يواجه سوق الدواء فى مصر مشكلات وتعقيدات كثيرة في زمن الانقلاب، تسببت في نقص بعض الأدوية وغياب استراتيجية واضحة ومحددة للتسعير.
ومع أزمة الدولار وتراجع قيمة الجنيه تزايدت شكاوى المواطنين من نقص بعض الأدوية، خاصة مرضى الغدد والقلب والأورام والأمراض المناعية، ولجأ المرضى إلى صفحات السوشيال ميديا من أجل الحصول على الدواء مهما كان سعره، واكتشفوا ارتفاع سعر بعض الأدوية إلى 900 جنيه بدلا من 300 جنيه استغلالا للأزمة.
يشار إلى أن مصر تستورد نسبة كبيرة من المواد الخام المستخدمة في التصنيع تصل إلى 95% ومع أزمة الدولار بدأت الشركات المحلية تعاني من نقص مستلزمات الإنتاج بشدة، ما أثر على حجم الإنتاج والعرض في الأسواق، وظهور بعض الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تبيع هذه النواقص بأسعار عالية استغلالا للأزمة.
نقص العملة الصعبة
حول هذه الأزمة قال الدكتور أحمد السواح، رئيس مجلس أمناء المركز المصري للحق في الدواء، إن "مشكلة نقص الأدوية سواء محلية أو مستوردة ترجع إلى أزمة نقص العملة الصعبة اللازمة لتوفير مستلزمات الإنتاج والمواد الخام".
وأضاف «السواح» في تصريحات صحفية، أن ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه باستمرار يتسبب في مشكلات عديدة للشركات، ويجعلها لا تستطيع تغطية مصاريفها وشراء المواد الخام من الخارج ومواد التعبئة والتغليف وغيرها، كما أن انخفاض أسعار الأدوية في مصر يعد أحد أسباب نقصها في الأسواق، لأن الشركات المستوردة ملتزمة بأسعار معينة وإذا وجدت أن سعر الدواء أقل من الخارج فإنها لا تستورد هذا الدواء، وبالتالي يحدث فيه نقص بالأسواق.
وأوضح أن أغلب أسعار الأدوية المستوردة أرخص من مثيلاتها في الدول المحيطة بنا، وبالتالي الشركات الأجنبية المستوردة لا تربح من السوق المصري كما تربح من السوق الخليجي مثلا.
مسؤولية هيئة الدواء
وحمل «السواح» هيئة الدواء المصرية مسئولية ارتفاع أسعار الدواء بسبب قراراتها التي تصدر بين الحين والآخر بزيادة أسعار بعض الأنواع المحلية أو المستوردة بشكل انتقائي عشوائي، وعلى حسب هوى ومزاج المسئولين، وبالتالي لا توجد سياسة واستراتيجية تسعيرية محددة، لدرجة أن بعض الأدوية تزيد أسعارها 3 أضعاف في المرة الواحدة، حيث أدى ذلك إلى وجود نوعين أو ثلاثة من الدواء لهم نفس التركيبة ونفس المادة الخام، لكن النوع الأول بـ20 جنيها والثاني بـ60 و70 جنيها بسبب السياسة التسعيرية العشوائية.
وطالب بالتقريب بين أسعار الأدوية المحلية والمستوردة بحيث تستطيع الشركات المحلية توفير المادة الخام باستمرار، حتى لا تتوقف عن الإنتاج، محذرا حكومة الانقلاب من العمل على إرضاء الشركات متعددة الجنسيات التي تعمل في مصر من خلال مصانعها على حساب الشركات المحلية، ورفع السعر لها أكثر من مرة،.
وشدد«السواح» على ضرورة اتباع سياسة النفق السعري كما تتبعها الدول الأوروبية، بحيث يتم خفض سعر الأدوية الأصلية بعد انتهاء براءة الاختراع الخاصة بها، ولا يكون الفارق بين سعر الدواء الأصلي والمحلي أكثر من 30 أو 40% مشيرا إلى أن هناك 9 شركات في مصر معظمها متعددة الجنسيات تستحوذ على 55% من السوق المصري و150 شركة مصرية أخرى تستحوذ على الباقي.
لوبي مصالح
وقال محمود فؤاد، المدير التنفيذى للمركز المصري للحق في الدواء: إن "وجود صنف أو أصناف في السوق بأكثر من 3 أسعار، يشير إلى أن هناك لوبي مصالح كبير له نفوذ يحميه سواء من شركات نافذة أو قيادات قادرة".
وكشف «فؤاد» في تصريحات صحفية أن هناك أصنافا كانت تباع بـ50 جنيها وبعد شهر أصبحت بـ٩٠ جنيها، ثم وصلت إلى ١٣٥ جنيها، أي أن هناك ملايين الجنيهات مكسب في كل صنف، لأن هذا الصنف يباع منه ملايين العبوات، وهذا يحدث بجرة قلم، في حين هناك آلاف الأصناف الأخرى لا ترتفع أسعارها.
وأوضح أن هذا الأمر يتم عن طريق نقل مسئول أو كادر من هيئة رسمية معينة إلى شركة خاصة تحت بند إجازة تحسين دخل، ومن هنا يبدأ تحريك الأسعار عبر لوبي المصالح، ثم بعد سنتين يعود هذا المسئول إلى عمله مرة أخرى بعد استنفاد مبررات وجوده في الشركة الخاصة أو انكشاف أمره.
وأكد «فؤاد»، أن لوبي المصالح في الهيئات الكبرى يبيع المعلومة في لحظة ويكسب ملايين حرام، وكل ده مرتبط بشيء واحد هو شيوع الفساد اللى بيجرأ ويشجع الجميع وكل واحد بيفوت للتاني والدنيا بتمشي، لكن بردو سهل جدا إنك تحاسب الموظف إن كنت عاوز فعلا تحاسبه.
المادة الخام
وقال الدكتور علي عوف رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية، إن "صناعة الدواء لها اشتراطات وتقنيات عالية ومواصفات معينة تضمن جودة الصناعة، بداية من المادة الخام إلى طريقة التصنيع ثم نزول الدواء إلى السوق، موضحا أننا في مصر نعتمد على تصنيع الأدوية المقلدة، بمعايير ومواصفات معينة وتجرى عليها دراسات معينة تؤكد أن لها نفس فعالية الدواء الأصلي.
وأضاف «عوف»، في تصريحات صحفية، ليست أي مادة خام تصلح لتصنيع الأدوية في مصر، ولكن تكون نتيجة إجراء دراسات داخل المصانع من حيث حجم كل حبة في المادة الخام نفسها وشكلها ودرجة الرطوبة ومدى تحملها لدرجات الحرارة، وكل مصنع له مواصفات معينة للمادة الخام التي يستخدمها.
وأكد «عوف» أننا في مصر لدينا الإمكانيات المادية والبشرية والعلمية لإنتاج المواد الخام محليا، بدليل وجود مصانع تنتج المواد الخام منذ الستينيات، لكن مشكلة هذه المصانع أنها لم تتطور منذ إنشائها، وبالتالي كانت تحقق خسائر كبيرة طوال السنوات الماضية، ولجأت المصانع المصرية إلى الاستيراد لأن إنتاج شركة النصر للكيماويات خاص بأنواع معينة فقط، ولم يكن مناسبا للأدوية الحديثة وطرق إنتاجها.
وأشار إلى أن المواد الخام تمثل 80% من صناعة الدواء، ونحن نستورد 95% من هذه المواد بما فيها الورق والأحبار التي تستخدم في تعبئة وتغليف الدواء .
وأوضح «عوف» أن شركات الدواء الأوروبية والأمريكية تشتري المواد الخام من الهند والصين بأسعار بسيطة ثم تبيعها بعد ذلك إلى باقي دول العالم بأسعار مرتفعة وتحقق أرباحا كبيرة.
وأرجع عدم تصنيع المواد الخام في مصر، إلى عدم الجدوى الاقتصادية من المشروع التي ستؤدي إلى تحقيق خسائر كبيرة لأي مصنع يفكر في إنتاج المواد الخام، بسبب المنافسة الشرسة من الهند والصين وأسعارهما الرخيصة مقارنة بمصر، مؤكدا أن تكلفة إنتاج المادة الخام عندنا ستكون أعلى من استيرادها، لأن إنتاج الهند والصين ضخم وأسعارهما أرخص.
