مأساة حقيقية يعيشها أصحاب الأمراض المزمنة، خاصة مرضى القلب والفشل الكلوي والسرطان والكبد الذين ارتبطت حياتهم بالأدوية التي وصفها الأطباء لهم، إلا أنهم وجدوا أنفسهم فجأة في مأزق بسبب نقص الدواء وراحوا يبحثون عنه في الصيدليات دون جدوى، ومنهم من لجأ إلى مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تكونت مجموعات للمساعدة في البحث عن هذه النواقص، فيما لجأ البعض الآخر إلى السوق السوداء لشراء الدواء بأي ثمن .
الخبراء والصيادلة قالوا: إن "حكومة الانقلاب هي التي تسببت في أزمة الدواء، مؤكدين أن هناك نقصا كبيرا في المادة الفعالة التي تستورد من الخارج ".
وكشف الخبراء أن حكومة الانقلاب تحتجز شحنات المواد الفعالة المستوردة في الموانئ، بزعم عدم وجود دولارات في البنوك، وبالتالي توقف إنتاج الدواء في المصانع والشركات المصرية .
وأكدوا أن ارتفاع سعر الدولار أدى إلى نقص بعض أدوية الغدة الدرقية، خاصة دواء «التروكسين 50،100»، وأدوية الأورام وأدوية الضغط، بالإضافة إلى أدوية الفشل الكلوي وأدوية نقص المناعة.
تروكسين
ميرنا وجيه سجلت شكواها على جروب خاص بمرضى الغدة الدرقية، وقالت إنها "تبحث عن عنوان صيدلية لديها هذا الدواء الناقص، وكأنها تبحث عن مواد مخدرة".
وأضافت، أنا المفروض آخذ جرعة ١٥٠ التروكسين أو أوثيروكس، لكن مش لاقية لا ١٠٠ ولا ٥٠ ولا أي حاجة كأنه اختفى.
وتابعت ميرنا وجيه، تحاليلي وحشة جدا وتعبانة، والدكتور قال لي غلط أوقف كل المدة دي، ولازم أخد الجرعة لأني موقفة بقالي شهر، وتساءلت، حد يعرف أي صيدلية يكون فيها الدواء؟ بس يكون أكيد عشان مروحش على الفاضي.
نيومركزول
وأوضحت منى سعيد أنها تعاني من خلل في الغدة الدرقية منذ عام 2016، وأن معاناتها تزداد بسبب البحث عن الدواء.
وأضافت، المفروض آخد نيومركزول وطبعا كالعادة وزي أي حد مريض غدة درقية بيطلع عيني علشان أجيب الدواء، لحد ما دورت على بلد المنشأ ووجدت أنه يصنع في فرنسا وإنجلترا وإيرلندا، ومن هنا بدأت أشتريه من خارج مصر وربنا بيرزق من حيث لا أحتسب والحمد لله.
وتساءلت سامية عبد الحميد عن سبب نقص علاج بديل هرمون الغدة الدرقية «التروكسين» سواء التركيز 100 أو 50، قائلة: "هي الأدوية المسئولة عن حياة الإنسان بالسهولة دي، تترفع من السوق علشان يتلعب في سعرها؟".
وقالت : «آه فيه بدايل وعلشان نتعود عليها مش أقل من ستة أشهر متابعة وتحاليل، علشان تشوف جسمك قبله ولا تبحث عن بديل آخر».
عجز كبير
من جانبه أكد الدكتور محمود فؤاد، مدير المركز المصري للحق في الدواء، أن هناك نقصا في بعض الأدوية الاستراتيجية بالسوق المحلي نتيجة لارتفاع أسعار المادة الخام التي يتم استيرادها من الخارج، موضحا أن معظم الأدوية يتم استيراد مادتها الخام.
وقال فؤاد في تصريحات صحفية: إن "ارتفاع سعر الدولار أدى إلى نقص بعض أدوية الغدة الدرقية خاصة دواء «التروكسين 50،100» وبعض أدوية الأورام وأدوية الضغط، بالإضافة إلى بعض أدوية الفشل الكلوي وأدوية نقص المناعة، لافتا إلى أن الأدوية المحلية مؤمّنة بنسبة 92% لكن الباقي يستورد معظمه من الخارج لأنه لا يوجد مواد خام في مصر".
وأوضح أن هناك أصنافا دوائية كثيرة منقذة للحياة لم تعد موجودة، مشيرا إلى أن الشركات تزعم أن المشكلة، والسبب أن المادة الخام مكلفة أو غير موجودة أو ما زالت في البحر، وهي مشكلة حقيقية.
وأشار فؤاد إلى أن هذه النواقص تسبب مشكلة للمريض، وينتج عن عدم توافرها في الصيدليات خلق سوق سوداء بأضعاف الثمن، كما أنها تساعد على فتح المجال أمام عصابات غش الدواء، وبالتالي تقوم ببيع أدوية مغشوشة للمواطن واستغلال الأزمة والتهرب من الضرائب مع عدم وجود الرقابة اللازمة على الأسواق من صحة الانقلاب.
المواد الخام
وكشف أن عدم وجود المادة الفعالة لتصنيع وإنتاج الدواء هو السبب في أزمات نقص العلاج التي يعاني منها المرضى، مشيرا إلى أن ضعف الرقابة ليس بالأهمية الكبرى في حالة نقص العقاقير، طالما أن المادة الفعالة ليست موجودة وهي الأساس، فلا بد من توافر المواد الخام أولا ومن ثم الرقابة عليها، خاصة أن الشركات تريد المكسب والربح.
وأضاف فؤاد أنه عقب التواصل مع الشركة المصرية تأكد أن دواء التروكسين 100 متوفر بالصيدليات بالروشتة، أما التروكسين 50 فمحجوز بالجمارك لوجود مشاكل مالية.
وشدد على ضرورة أن يكون هناك أولوية لاستيراد بعض الأدوية كأدوية الغدة الدرقية، وبعض الأدوية الأخرى موضحا أن سبب أزمة نقص الأدوية هو أن أغلب الأدوية تستورد من الخارج، لذلك فهي مرتبطة بسعر الدولار، كما أن الدواء في مصر يتم تسعيره جبريا، فشركات الأدوية تحصل على الدولار بـ30 جنيها، وتقوم ببيع الدواء على آخر تسعير جبري له في عام 2017 والذي كان الدولار فيه بـ 18 جنيها فقط، وبالتالي تتكبد الشركات خسائر باهظة.
وأوضح فؤاد أنه رغم إعلان حكومة الانقلاب عن إفراجات كبيرة عن البضائع والمستلزمات، إلا أن هذه الإفراجات لم تستطع الوفاء بحجم الاحتياج المتراكم منذ شهور، لافتا إلى أن بعض هذه المستلزمات تتطلب ظروف تخزين خاصة لم تتوافر خلال وجود هذه الشحنات في الموانئ، ما تسبب في تلفها.
وأكد، أن هناك 8 شركات عامة تستطيع توفير الدواء الناقص لكنها تحتاج إلى دعم، مطالبا دولة العسكر بدعم هذه الشركات حتى تستطيع أن تنافس الشركات الخاصة منافسة حقيقية.
أزمة الدولار
وقال الدكتور ثروت حجاج رئيس لجنة الصيدليات بنقابة الصيادلة: إن "قطاعا كبيرا من الصيدليات يعاني بسبب تأثر حركة البيع والشراء جراء نقص الدواء، مؤكدا أن هذه الأزمة لم يرَ مثلها منذ 30 عاما، حيث أصبح شعار شركات توزيع الدواء مش متوافر أو مش موجود.
وأضاف حجاج في تصريحات صحفية، أن المواد الخام يتم استيرادها من الخارج، وهذا هو سبب الأزمة نتيجة لانتظار الشركات والمصنعين توافر الدولار، مؤكدا أن هناك أدوية كثيرة ناقصة في السوق المحلي نتيجة لأزمة الدولار وارتفاع سعره في الآونة الأخيرة .
وأوضح أن معظم مكونات الدواء يتم استيرادها من الخارج، مشيرا إلى أن تأخر الإفراج عن البضائع والمستلزمات الطبية ساهم في نقص أجهزة السكر والمحاليل الطبية وبعض المستلزمات الطبية.