكمة، ما عزز التكهنات بشأن لعب المحكمة أدوارا سياسية أبرزها دورها في الانقلاب.

كثيرون استغربوا حين رفض الرئيس الراحل محمد مرسي أداء قسم تولي الرئاسة أمام "الدستورية" وذهب ليقسم أمام الشعب أولا في ميدان التحرير، واستغربوا حصار متظاهرين للمحكمة ديسمبر 2012، احتجاجا على دورها في حل المؤسسات التشريعية المنتخبة لصالح المجلس العسكري كتمهيد للانقلاب.

لكن، تطور الأحداث منذ ثورة يناير وحتى ما بعد الانقلاب، كشف كيف لعب قضاة هذه المحكمة دورا سياسيا منحازا يتعارض مع دورهم القضائي الحيادي المفترض وقاموا بـ "انقلاب قضائي" مهد لـ "الانقلاب العسكري"  لهذا كافأهم السيسي.

كانت مكافأة السيسي لرئيس المحكمة الدستورية السابق عدلي منصور هي الأبرز حيث عينه رئيسا مؤقتا لمصر، يوم 3 يولية 2013، ليرد منصور باستصدار قرارات وقوانين لا يزال يعاني منها المصريون أبرزها مد الحبس الاحتياطي لعامين للمعارضين ومنع التظاهر وضرب المتظاهرين بالرصاص.

عدلي منصور، شغل منصب رئيس الجمهورية المؤقت طيلة 11 شهرا اعتبارا من 6 يوليو 2013، وقام بتسليم السلطة إلى عبد الفتاح السيسي يونيو 2014 عقب انتخابات مزورة، وتعهدات سابقة لأعضاء المجلس العسكري بعدم حكم عسكري لمصر بعد ثورة يناير.

ولا يزال السيسي يكافئ "منصور" بإحضاره في كل عرض عسكري أو مناسبة ليبدو وكأنه محاط بالقضاة رغم دوره المشبوه الواضح في الانقلاب، فضلا عن إطلاق اسمه على أكبر محطة مترو شرق القاهرة.

استمرت فترة قيام "منصور" بدور رئيس الجمهورية 11 شهرا شهدت عدة مجازر ضد المعارضين أبرزها مذبحة رابعة والنهضة ، كما شهدت توسعا غير مسبوق في الإجراءات القمعية شملت اعتقال آلاف المواطنين ومصادرة أموالهم وممتلكاتهم.

كما تم حل أغلب الأحزاب السياسية والجمعيات الخيرية والمدنية وإغلاق صحف وفضائيات، ووقع على هذه القرارات المستشار منصور بصفته رئيسا، بينما نفذها وزير الدفاع وقائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي.

كان مستغربا أن يقوم قاض كان يرأس أعلى سلطة قضائية في البلاد بإصدار قوانين مكبلة للحريات ليحكم بها قضاة ومحاكم مصر ولا يزال يعاني من أضرارها الآلاف.

أخطر هذه القوانين كان "قانون الحبس الاحتياطي المفتوح" في 25 سبتمبر 2013 الذي سيّس منظومة النيابة العامة والقضاء ككل ومدد الاعتقالات بلا محاكمة لعامين وثلاثة.

و"قانون (تنظيم –منع) التظاهر" في 24 نوفمبر 2013 الذي يقيد الحق في التظاهر إلى أبعد الحدود ويضع عقوبات مغلظة على المخالفين، ويسمح للشرطة بالتعامل مع المتظاهرين بكل الوسائل بما فيها الرصاص الحي.

و"قانون تحصين عقود المستثمرين" في 22 أبريل 2014 الذي يمنع المواطنين من الطعن على عقود الاستثمار المبرمة بين الدولة والمستثمرين ، وهناك دعوى مرفوعة أمام المحكمة الدستورية ضد هذا القانون لمخالفته الدستور.

و"قانون المناقصات بالأمر المباشر" في 12 سبتمبر 2013 الذي جاء ليؤرخ حقبة بداية سيطرة العسكر على الاقتصاد ويجعل المناقصات والمزايدات الحكومية تُسند للجيش وشركاته، ويفتح الباب للفساد ويقتل المنافسة.

 

قاضي بيع تيران وصنافير

المكافأة الأخرى كانت من نصيب رئيس المحكمة الدستورية السابق عبد الوهاب عبد الرزاق، بتعيينه رئيسا لحزب السيسي (مستقبل وطن) مارس 2020، ثم في منصب رئيس مجلس الشيوخ أكتوبر 2020، وهو مجلس جرى إنشاؤه لمكافأة من قدموا خدمات للسلطة سواء قضاة أو صحفيين أو سياسيين.

وجاءت المكافأت مقابل دوره في الحكم ببطلان مجلسي الشعب والشورى المنتخبين في عامي 2012 و2013 على الترتيب، وإصداره حكما بعدم دستورية قانون العزل السياسي، من أجل إعادة الفريق أحمد شفيق إلى السباق الرئاسي مرة أخرى في عام 2012.

وكانت خدمته الأكبر للنظام متمثلة في الحكم الذي أصدره بعدم الاعتداد بجميع الأحكام الصادرة من مجلس الدولة، ومحكمة الأمور المستعجلة، في شأن بطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، ومن ثم الحكم بتنازل مصر عن جزيرتي "تيران وصنافير" للسعودية.

وهو ما رد عليه الفقه القانوني المستشار الراحل طارق البشري –نائب رئيس مجلس الدولة الأسبق-بمقولة نموذجية لصحيفة "الشروق" 18 يناير 2017 قائلا "التنازل عن السيادة ليس من أعمال السيادة".

مكافأة حنفي الجبالي أخر رئيس سابق قدم خدماته للنظام بتعيينه رئيسا للمحكمة الدستورية ثم رئيسا مجلس النواب، جاءت أيضا لدوره في حكم التنازل عن تيران وصنافير، وأيضا صمته على تعديل الدستور والسماح للسيسي بتعيين رؤساء الهيئات القضائية في أبريل 2019 بمن فيهم رئيس المحكمة الدستورية.

فقد صدر قرار تعيين المستشار حنفي علي الجبالي رئيسا للمحكمة الدستورية في مطلع أغسطس 2018 أي بعد أربعة أشهر من رئاسته للدائرة الدستورية التي حسمت نزاع تيران وصنافير لصالح السعودية، وظل في منصبه حتى يوليه 2019، أي بعد تعديل الدستور بثلاثة أشهر.

بينما صدر قرار آخر باستبعاد المستشار يحيى الدكروري من أحقيته في رئاسة مجلس الدولة وفقا لمعيار الأقدمية المتبع في هذا الشأن لنفس السبب المتعلق بقضية تيران وصنافير، ولكن من زاوية أخرى حيث كان الدكروري رئيسا للدائرة التي حكمت ببطلان الاتفاقية في مجلس الدولة.

وكان قرار تخطي الدكروري مؤشرا عكسيا على مكافأة الجبالي، فقد أتُخذ قرار إبعاد الأول بطريقة بدا فيها النظام متحديا للجمعية العمومية لمستشاري مجلس الدولة التي تمسكت بمبدأ الأقدمية ولم ترسل إلا ترشيحا واحد للسيسي هو المستشار يحيى دكروري.