الغموض والوضوح  في مقتل 3 صهاينة على يد جندي مصري.. سياق الروايتين

- ‎فيتقارير

اختلفت الروايتان الرسميتان في كل من مصر وإسرائيل حول حادثة مقتل مجند مصري على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي بعدما تمكن من قتل "3" جنود صهاينة صباح السبت 3 يونيو 2023م، عند معبر العوجة على الحدود بين مصر والأراضي الفلسطينية المحتلة. والعامل المشترك بين الروايتين هو عدم ذكر أي معلومات عن الشهيد منفذ العملية؛ فرغم صدور بيانين عسكريين مصريين إلا أنهما لم يقدما شيئا يذكر عن الشهيد منفذ العملية.

أول جوانب الغموض هو التعليقات السرية لعدد من الجنرالات المصريين على بياني الجيش الصادرين بهذا الخصوص؛ وقد أصدر المتحدث العسكري في مصر العقيد أركان حرب غريب عبدالحافظ غريب بيانين على مدار يوم السبت أفاد فيهما بأن أحد عناصر الأمن المكلفة بتأمين خط الحدود الدولية قام بمطاردة عناصر تهريب المخدرات فجر السبت، وأثناء المطاردة اخترق فرد الأمن حاجز التأمين وتبادل إطلاق النيران». وأضاف أن المواجهة أدت إلى وفاة ثلاثة أفراد من عناصر التأمين الإسرائيلية وإصابة فردين آخرين بالإضافة إلى وفاة فرد التأمين المصرى أثناء تبادل إطلاق النيران. وأشار البيان إلى أنه جار اتخاذ كافة إجراءات البحث والتفتيش والتأمين للمنطقة وكذا إتخاذ الإجراءات القانونية حيال الواقعة. وختم البيان الأول قائلا: «خالص التعازى لأسر المتوفيين وتمنياتنا بالشفاء العاجل للمصابين». وفي وقت لاحق، أصدر المتحدث العسكري بيانا آخر، قال فيه إن الفريق أول محمد زكى القائد العام للقوات المسلحة، وزير الدفاع والإنتاج الحربي، أجرى اتصالا هاتفيا مع وزير الدفاع الإسرائيلي يواف جالانت. وأوضح البيان، أنه تم بحث ملابسات حادث (الأمس) وتقديم واجب العزاء فى ضحايا الحادث من الجانبين والتنسيق المشترك لاتخاذ ما يلزم من إجراءات لمنع تكرار مثل هذه الحوادث مستقبلا.

وتعليقا على هذين البيانين، ذكرت إذاعة جيش الاحتلال الأحد أن الجيش المصري أبلغ القيادة العسكرية الإسرائيلية أن البيان الذي أصدره في أعقاب عملية إطلاق النار التي نفذها الجندي المصري جاءت فقط لدواعٍ داخلية مصرية. وقالت الإذاعة إن الرسالة التي نقلها جنرالات مصريون تحدثوا إلى ثلاثة من جنرالات أعضاء في هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، مفادها أن البيان الذي صدر عن الجيش والذي أكد فيه أن الجندي وجنود جيش الاحتلال قد قتلوا في أثناء عملية تعقب مهربي مخدرات، جاء بهدف "منع تفجر مشاكل داخلية" في مصر. من جهة أخرى، ذكرت سلطة البث الإسرائيلية على حسابها على "تويتر" أن مسؤولا مصريا كبيرا وصل أمس إلى الحدود التي وقع فيها إطلاق النار، والتقى هناك بمسؤولين إسرائيليين.

 

الرواية الإسرائيلية

الرواية الإسرائيلية بدأت بالحديث عن اشتباكات تتعلق بالتهريب، وربطت الصحافة الإسرائيلية العملية بتهريب مخدرات على غالب الأمر، إذ أن المنطقة المذكورة منطقة معروف عنها عمليات التهريب ووقع فيها اشتباكات سابقا مع المهربين. ولا يعرف مصدر التفاصيل التي كشفت عنها وسائل إعلام إسرائيلية حيث ذكرت أن عملية تهريب جرت قبل إطلاق النار بساعات فقط، حيث جاء مهربون من الجانب المصري إلى منطقة السياج الأمني، وألقوا حمولة مخدرات كبيرة إلى الجانب الإسرائيلي، فيما يقوم المهربون من الجنب الإسرائيلي بالتقاطها بسيارات الدفع الرباعي عادة والهروب من المكان.

 لكن الموقف الإسرائيلي تحول لاحقا إلى وصف الحادث بوصفه عملا تخريبيا (إرهابيا) من أعمال المقاومة (المناوئين لإسرائيل)، والأحد (4 يونيو) أكدت إذاعة جيش الاحتلال العثور على كتاب قرآن إلى جانب سلاح الجندي المصري، لافتة إلى أن هذا يشير إلى أن تنفيذ العملية جاء بـ"دوافع دينية"، كذلك عُثر على سكين لاستخدامها في تجاوز الحدود، و6 مخازن رصاص، ما يدلّ على أنه خطط لتنفيذ العملية بدقة كبيرة، بحسب زعمها.

 

تعليقات الصحافة الإسرائيلية

وفي تعليقه على الرواية الإسرائيلية، أشار المعلق العسكري لصحيفة "معاريف" طال ليف رام، إلى أن الجندي المصري قطع مسافة 5 كلم من موقعه إلى السياج الحدودي،" وهو يحمل على ظهره حقيبة فيها معدات، وضمنها مخازن ذخيرة وسكينتا كوماندوز قطع بواسطة إحداها الأسلاك التي تسد فتحة الطوارئ الحدودية، التي يستخدمها الجيشان المصري والإسرائيلي في تجاوز الحدود.  وأشار ليف رام إلى أنه بالاستناد إلى المعلومات التي قدمها ديوان الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي، فإن طائرة دون طيار حددت موقع الجندي المصري، بعد أن تمكن من التوغل لمسافة كيلو ونصف في عمق "الأراضي الإسرائيلية". وذلك وفقا لترجمة الخبير في الشأن الإسرائيلي الدكتور صالح النعامي في صحيفة "العربي الجديد" اللندنية.

يتعين الإشارة  إلى أن مكان الحادث يقع قرب معبر العوجا المصري أو نيتسانا كما يسميه الإسرائيليون المخصص لنقل البضائع بين دولة الاحتلال ومصر، ويستخدم أيضا كمعبر لعبور الدبلوماسيين وأصحاب "التصاريح الخاصة".

المعارضة الإسرائيلية استغلت الحادث لتوجيه سهام النقد لحكومة نتنياهو؛ واعتبر المعلق العسكري لصحيفة "يسرائيل هيوم"، يوآف ليمور، أن نجاح شرطي مصري في تجاوز الجدار الحدودي العازل الذي كلف الخزانة الإسرائيلية المليارات يُعَدّ "إخفاقاً خطيراً". وفي تقرير نشرته الصحيفة الأحد، أعاد ليمور للأذهان حقيقة أن الجدار الحدودي الذي بنته إسرائيل على طول الحدود مع مصر طوله يراوح من 5-7 أمتار، ومزود بمنظومات استشعار إلكترونية تقدم إنذارات مبكرة حول أية محاولة لتجاوزه. ولفت إلى أنه في حال عدم تمكن جيش الاحتلال من ضمان إبقاء الحدود مع مصر هادئة، فإن إسرائيل ستواجه معضلة أمنية، متوقعاً أن تطلب إسرائيل من مصر التحقق من الخلفيات الشخصية والدوافع الإيديولوجية للجنود وعناصر الشرطة المصريين الذين يتمركزون على طول الحدود للتأكد من عدم استعدادهم للانخراط في عمليات تستهدف إسرائيل.

ويرى الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية عاموس يادلين، وفي مقابلة أجرتها معه إذاعة جيش الاحتلال الأحد، أن المصريين لم يتثقفوا على السلام مع الإسرائيليين وبالتالي فإنه يفترض حدوث عمليات عدائية بين حين وآخر من الجانب المصري الذي وصفه بالحليف. وأضاف : «تربطنا بمصر علاقات سلام باردة لكنها في الآونة الأخيرة (  في عهد السيسي) باتت أكثر دفئا، يدور الحديث عن حادث صعب ومؤلم، لكن يجب عدم السماح له بأن يخرب العلاقة مع جارتنا القوية». ويعتبر المعلق السياسي لصحيفة "يسرائيل هيوم" أرئيل كهانا، العملية التي نفذها الجندي المصري دليلاً على عمق تجذر الكراهية لإسرائيل في صدور المصريين "رغم التعاون الأمني والسياسي" الذي يربط نظام الحكم الحالي في القاهرة بإسرائيل. وفي تحليل نشرته الصحيفة، حذر كهانا الإسرائيليين من عدم تجاهل مصادر التهديد التي يمكن أن تمثلها مصر، على الرغم من استقرار اتفاق السلام الموقع معها.