جددت الصورة التي بثتها رئاسة الانقلاب لأحد اجتماعات السيسي بمقر القيادة الاستراتيجية في العاصمة الإدارية الجديدة الجدل حول أمراض الجنرال عبدالفتاح السيسي النفسية؛ فخلال اجتماع السيسي الدوري مع مجلس الوزراء بحضور رئيس الوزراء بحكومة الانقلاب مصطفى مدبولي، ووزير الدفاع الفريق أول محمد زكي، ووزيرة التخطيط هالة سعيد، ووزير الإسكان عاصم الجزار، ووزير النقل كامل الوزير، وآخرين، كتب على اللوحة المعلقة الآية القرآنية رقم(269) من سورة البقرة {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ}.
الصورة أعادت للأذهان تصريحات السيسي للجالية المصرية خلال زيارته لألمانيا في الأسبوع الأول من شهر يونيو 2015م؛ حين تأسى السيسي بجده الأكبر فرعون؛ فوصف نفسه بأنه «طبيب الفلاسفة»، وأن زعماء العالم قالوا للناس اسمعوا كلامه لأنه عارف بالحقيقة ويراها. حيث قال السيسي وقتها:"ربنا خلقني طبيب أوصف الحالة، هو خلقني كده، أبقى عارف الحقيقة وأشوفها، ودي نعمة من ربنا، اسمعوها مني، وزعماء كل الدنيا خبراء المخابرات والسياسيين والإعلاميين، وكبار الفلاسفة – لو حبيتوا- قالوا للناس اسمعوا كلام الراجل ده". وتابع في عجب: «الناس بدأوا يفهموا أن الكلام اللي إحنا بنقوله نقي وأمين وشريف ومخلص ومافيش وراه أي هدف حتى لو كانت وراه مصلحة إنسانية مش شخصية». وبلغة دارجة خاطب السيسي المصريين بألمانيا، قائلا: «مصر كانت ع الحرف وحدّ زقها وهي نازلة تقع مسكتها وقلتلها استني!!"..ما أثار استغراب واستهجان الحضور للغة الخطاب. وبأداء تمثيلي، واصل السيسي: "أنا لست زعيمًا ولا رئيسًا ولا قائدًا. أنا واحد منكم، وهذا ليس كلامًا، أنا فعلًا يشرفني أن أكون واحدًا منكم". وأضاف: "أريد أن أطمئنكم على زيارة ألمانيا. الزيارة ناجحة والحكومة الألمانية تفهمت موقفنا وهي حريصة على استقرار مصر لأن ذلك يضمن استقرار المنطقة بالكامل». فخلاصة كلام السيسي في المانيا وفي غيرها خلال السنوات الماضية حصره الله تعالى في نصف الآية رقم 29 من سورة غافر: {مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ}.
اتهامان!
نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي انصب نقاشهم على توجيه اتهامين للسيسي من خلال تحليل الصورة:
الاتهام الأول هو مسعاه الدؤوب على توظيف الدين ونصوص القرآن على وجه التحديد للتخديم على أهدافه ومآربه الشخصية وأجندته السياسية. فالسيسي يتعامل مع الدين بوصفه أداة تابعة للسلطة يتعين أن يكون حاضرا لتبرير مواقف السلطة وتسويغ سياستها وإضفاء مسحة من القداسة على إجراءاتها على اعتبار أن ذلك هو شكل من أشكال الخضوع للإله نفسه وفق فهم السلطة للآية القرآنية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ}. (النساء 59). رغم أن السيسي على مدار سنوات اغتصابه للسلطة بانقلاب عسكري في منتصف 2013م، تجاهل ثلاثة أمور: الأول أنه نفسه لم يعمل بهذه الآية عندما كان وزيرا للدفاع فلم يلزم طاعة الرئيس الشرعي المنتخب الذي جاء به وعينه وزيرا للدفاع وقائدا للجيش؛ بل على العكس تآمر عليه وحرض السفلة وغدر به حتى اختطفه وألقاه في السجن ظلما حتى مات شهيدا بعد ست سنوات. الثاني، أن السيسي لا يفطن إلى وضوع الآية بأنها جعلت لله طاعة خاصة { أَطِيعُواْ اللَّهَ}، وجعلت للرسول (r) طاعة خاصة {وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ}. لكنها لم تجعل لأولي الأمر طاعة خاصة بهم فقال تعالى (وَأُولِي الأَمْرِ)، ولم يقل وأطيعوا أولي الأمر. بمعنى أن طاعة أولى الامر مرهونة على الدوام بطاعتهم لله ورسوله فإن خالفوا فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. الأمر الثالث، أن الآية القرآنية جعلت المرجعية العليا عند الاختلاف بين الحكام والمحكومين لله (القرآن) ولرسول (السنة النبوية الشريفة) يقول تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}، ليؤكد أن ذلك خير للجميع الحكام والأمة كلها { ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}. لكن السيسي على الدوام يجعل من هواه مركزا لكل الأحكام والقرارات، وفي سبيل تكريس حكمه وطغيانه ارتكب جميع الجرائم والمنكرات وهو استعداد لارتكاب ذلك على الدوام من أجل أن يبقى على رأس السلطة قابضا عليها بالنواجذ مخضعا كل الناس بالحديد والنار لحكمه وجبروته. ولذلك فقد أخضع السيسي المؤسسة الدينية الرسمية (الأزهر ـ الكنيسة ـ الإفتاء ـ الأوقاف) لحكمه وجعل من كبار عمائمها وصلبانها أدوات يحركها على هواه كيف شاء من أجل أن يبقى متشبثا بالسلطة والحكم حتى هلاكه حتف أنفه أو بأيدي حراسه كما فعل هو بالضبط مع رئيسه الشرعي قبل سنوات؛ فكما تدين تدان.
الاتهام الثاني، هو أن مضمون الآية {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} البقرة (269) يثير تساؤلات من مغزى السيسي وضعها، فهو يريد أن يبعث رسالة للمصريين بأن الله منحه الحكمة، والقدرة على تدبير الأمور وحسن التصرف معها، الأمر الذي يدفع الكثيرين إلى التأكيد على أن السيسي إنه وصل إلى مرحلة متقدمة من " العجب والكبر". وهو للأسف أحد أسهل الطرق إلى غضب الله تعالى؛ فالشيطان لا ينكر وجود الله ولا وحدانيته ولا علوه وتنزهه سبحانه وتعالى لكنه تكبر وأبى الخضوع لله تعالى رافضا السجود لآدم رغم أن المسألة لا تتعلق بآدم بل بطاعة أمر الله تعالى فإن أمرك الله بالسجود لشيء يتعين الطاعة بوصفه أمرا صدر عن الله دون النظر للشيء الذي ستسجد له. من دواعي الأسف أن معظم الحكام وكثير من الناس يقتدون بالشيطان؛ فهم يؤمنون بوحدانية الله وتنزهه سبحانه وتعالى لكنه يرفضون الخضوع لشريعته استكبارا وغرورا. فالله تعالى حرم الربا تحريما صارما ورغم ذلك فإن المنظومة الاقتصادية بالكامل تدار بالربا بدعوى أنها "فائدة"؛ فهل تغير اسم الحرام يؤدي إلى إباحته؟! هذا التفاف على حكم الله وشريعته فهل نجت بلادنا من هذا الفسوق والعصيان؟ بالعكس فإن اللعنة ضربتها حتى باتت على شفا الإفلاس والمجاعة وصارت حياة الناس ضنكا وفقرا وشقاء!