خلال الأيام الماضية خرجت تصريحات مفاجئة من أشخاص محسوبة على نظام 3 يوليو الانقلابي تهاجم الدكتاتور عبدالفتاح السيسي ونظامه؛ أبرزهم الإعلامي والأكاديمي معتز عبدالفتاح والفنان محمد صحبي والإعلامي عمرو أديب.
البداية مع الأكاديمي معتز بالله عبدالفتاح، والمعروف بنفاقه الواسع وتأييده المطلق لنظام الانقلاب العسكري والسيسي على وجه الخصوص، والذي دعا قائلا: «اللهم رئيس حسيس زي الرئيس السنغالي»؛ وهي العبارة التي تنطوي على سب علني للسيسي بأنه عديم الإحساس لأنه لا يستمع إلى الرأي العام الكاسح في الشعب والذي يرفض استمراره.
وقال عبدالفتاح بنبرة ساخرة: «أنا زعلان منك يا ريس.. زعل اللي بيحب بلده وبيخاف عليها». وربط عبد الفتاح بين أجواء الانتخابات الرئاسية في مصر وتراجع الرئيس السنغالي عن الترشح لدورة ثالثة بعد احتجاجات شعبية ضده رفضت ترشحه. وتابع في إسقاط على المشهد المصري أن، السنغاليين خرجوا رافضين أن يترشح رئيسهم لمدة ثالثة. واستدرك:” الشعب السنغالي رفض والرئيس السنغالي استجاب”. وأضاف متسائلا: «نحن عندما ترفض شعوبنا أي شيء لماذا تشتعل الدنيا ويموت الناس وتقوم الثورات.. وحروب أهلية تندلع ومؤامرات خارجية يتم نسجها؟». وأردف بنبرة دعاء رأى فيها البعض سخرية مبطنة من السيسي: «اللهم رئيس حسيس زي الرئيس السنغالي»!
تكتسب تصريحات عبدالفتاح أهمية في ظل السياق الحالي لعدة اعتبارات:
الأول، أنها تصريحات من شخصية محسوبة على النظام دأبت على النفاق والتملق والتلون لأقصى مدى يمكن تخيله بعدما تخلى عن العلوم السياسية التي يدرسها في الجامعة بوصفها أستاذ للعلوم السياسية في جامعة القاهرة، واتبع هواه مؤيدا انقلابا عسكريا على رئيس مدني منتخب بإرادة الشعب الحرة. ووضع نفسه في خدمة جنرالات الانقلاب يبرر جرائمهم ويسوق طغيانهم واستبدادهم دون وازع من ضمير أو خوف من الله. وله تصريح شهير في يناير2021م على برنامج الحكاية على فضائية "أم بي سي مصر" بأنه يريد أن يبقى السيسي رئيسا حتى 2030م.
الثاني، أن معتز كان قد هاجم حكومة السيسي قبل أيام منتقدا زيادة معدلات الديون في عهد السيسي حتى باتت إمكانية تسديدها تحتاج لـ 48 عاماً إن لم يكن أكثر –كما قال-. ولفت إلى أن مصر تقترض مليار دولار في الشهر منذ تولي السيسي السلطة، وأوضح أن مصر اقترضت في عهد السيسي 120 مليار دولار على مدى 10 سنوات. ومضى قائلاً: “إحنا كمصريين حاليين بنعيش على حساب أولادنا وأحفادنا وأحفاد أحفادنا الذين سيأتون من بعدنا”.
الثالث، أن هذه التصريحات لم ينفرد بها معتز بالله عبدالفتاح، بل إن الفنان محمد صبحي خرج مساء 16 يوليو 2023م في مداخلة مع برنامج "حضرة المواطن" الذي يقدمه الإعلامي سيد علي على فضائية "الحدث اليوم" باكيا على أوضاع البلاد لا سيما في مجالي الفن والثقافة؛ وقال نصا: «إحنا خلاص بنعمل دليفري وبنفذ غصب عننا ما يريد أعدائنا»، منتقدا التغييب المتعمد للأعمال الجادة والرصينة لحساب الأعمال التافهة التي يتم تمويلها وتسويقها على نطاق واسع؛ وتساءل: هل من مصلحة عدونا إننا نعمل تعليم عظيم؟ هل من مصلحة عدونا إننا نعمل فن راقي يسمو بالوجدان؟ هل عدونا يتمنى لنا النجاح؟ ايه اللى بنعمله ده؟!». وأضاف في أسى: «أنا حزين علي حال بلدي، أنا بشتغل لوحدي وحاسس إني في سجن كبير بس مظلوم لإني مسجون في زنزانة انفرادي». وكان صبحي قد طالب السيسي بفتح المجال أمام من هو أفضل منه للترشح ومنافسته في الانتخابات الرئاسية"، وهي التصريحات التي تراجع عنها لاحقا؛ لكن اللافت أن صبحي نجا من الانتقام على عكس الفنان إيمان البحر درويش ما يعني أن صبحي مسنود من جهات وأجنحة داخل النظام نفسه وقد يكون مسنودا من عواصم خليجية.
الرابع والأهم أن هذه التصريحات كلها جاءت على فضائيات أو منصات خليجية مملوكة للسعودية أو الإمارات؛ فتصريحات معتز بالله عبدالفتاح جاءت على منصة "الشاهد" الإماراتية. و تصريحات محمد صبحي جاءت على فضائية "الحدث" السعودية؛ الأمر الذي يبعث رسالة واضحة في مضمونها وتوجهاتها بأن حكومات هذه العواصم بدأت تتخلى فعليا على السيسي لا سيما مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المرتقبة بنهاية العام الجاري؛ وما يتردد حول احتمال الإطاحة بالسيسي عبر انقلاب ناعم من خلال دعم شخصية قوية ضده من أجل تفادي السيناريوهات الخشنة والتي يمكن أن يكون لها تداعيات مؤلمة على الوضع الاقتصادي والسياسي للبلاد في ظل بؤس الحالة الراهنة وإغراق البلاد في مستنقع الديون والقروض. وقد يعزز ذلك بالهجوم الذي شنه عمرو أديب في نفس التوقيت تماما على فضائية "إم بي سي مصر" المملوكة للمخابرات السعودية؛ حيث طالب بانتخابات رئاسية حقيقية تشهد تنافسا حقيقيا ؛ وقال نصا: «مصر متقلش عن أي حد، ونحن نستحق زي أي حد. أم الدنيا مش تعبير فلسفي مجازي، لازم تكون أم الدنيا حقا وصدقا، ونحن نستحق أن يكون عندنا معركة انتخابات حقيقية، لما بقول الكلام ده ناس كتير ببتريق عليا؛ طب أعملكم إيه؟».
تفسيران
التفسير الأول، يرى أن ما يجري هو مجرد توزيع أدوار من أجل أن تخرج مسرحية الرئاسة بصورة أفضل بكثير مما جرى في مسرحيتي 2014 و2018؛ وبالتالي فإن ما يجري هو مجرد شكل من أشكال الديكور المطلوب قبل مسرحية الانتخابات الرئاسية المرتقبة بنهاية العام الجاري (2023)، لا سيما وأن النظام يواجه انتقادات حادة من الحكومات الغربية ومؤسسات التمويل الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وبالتالي فإن هذه الانتقادات ما هي إلا مجرد أدوار مرسومة وفق السيناريو الذي جرى إعداده للمسرحية حتى تكون مقبولة من الحكومات الغربية ومؤسسات التمويل التي بات لها نفوذ واسع في صناعة القرار المصري.
التفسير الثاني، يرى أنصار هذا التفسير أن ما يجري هو دليل تململ العواصم الخليجية من الجنرال السيسي، وأنهم ضاقوا ذرعا باعتماده المستمر على التسول والمساعدات والقروض؛ وأن هذه العواصم لم تعد تقبل أن تستمر هذه الأوضاع؛ لا سيما بعدما أصبح فشل السيسي لا يحتاج إلى برهان بعد ما حظى به من دعم ومساعدات وقروض تزيد على 250 مليار دولار خلال السنوات العشر الماضية. معنى ذلك أن هذه الانتقادات هي بحد ذاتها ضوء أخضر بضرورة التغيير وأن السيسي قد فقد أوراق اعتماده وضرورة وجوده ولا بد من رحيله. ولعل هذا ما يفسر امتناع هذه الدول عن ضخ المزيد من المساعدات ووضعت شروطا قاسية لمزيد من الاستثمارات. فهذه الدول تنتهز فرصة الانهيار الواقع في مصر وتطمع في السيطرة على الشركات الرابحة خصوصا تلك التي تدر العملة الصعبة. ولذلك فإن بعض تصريحات معتز عبدالفتاح ركزت على تعديلات قانون الاستثمار التي أعلن عنها رئيس الحكومة مصطفى مدبولي مؤخرا؛ مشيدا بها وأنها لو حدثت قبل عدة سنوات ربما كانت أوضاع البلاد الاقتصادية أفضل من ذلك بكثير. والبعض يرى أن ذلك قد يمثل إشارة إلى قبول هذه العواصم الخليجية بشخصية بديلة للسيسي تتسم بالكفاءة والاحترافية والقدرة على إدارة البلاد في هذه الفترة الحساسة ووقف النزيف المستمر.
الخلاصة أن موقف العواصم الخليجية له تأثير كبير على صناعة القرار المصري، لكنه وحده ليس كفيلا بحدوث التغيير المرتقب؛ فلا بد من وجود جناح داخل النظام المصري نفسه لا سيما في المؤسسة العسكرية يقبل بهذا التغيير؛ وأن الوقت أصبح ملائما لتغيير الأوضاع وأن استمرار السياسيات الراهنة كفيل بتدمير البلاد وتمزيقها على نحو يستحيل معه احتواء هذا السقوط الذي سيكون مدويا وكارثيا. ويبدو أن هذا الجناح قائم بالفعل والدليل على ذلك هو ما أثير حول ترشح الفريق محمود حجازي صهر السيسي في الانتخابات المقبلة وأنه سعى للحصول على إذن بالترشح من المجلس العسكري لكنه فشل فأحجم. وما كان لحجازي أن يخطو هذه الخطوة لولا معلومات مؤكده لديه بأن المجلس العسكري ليس متفقا على استمرار السيسي من عدمه وأنهم ربما بصدد البحث عن شخصية عسكرية بديلة ترمم الأوضاع وتعالج الأخطاء الكارثية التي وقعت خلال السنوات العشر الماضية.
