رغم ركود السوق العقاري …مواد البناء تشعل أسعار الوحدات السكنية

- ‎فيتقارير

 

الارتفاع الجنوني في أسعار مواد البناء وتراجع قيمة الجنيه أمام الدولار الأمريكي والعملات الأحنبية، تسبب في ارتفاع أسعار العقارات بصورة غير مسبوقة ، مما جعل الكثيرين يحجمون عن الشراء، وتسود حالة من الركود في السوق، ومع ذلك ترتفع الأسعار يوميا، حيث توجد حالة ترقب للمزيد من الارتفاع في أسعار مواد البناء أملا في زيادة جديدة لتحقيق مكسب أكبر، حتى لو كانت الشقة منشأة قبل ارتفاع أسعار مواد البناء.

مواد البناء

كان تقرير رسمي صادر عن الإدارة المركزية للاحتياجات ومواد البناء التابعة لوزارة إسكان الانقلاب، قد اعترف بأن هناك ارتفاعا كبيرا في أسعار مواد البناء والتشطيب، مشيرا إلى أن سعر طن حديد التسليح ارتفع خلال 12 شهرا بنسبة 84.5%، حيث سجل في يناير 2023، مبلغ 28.600 جنيه مقابل 15.500 جنيه في يناير من العام الماضي ثم وصل إلى 42 ألف جنيه مؤخرا.

وأشار التقرير إلى أن سعر طن الأسمنت ارتفع بما يقرب من 80%، حيث سجل طن الأسمنت البورتلاندي العادي خلال يناير 2023 حوالي 1900 جنيه للطن، بينما سجل في الشهر ذاته من العام 2022 نحو 1060 جنيها فيما يتراوح السعر الآن ما بين 1500 و1800 جنيه.

وعن أسعار الطوب الأسمنتي، أكد أن الألف طوبة سجلت 1400 جنيه خلال شهر يناير 2023، في الوقت الذي سجلت فيه خلال شهر يناير من عام 2022 نحو 1100 جنيه، بزيادة قدرت بـ27.3%، فيما سجل سعر الألف طوبة وردي 2760 جنيها.

وأضاف، شهدت أسعار الرمل ارتفاعا في سعر المتر المربع بنسبة 18.8% مقارنة بالعام الماضي، حيث سجل خلال يناير 2022 نحو 95 جنيها، وسجل في الشهر ذاته من عام 2022 نحو 80 جنيها، لافتا إلى أن أسعار الجبس وصلت خلال الشهر الجاري إلى 1300 جنيه للطن، مقارنة بالشهر ذاته من العام الماضي والتي قدرت بـ950 جنيها، بزيادة بلغت 36.8%.

وأكد التقرير أن أسعار الزلط ارتفعت بنسبة 14.3% خلال يناير الماضي مقارنة بالشهر ذاته من عام 2022، حيث سجل المتر 200 جنيه، بينما كان في العام الماضي 2022 بـ175 جنيها.

 

الدولار

 

حول أزمة مواد البناء قال طارق أحمد، بائع مواد بناء: إن “ارتفاع أسعار مواد البناء من أكبر أسباب ارتفاع أسعار الشقق سواء الخاصة بالمواطنين أو الحكومية، مشيرا إلى أن الجميع يحسبون قيمة الشقة بناء على سعر الدولار الذي نشتري به مواد البناء من الخارج، أو بقيمة مواد البناء طبقا للمنطقة”.

وأضاف طارق أحمد في تصريحات صحفية، إذا كانت الزيادة في الشقة الواحدة في المناطق الشعبية تصل إلى 5 آلاف جنيه، نجدها تصل في مناطق أخرى إلى 30 ألف جنيه وقد تزيد الشقة في أي منطقة راقية أكثر من ذلك رغم انخفاض مساحتها.

 

المناطق الشعبية

 

وأكد شريف سالم، بائع مواد بناء، أن أسعار الشقق في المناطق الشعبية شهدت ارتفاعا كبيرا سواء كانت تمليكا أو إيجارا، والجميع يستغلون أوضاع السوق لرفع الأسعار على الملاك أو المستأجرين.

وقال سالم في تصريحات صحفية : «الشقة يشتريها صاحبها بـ300 ألف وبعد شهرين يبيعها بـ500 ألف جنيه» مشيرا إلى أن أصحاب العمارات هم المستغلون الحقيقيون، وقد يكونون هم كلمة السر وراء رفع قيمة مواد البناء، وهو ما يحدث في مناطق بعينها، بينما نجدها تباع بأسعار مختلفة في مناطق أخرى.

وكشف أن أصحاب العقارات يتفقون مع المقاولين وأصحاب محلات بيع مواد البناء على رفع السعر من أجل نهب أموال المواطنين واستغلالهم وبيع الشقق لهم بأسعار خيالية.

وأوضح سالم أنه على الرغم من حالة العزوف عن شراء الشقق، إلا أن مسلسل ارتفاع الأسعار يواصل حلقاته كل يوم.

 

التضخم

 

وقال الدكتور عمرو يوسف، خبير الاقتصاد والتشريعات المالية والضريبية: إنه “وسط ركود يتصف بالتضخم يواجه السوق العقاري المحلي العديد من الأزمات الاقتصادية والتي أثرت على حركة البيع والشراء، بالرغم من توافر المعروض سواء كان عن طريق طروحات دولة العسكر بتمويل عقارى طويل الأمد، أو عن طريق مشروعات القطاع الخاص أو حتى المعروضة بشكل فردي”.

وأكد يوسف في تصريحات صحفية أن التضخم كان له الأثر الأكبر في عزوف الكثيرين عن الشراء خشية التعرض لأزمات سيولة قد لا تمكنهم من تلبية احتياجاتهم العادية، حيث فضل البعض الاحتفاظ بالسيولة النقدية أو تحويل تلك السيولة إلى ذهب أو عملة صعبة لينحصر سوق العرض والطلب للعقارات حول مسألة الاحتياج في أضيق حدود لها.

وأضاف أن ارتفاع الأسعار بشكل متواتر جاء في مقدمة الأسباب التي كانت وراء الركود الحالي، حيث زادت الأسعار في القطاع العقاري بشكل غير مسبوق، نتيجة الزيادات في جميع القطاعات المرتبطة به من مواد بناء وخلافه، ورغم توافرها محليا إلا أنها تأثرت بالزيادات التي حدثت في الطاقة والعمالة والنقل، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار يوما بعد يوم، كما تأثرت الوحدات الخاصة بمبادرات التمويل العقاري بتلك الزيادات لتتساوى تقريبا مع ما يتم طرحه عن طريق القطاع الخاص.

وعن تعطل نظرية العرض والطلب في السوق العقاري وفقا لزيادة المعروض من تلك الوحدات، أوضح يوسف أنه كان الأحرى أن يكون سباق القطاع العقاري نحو خفض الأسعار وليس العكس، لأن أسعار العقارات مرتفعة جدا ولا يستطيع الكثيرون شراءها، لذلك فضل بعضهم اللجوء إلى أسواق الذهب والعملات الأجنبية، خاصة أن شريحة عريضة من المواطنين يفضلون في تلك الأوقات التي خيمت عليها ظلال تضخمية كثيفة الاحتفاظ بالسيولة وعدم التضحية بها حتى ولو كان ذلك في شراء عقار، والاكتفاء ببديل مناسب منخفض التكلفة كالإيجار مثلا، حيث يعد هذا في ظل ارتفاع الأسعار حلا مناسبا لأصحاب الدخول البسيطة والمتوسطة، وهو ما أدى إلى تعطيل قانون العرض والطلب.

وقال : “قد يكون ضمن أهم الأسباب المؤدية إلى عزوف الكثيرين عن الشراء هو تكلفة تأهيل هذه الوحدة وجعلها قابلة للعيش فيها، نظرا لارتفاع التكاليف والمواد الخام وكذلك المصنعيات المرتبطة بها، ولذلك يجب أن يكون هناك فرصة للشركات الخاصة بالتشطيبات بتمويل بنكي مدعم بنظام سداد ميسر لحل هذه المشكلة”.

 

حالة شلل

 

وأكد يوسف أنه يمكن الاستفادة من هذا التوجه والسلوك الذي يفضل الإيجار على التمليك بعرض نسبة معينة من المنشآت العقارية للإيجار محدد المدة بمقدم مناسب، لحل هذه المعضلة والتي لو طالت قليلا سوف تصيب حلقات الاقتصاد القومي بعطب قد يصعب علاجه، وذلك لارتباط النشاط العقاري براوفد مساعده كثيرة كمصانع مواد البناء والتأسيس والحديد، موضحا أنه حتى قطاعات السلع المعمرة سوف تصاب بشلل نتيجة عدم الطلب عليها.  

وحذر من أن هذا القطاع سوف يفقد نتيجة الركود التضخمي العديد من عماله وموظفيه والذين يقدر عددهم بالملايين حيث يجذب هذا القطاع عددا كبيرا من المواطنين، وهو ما قد يؤثر سلبا على حياة العديد من الأسر.

وأكد يوسف أن سبب عدم البيع والتوقف عن تنفيذ الوحدات العقارية قد يرجع إلى الشركات نفسها والتي لا ترغب في المخاطرة بتنفيذ وحدات تم التعاقد عليها بسعر معين في ظل عدم استقرار أسعار الصرف، وهو ما يؤثر على سوق الخامات، مما قد يعرض تلك الشركات لخسارة فادحة وانحسار حجم الأرباح المتوقعة لها، لذلك قد يفضل العديد منها التوقف عن النشاط أملا في تحقيق الاستقرار في الأسعار.

وأشار إلى أن الشق الإجرائي المرتبط بالرسوم والضرائب العقارية، قد يكون سببا من أسباب ركود السوق العقاري، لذلك يجب إعادة التفكير مجددا حول تخفيف تلك الأعباء المالية أو إزالتها بالنسبة لعمليات الشراء أو البيع لأول مرة فقط لتشجيع الأفراد على الشراء دون خوف أو الشعور بزيادة الأعباء خاصة مع التضخم الحالي.

وشدد يوسف على أن القطاع العقاري يعد من أهم روافد الاقتصاد القومي، وانتعاشه من جديد ينعكس بالإيجاب على جميع القطاعات المغذية له، إضافة إلى ضمان حماية الآلاف من أفراد الطبقة العاملة داخل هذا القطاع، مؤكدا أن التحرك لمعالجته ليس رفاهية، وإنما ضرورة مهمة ومطلب أساسي في الفترة الراهنة.