صورة «الإسلامى» فى إعلام المستبدين

- ‎فيمقالات

 

دأبتْ الأنظمةُ العربيةُ منذ رحيل المحتل الأجنبى على محاصرة الإسلام، بطرق مباشرة وغير مباشرة، أما من نال -ولا يزال- النصيب الأكبر من أذى الحصار من أتباع هذا الدين العظيم فهم «الإسلاميون» أو من تطلق عليهم هذه الأنظمة بالمخالفة لحقيقة الإسلام: «تيار الإسلام السياسى».

لقد نال هذا التيار من التشويه ما لم يقع لفصيل وطنى فى التاريخ، فهو تشويه ممتد وممنهج وتديره دول وأجهزة مخابراتية ذات ميزانيات هائلة، كل هذا للتأثير الشعبى الكبير الذى يملكه هذا التيار؛ ومن ثم خشية تلك الأنظمة من منافسته لها، بل إزاحتها من الساحة لو طُبقت الديمقراطية أو أُجريت انتخابات أو استفتاءات نظيفة..

فى مصر مثلًا استنَّ «عبد الناصر» هذه الجريمة، ومارس هذا التشويه من خلال الإعلام الأحادى الجانب، أو ذى الرأى الأوحد، وجاء مَنْ بعده فأتم هذا الدور، بتوجيه الرأى العام حسب ما تقتضيه مصلحة النظام، باستثناء تطورات طفيفة فرضها تطور وسائل الإعلام..

وكان من نتيجة ذلك: تزييف العقل الجمعى للمصريين على اختلاف طبقاتهم، واستحضار صورة عن «الإسلامى» تصمه بالتخلف والرجعية والتبلّد والغشم، ومناهضته لكل جديد، عكس الواقع تمامًا. ولقد صدمتنى مواقف خاصة وعامة فى هذا الصدد جعلتنى أنذر قلمى للدفاع عن دينى وعن إخوتى فى الله، ضحية هذا المكر الجبّار..

لا زلت أتذكر موقف صحفية، ماتت مؤخرًا وكانت مديرة لمكتب الأهرام فى إحدى الدول الأوربية.. وقفت هذه الصحفية، فى ندوة نظمناها للأخ (صلاح عبد المقصود)، فى أواخر التسعينيات بنقابة الصحفيين، وقد علا صوتها بالضحك لمّا عرض صلاح برنامجه وفيه تعهد بتوفير كمبيوتر ومحمول لكل صحفى، وسألته: هل أنتم بالفعل تعرفون الكمبيوتر والمحمول؟ وكانت نكتة..

وأمثال هذا الموقف كثيرة، وتقع من مثقفين ونخب، فما بالك بالبسطاء من الناس الذين حشوا أدمغتهم بالكذب وليس هناك من يصححه أو يرد عليه فتصير الكذبة بمرور الوقت خبرًا مؤكدًا وصفة لصيقة بصاحبها..

من ذلك مثلًا أنه كان لى قريب ذو منصب، وكنتُ له بمثابة الابن البار، دائم المدح لى والثناء عليّ، فلما أُخبر يومًا بأننى صرتُ عضوًا فى هذا التيار كأنى سمعته يقول: تبًّا لك سائر اليوم. ودارت الأيام وأصلحتُ بالبر به كثيرًا مما سمعه عنى، إلا أنه قال ما يقوله كثيرون: هؤلاء الناس كذا وكذا وأنت مختلف عنهم. ولن تفلح -بالطبع- فى إقناعه بأنهم مثلك، بل أفضل منك..

أما الموقف التالى فهو مضحك للغاية، وينبئك عن حجم التدليس الذى أقنعوا به العامة… كانت هناك سيدة أعمال تتردد على مكتبى لإنهاء مجلة متخصصة تقوم بإصدارها، اتصلت بى يومًا تستأذننى فى أمر غريب، قالت إن إحدى بناتها معها وهى (أى البنت) غير محجبة، فهل هناك حرج فى اصطحابها معها حال القدوم عليّ؟ هنا انفجرت بالضحك، لكنه -والله- كان ضحكًا كالبُكا.. ولله الأمر من قبل ومن بعدُ.