سيناريو «فبراير الأسود» طبقه السيسي مع العالقين في السودان

- ‎فيتقارير

حميدتي يشكر الإمارات والسعودية لدورهما في إجلاء القوات العسكرية المصرية من السودان، فيغضب السيسي لإحراجه هكذا على الملأ، فيوجه إعلامه الذي يقدم الشكر للجنرال الذي لم يغمض له جفن ولم يمضغ لقمة ولم يشرب شربة ماء من زجاجته الوحيدة الشهيرة إلا بعد أن قام بنفسه بإجلاء عساكره الذين حشرهم وزج بهم في المعارك الطاحنة هناك، ولكن ماذا عن المدنيين؟

في عام 2010 وقبل ثورة 25 يناير بعام واحد، بلغ الفساد الاجتماعي والسياسي في مصر حدا ينذر بانفجار مجتمعي قريب، مما دفع المخرج والكاتب أحمد أمين لكتابة فيلمه “فبراير الأسود” ليندد من خلاله بدولة النفوذ التي عصفت بطبقات المجتمع المصري.

 

الفئة الآمنة

يقسم الفيلم الشعب المصري لأسياد وعبيد، وكما يقول أحمد أمين على لسان بطل الفيلم خالد صالح: إن “الأسياد هم أبناء الطبقات العليا المتمثلة في ثلاث فئات هي منظومة الجهات السيادية المتمثلة في أمن الدولة والمخابرات، ومنظومة العدالة المتمثلة في النيابة والشرطة، وأصحاب الثروات الذين اعتبرهم قادرين على شراء المنظومتين السابقين، أما العبيد فهم بقية الشعب المطحون”.

يرى الناقد الفني وليد سيف أن فيلم “فبراير الأسود” يصور حالة الواقع الاجتماعي في مصر قبل الثورة، وأن المواطن لجأ لاستخدام أساليب مشروعة وغير مشروعة ليحمي نفسه في وطنه الذي لا يحمي سوى الجهات السيادية فقط.

ومن “فبراير الأسود” إلى فيلم “أبريل الأكثر سوداوية” وضياع آلاف المصريين المدنيين على هامش المعارك بالسودان، حيث مات الشاب المصري صابر في غربته بالسودان الذي يشهد اشتباكات دامية قبل أن يكتمل حلمه بأن يصبح طبيبا عقب تخرجه من كلية طب الأسنان بإحدى الجامعات السودانية، كانت الوفاة بسبب غيبوبة سكر، حسب رفقائه في السكن، والذين نقلوا وصيته في مقاطع فيديو، إذ كان طلبه الأخير أن يُدفن في مصر.

حاول رفقاء السكن والدراسة جهدهم توفير سيارة لنقل الموتى تحمل جثمان صديقهم الراحل إلى مصر عبر الطريق البري، رغم العثرات والمشاق المحدقة بالرحلة التي لن تكون آمنة، ربما حتى على جثمان صديقهم الميت، لكنه على الأقل لن يشعر بتلك المخاطر وهو في طريقه إلى مثواه الأخير.

على صفحات خاصة بالمصريين في السودان في موقع “فيسبوك”، وفي تعليقات أسفل منشورات لسفارة مصر بالخرطوم، كرر عشرات المغتربين المصريين الشكوى من تقصير السفارة بحقهم، وعدم قيامها بأي مساع لإجلائهم منذ بداية الأزمة، كما فعلت سفارات دول أخرى، وذلك في ظل تسارع عمليات إجلاء الرعايا لحمايتهم من تبعات النزاع المسلح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

 

مفيش حكومة

وفي معرض تبرير إرجاء الإجلاء، يقول بعض مؤيدي الانقلاب بمصر: إن “السبب يعود إلى دواع أمنية، إذ تخشى حكومة  الانقلاب من كون كثير من الموجودين في السودان من المعارضين، أو ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين، رغم أن عصابة الانقلاب بالقاهرة لطالما طالبت الخرطوم بضرورة تسليم المعارضين والمطلوبين، وجرى قبل شهور اعتقال معارض مصري من على متن طائرة كانت متجهة من السودان إلى دولة أخرى أثناء ترانزيت في مطار الأقصر.

وكما كان الأب (حسن) الذي قام بدوره الفنان الراحل خالد صالح يحاول أن ينقذ عائلته المدنية وينعم بالأمان في ظل التحالفات الاجتماعية السيادية، يحاول المصريون في السودان الاعتماد على جهودهم الشخصية للفرار إلى الشمال، ويتواصلون معا بشأن توفير الحافلات، ومناطق التجمع، كما يواصلون الاطمئنان على بعضهم بعضا، وتبادل المساعدات المعنوية والمادية بعدما تقطعت بهم السبل، ونفدت أموال كثيرين منهم، وخصوصا الطلاب الذين يدرسون بالجامعات السودانية، وسط تساؤلات عن غياب أي دور للسفارة المصرية.

وفيما يخص السماح بعرض الفيلم في دور السينما على الرغم من قوة طرحه، أوضح الكاتب الصحفي أشرف غريب أن تمرير الفيلم بدور السينما ناتج عن ضعف جهاز الرقابة في مصر بعد ثورة يناير بسبب حالة الفوضى العامة التي عاشتها البلاد.

ويؤكد السيناريست خيري الفخراني على قناعته بأن هذا فيلم “فبراير الأسود” لو لم يعرض بعد الثورة، فإن العسكر بعد أن أحكموا سيطرتهم على الحكم لم يكونوا ليسمحوا له بأن يرى النور.

وتوقعت الكاتبة الصحفية حنان شومان أنه إذا أراد مخرج وكاتب الفيلم أحمد أمين كتابة جزء ثان من الفيلم، فإنه سيكون أكثر إحباطا وسوداوية، وهو الرأي نفسه الذي كشف عنه الكاتب في أحد اللقاءات الصحفية، إلا أنها لا تدري أن كاتب فيلم فبراير الأسود في غنى عن ذلك، لأن ما يعيشه العالقون المصريون اليوم في الخرطوم وتخلي نظام الانقلاب عنهم، هو الجزء الثاني الواقعي من الفيلم.