فورين بوليسي: مزاعم تفاجئ “أوباما” بالانقلاب على الرئيس “مرسي” منح قيادات الجيش الضوء الأخضر

- ‎فيتقارير

 

أكد مقال نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية البارزة، للباحث الأمريكي العربي شادي حميد أن إدارة أوباما منحت الجيش الضوء الأخضر للانقلاب على أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا.

وكشف المقال "الدور الأمريكي الغائب في تشجيع الجيش على الانقلاب ومنحه الضوء الأخضر".

وقال الباحث: "السرد الذي يقول إن  إدارة أوباما فوجئت ليس صحيحا، والعكس هو الأقرب للحقيقة، لقد منح  أوباما الجيش المصري ما يمكن وصفه بالضوء الأخضر للإطاحة بأول حكومة تنتخب ديمقراطيا في تاريخ البلد.".

وأشار "حميد"، الباحث في معهد بروكينجز وأستاذ الدراسات الإسلامية في "فولر سيمنري"، الخلاصة التي توصل إليها ليست قائمة على آراء الإخوان أو الآراء المضادة من أنصار الانقلاب، وبناء على تقارير صحفية ومقابلات مع 30 شخصية، بمن فيهم مسؤولون كانوا مع أوباما في الغرفة أثناء القرارات الحاسمة، فإن الموقف مختلف ويؤشر لنتيجة تثير القلق، بحسب قوله.

واعتبر أن الانقلاب في مصر قدم عددا من الدروس للربيع العربي المقبل، وهي أنه لا يمكن الاعتماد على وعود أمريكا وتشدقها بالديمقراطية.

ومقال شادي حميد هو جزء من كتاب صدر له في العام الماضي بعنوان “مشكلة الديمقراطية: أمريكا، الشرق الأوسط وصعود وسقوط فكرة” وقال فيه: إن "الربيع العربي انتهى في 3 يوليو 2013، حيث أطاح انقلاب عسكري بالحكومة المنتخبة ديمقراطيا للرئيس محمد مرسي".

وكان "حميد" لفت إلى أن أنصار الإخوان المسلمين حملوا إدارة باراك أوباما المسؤولية، وإنها لم تعبر عن استعداد لوقف الانقلاب أو حتى وصفه بهذه الصورة.

ولفت أيضا إلى أنصار الانقلاب الذين اتهموا أوباما بأنه هو الذي دفع بالإخوان للسلطة في المقام الأول وبين صناع السياسة في الغرب، فإن إدارة أوباما لم تكن على علم بالانقلاب وفوجئت به ولم يكن لديها أي قدرة على فعل شيء.

لماذا دعموا انقلابا عسكريا؟

وأوضح الباحث الأمريكي العربي أنه بعد عقد (10 سنوات) على تلك الأحداث ولا يزال الدور الذي لعبته الولايات المتحدة بالأحداث التي قادت للانقلاب، وفي الانقلاب نفسه محلا للخلاف.

وأوضح أن المسؤولين الأمريكيين الذين كانوا يؤمنون بالديمقراطية وجدوا صعوبة في دعم الدول العربية، لأن الأحزاب الإسلامية ستحقق نتائج جيدة بل وتفوز في انتخابات حرة، معتبرا أن هذا الابتلاء يوضع تحت عنوان "المعضلة الإسلامية" التي تعاني منها عملية التحول الديمقراطي.

وضع خاص لأوباما
ورأى أن "الوضع مع أوباما كان أفضل وأعطى مساحة للتفاؤل، فالرئيس الأمريكي الأسبق ابن لمسلم وأول رئيس عاش في بلد غالبيته مسلمة، كان أوباما منفتحا حول الإسلاميين أكثر من أسلافه".

واستدرك أن انفتاحه كان تهمة، كما قال مسؤول بارز في البيت الأبيض "لا تنس أنه في البداية اتهم بأنه متعاطف مع الإسلاميين، وكان عليه مقاومة المفهوم وحاول الإفراط بالتعويض عنه".

وفي محاولة ربما لتبرير موقف أوباما قال: إنه "في ذلك الوقت تعرضت هوية أوباما للتحدي، واعتقد غالبية الجمهوريين أنه مسلم سرا، وفي العمق، لكن أوباما كان براجماتيا ولديه ميل مزاجي نحو الحذر والعناية".

وأضاف أن الحجة التي استندت إليها إدارة أوباما تتلخص في "كلمة الاستقرار هي الشعار"، وأنه في مصر كانت تعني "دعم المجلس الأعلى للقوات المسلحة في أعقاب ثورة 2011، وهي السلطة الانتقالية التي تسلمت الحكم بعد رحيل حسني مبارك، حتى لو كان هذا يعني تخريب آمال الشعب المصري، وكان أوباما يعتقد أن المجلس العسكري سيمنع من خروج الديمقراطية عن السيطرة".

ونقل عن أوباما قوله: "أولويتنا الاستقرار ودعم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، حتى لو تم انتقادنا ولست مهتما بالجماهير في ميدان التحرير ونيك كريستوف، في إشارة للمعلق في صحيفة نيويورك تايمز الذي كان ناقدا لسياسة الإدارة من مصر".
وزعمت الإدارة الأمريكية موقفها بأنه "من أجل الاستقرار"، وأضاف "كانت الإدارة راغبة بتنظيم الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية.،وكما قال دينس روس، المسؤول البارز في إدارة أوباما، جزء من السبب الذي جعلنا ندفع نحو انتخابات رئاسية، نظرا للاعتقاد، على الأقل بالنسبة لي، هو أن الإخوان سيهيمنون، أو كما قالت السفيرة الأمريكية آن باترسون: "كان موقفنا الافتراضي هو أن عمرو موسى كان سيفوز، وهي الطريقة الغربية للنظر في الأمور، باعتبار موسى علماني".
واستدركت باترسون ، الانتخابات البرلمانية حصلت أولا، وفي عام 2012، حقق حزب الحرية والعدالة، جناح الإخوان المسلمين نسبة 43% من مقاعد البرلمان، ولم يكن موسى قادرا على التقدم بعد الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة، حيث حصل على نسبة 11%".

نفاق الغرب
ورغم وضوح المؤامرة الغربية التي كانت أشبه بوضع العصي في الدولايب، رأى شادي حميد أن مرسي الذي فاز بالجولة الثانية بهامش ضيق، قضى عاما مضطربا، توج باحتجاجات ضد حكومته بسبب تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية، وفق المقال.

وأضاف "لم تكن غالبية المحتجين تطالب بانقلاب عسكري، بل وطالبت باستقالة مرسي أو انتخابات مبكرة، لكن الجيش الذي قاده وزير الدفاع الغامض عبد الفتاح السيسي انتهز المبادرة وسيطر على الحكم في أيام معدودة".

وتابع "جاء الرد غير المريح من الإدارة الأمريكية، حيث أكدت جين ساكي، المتحدثة باسم وزارة الخارجية، أن الإدارة مصممة على عدم تحديد طبيعة ما حدث وإن كان هذا انقلابا أو غير ذلك".

وأردف "بعد أسبوع أثنى وزير الخارجية جون كيري على السيسي الذي أعاد الديمقراطية، وهي تصريحات غريبة وجاءت بعد مذبحتين منفصلتين للإخوان المسلمين في 8 يوليو و27 يوليو".

البنتاجون شريك بقرار الانقلاب
وعلق شادي حميد ، وما لا يعرف الكثير أن الأيام الحرجة والمتوترة التي قادت للانقلاب وعندما كانت هناك فرصة لمنع القتل القادم، فهذه أيام مغلفة بالغموض ومنحت الولايات المتحدة نوعا من الإنكار، وكان بمقدور مستشاري أوباما القول إنهم "فوجئوا بما حدث وإنه أمر واقع، فقد حدث الانقلاب وعليهم التعايش معه وليس مع عالم كانوا يطمحون برؤيته".

وأضاف "في داخل الإدارة كانت هناك خلافات في المواقف حول مرسي والإخوان المسلمين، فقد كان البنتاجون يشك به نظرا لعلاقته الطويلة مع الجنرالات المصريين، بشكل وضعه في مواجهة مع وزارة الخارجية والبيت الأبيض اللتين تتشدقان بالكلام عن الديمقراطية".

وعن قوة الجيش الأمريكي في قرار البيت الأبيض أشار إلى أن مسؤولي وزارة الدفاع مثل الجنرال جيمس ماتيس الذي كان قائدا للقيادة المركزية في معظم فترة مرسي يرون في الديمقراطية والترويج لها حرفا عن الهدف الرئيس وهو مكافحة الإرهاب.

وأشار إلى أنه كيف روج ماتيس دعواه بكذبات ومنها "وصف ماتيس مرة الإخوان المسلمين والقاعدة بأنهما يسبحان في نفس البحر” وأعجب ماتيس بانقلاب السيسي أو حسب قوله “ما رأيناه بالأساس هي عملية محاكمة شعبية وبأكبر جمهور في التاريخ الحديث خرج إلى الشوارع، وقالوا لقد مللنا من هذا الرجل، وبعدها رأينا الجيش يخرج ويدعم المحاكمة الشعبية".

مايكل فلين

وأضاف "المثير في الأمر هو أن مايكل فلين الذي أصبح لاحقا مستشارا للأمن القومي في إدارة دونالد ترامب قبل أن يخرج مخزيا، كان مديرا للاستخبارات العسكرية في الربيع الذي سقط فيه مرسي".

واستشهد بما قاله "فلين"، للصحفي ديفيد كيركباتريك "ما كنا سنراه هي سيطرة للإخوان المسلمين على البلد".

وكشف كيف أنه في زيارة فلين للقاهرة في إبريل 2013 أي قبل الإطاحة بمرسي ولقائه جنرالات مصر وكيف كان قريبا منهم بروحه ونظموا له يوما ثقافيا، وعلى مأدبة غداء تمعن فلين بخارطة حددت مناطق التهديد الإسلامي في مصر.

"كيري" و"باترسون"
وأضاف أن وزارة الخارجية كانت أفضل إلا أن كيري كان صوتا نشازا في “فوغي بوتوم” منطقة وزارة الخارجية بواشنطن، وغالبا ما أثار الفزع بين زملائه.

ونقل عن مستشار بارز لكيري عن وضع وزير خارجية أمريكا في ذلك الوقت "شعر أن الانقلاب لم يكن نتيجة سيئة لنا ومن ناحية مصالح الأمن القومي، ولم يكن معجبا بالإخوان المسلمين ولا مرسي".

وأضاف مسؤول آخر في الخارجية وبشكل أوضح "كره كيري الإسلاميين، كرههم. وأعتقد أنه شخص نشأ وتشكل في عصر آخر من العالم".

وتابع أن الطريقة التي حصل فيها عن المعرفة والمعلومات عن الشرق الأوسط كانت من خلال الحديث مع القادة العرب، ولو تعاملت مع قادة لعدة عقود في مجلس الشيوخ، فإنك تحصل على موقف محدد، كان كيري يحب الديكتاتوريين، وهو يشبه بايدن، وكل هؤلاء الرجال من جيل يؤمن بالتعاون مع الرجال الأقوياء وهذا كل ما عرفوه في الشرق الأوسط".

واستشهد مجددا بما ذكره كيري ل"كيركباتريك" في حوار معه "اعترف كيري أن مرسي أصبح مطبوخا، وأن الجيش يحضر نفسه للتدخل، ومنذ بداية مارس 2013، وبعدما التقى السيسي، وزير الدفاع ولأول مرة، وبعد اللقاء حذرت باترسون البيت الأبيض أن "الانقلاب سيقع على الأرجح في أشهر قليلة".

هجل والمعضلة الواضحة
وأوضح أنه في لحظة وضوح للمسؤولين الأمريكيين في الأيام التي قادت للانقلاب، بات أنهم يعرفون ما يجري وكانوا في وضع لمنع السيسي لو أردوا ولكنهم لم يحاولوا.

واعتبر أنه هنا بدت معضلة الإسلاميين واضحة لواشنطن، وفي محاولة لتذكر المرحلة قال وزير الدفاع في حينه تشاك هيجل بأنه كان يتفق مع مزاعم السعوديين والإماراتيين والإسرائيليين، بأن الإخوان المسلمين هم خطر يجب مواجهته.

وأضاف أنه كان أول ضوء أخضر غير مقصود قد جاء من هيجل، فقبل أيام من الانقلاب، قال هيجل للسيسي "لن أقول لك كيف ستدير بلدك، وعليك حماية أمنك وحماية بلدك".

30 يونيو كان الانقلاب واقعا

وأضاف أن هيجل "لم يكن المسؤول الوحيد الذي أرسل رسائل مزيجة للجيش المصري" وذلك في إشارة لأوباما نفسه.

وقص ما حدث في 30 يونيو 2013، عندما "خرج مليون مصري (وفق تقدير المجلة) للشارع احتجاجا على حكم مرسي، واستخدم الجيش المشهد الشعبي ومنح مرسي إنذارا لتلبية مطالب المتظاهرين في 48 ساعة، وإلا فسيفرض الجيش استراتيجيته لإنهاء الأزمة"، بحسب فورين بوليسي.

وأضاف أن الانقلاب لم يحدث بعد وكان لدى واشنطن الوقت لتوضيح النوايا والأفضليات، وقبل يومين من الانقلاب، اتصل أوباما في 1 يوليو مع مرسي.

وتابع أن أوباما بدا راضيا وذهب بعيدا لعقلنة ما فعله الجيش وما يجب عمله، وقال لمرسي إن "الجيش المصري سيتخذ قراره لأنه يعتقد أن استقرار البلد في خطر”، وهو ما ذكره كيركباتريك في كتابه “في يد الجنود” الصادر عام 2018".

واستدرك الباحث أنه حيئنذ "فقد كان انقلاب الجيش أمرا واقعا، لدى الإدارة.".

حوار عصام الحداد / رايس

وعن تفاصيل حدثت في 2 يوليو 2013، بعد تدهور الوضع بزيادة، قال "كان أوباما مسافرا ومستشارته للأمن القومي سوزان رايس في البيت الأبيض، حيث اتصل عصام الحداد، مستشار مرسي للأمن القومي، وكان يتحدث من القصر الرئاسي في القاهرة".

وأضاف "كان يدور بين حالة الفزع والتحدي، حسب مسؤول في البيت الأبيض على معرفة بالحوار ، قدمت سوزان دفاعا حارا عن الديمقراطية لهذا الرجل والذي كان يفعل نفسه الشيء على الجانب الآخر من الخط، قائلا إنهم ضحوا بحياتهم لحماية الحرية المصرية وإنه مستعد ومرسي لعمل نفس الشيء".

ورأى أن "الأمل الوحيد الذي بقي لهم هي الولايات المتحدة، وقالت "بالأساس لن نتخلى عنك ونقف مع الديمقراطية ووضحنا هذا، ولم يكن أوباما جزءا من الحوار وافترضت أنها تعكس مواقفه"، بحسب الباحث شادي حميد.

واستعرض مقولتها وركز كيف قالتها ببساطة: "لن نسمح لهذ ا بالمرور ولن نسمح به، ومرة بعد الأخرى، وأتذكر أنني قلت لها “سوزان، هل أنت متأكدة؟ وهل سنمضي حتى النهاية؟"

وعن توابع مكالمة سوزان رايس علق حميد "لكن الوقت كان قد تأخر بحلول 3 يوليو، فقد استفاق الأمريكيون واعتقل مرسي في مكان مجهول".

اجتماع القتلة 
وأضاف "مع تلقي البيت الأبيض تحديثات، جمع أوباما مستشاريه في “سيتويشين روم” حيث كان بانتظاره قرار صعب ويتعلق بالدعم الأمريكي الذي يحظره القانون، لحكومة تمت الإطاحة برئيسها عبر انقلاب عسكري".

ونقل عن مساعد حضر النقاشات قوله: "كان هناك قانون واضح ويقول “أعلن أنه انقلاب وأقطع الدعم العسكري” و”في الحقيقة لم نركز على الأمر الأول لأن أحدا كان يحاول وعن قصد خنقه ويقول إنه ليس انقلابا".

وكيف أنه تذكر كيف قال أوباما، وهذه أول مرة يسمعه يتحدث بهذه الطريقة "النقاش واضح"  "حسنا، لن نقوم بالإعلان أنه انقلاب ولماذا علينا القيام بهذا؟"، بحسب الكاتب.

وأضاف (المساعد) إنه "شعر بالدهشة كبقية الحاضرين، حيث تغيرت دفة الحوار، وجاءت تصريحات الإدارة لتعكس هذا النقاش".

وبعيدا عن حديث الغرف المغلقة لم يختلف الوضع كثيرا عما أعلنه أوباما  بعد استحواذ الجيش على السلطة بقوله إنه "قلق بشكل عميق من إزاحة الجيش للرئيس مرسي وتعليق الدستور"، وكانت كلمة “انقلاب” غائبة من كلامه، بحسب المجلة.