بينما يتساءل المصريون عما حدث في العريش، وما سر التعتيم على الهجوم وما سر صمت الداخلية والجيش وإعلام السلطة، ولماذا كل الضحايا من قوات الأمن، نشبت اشتباكات بين قوات الشرطة المصرية وأهالي قرية شلقام التابعة لمركز بني مزار في محافظة المنيا، إثر تورط أحد الضباط في قتل مواطن يعول سبعة أطفال بسلاحه الميري، بسبب مشادة كلامية، بحسب ما أفاد شهود عيان على الواقعة.
يُشار إلى أن الحديث عن إبراهيم العرجاني زاد كثيرا في الفترة الماضية، في أعقاب الهجوم على مركز أمني محصن في مدينة العريش، وقالت الكثير من التقارير: إن "العرجاني يقف وراء الهجوم، الذي تتكتم سلطات الانقلاب عليه ولم تعلن أي شيء بخصوصه، رغم مرور أكثر من أسبوع على وقوعه".
"مفيش ضابط هيتحاكم" تسببت هذه القاعدة التي سار عليها السيسي، منذ استيلائه على السلطة عبر انقلاب عسكري، بفوضى كبيرة أعطت ضباط الأجهزة الأمنية الحق في ارتكاب الجرائم بحق المدنيين.
كان آخر تلك الجرائم تورط أحد الضباط في قتل مواطن يعول سبعة أطفال بسلاحه الميري بسبب مشادة كلامية، وأظهر مقطع فيديو متداول عبر موقع "فيسبوك" رفض الأمن تسليم جثمان الضحية إلى ذويه، وهو ما اضطر الأهالي إلى التجمهر أمام مركز شرطة بني مزار بالمنيا، والاشتباك مع قوات الشرطة، وسط صرخات أهل المتوفى.
وفي 15 يوليو الماضي، أخلت النيابة العامة في محافظة مطروح سبيل ضابط شرطة متهم بقتل الشاب فرحات أبو الشاردة المحفوظي رميا بالرصاص، على خلفية مشادة كلامية وقعت بينهما في مدينة سيدي براني غربي المحافظة.
وفي اليوم التالي، أصدر النائب العام، حمادة الصاوي، بيانا يعلن فيه إحالة ضابط شرطة وخمسة آخرين إلى المحاكمة الجنائية، وذلك لمعاقبتهم على ما اقترفوه من جرائم في الأحداث الواقعة بمنطقة سيدي براني.
ورغم تكرار حوادث قتل الضباط للمواطنين العزل في مصر، أصدر السيسي قرارات متتالية بالعفو عن ضباط في الجيش والشرطة مدانين في جرائم قتل وتعذيب، وكان آخرها العام الماضي حين أصدر قرارا بالعفو عن 13 ضابطا وشرطيا من المدانين بقتل 3 مواطنين تعذيبا في محافظتي القاهرة وسوهاج، ضمن قرارات العفو الرئاسي التي أصدرها بمناسبة مرور 40 عاما على ذكرى تحرير سيناء.
وأكد المجلس الثوري المصري، أنه لولا تسريب فيديوهات قتل المدنيين على يد الجيش والشرطة مثل حادث مدينتي وثبات الشهود والنشر بكثافة والتعاطف مع الضحايا الذين فرمهم الضابط بسيارته، كانت الجريمة ستتحول لحادث مروري عادي بسبب سرعة زائدة.
وتساءل، هل يكون حبس الضابط المتهم حركة لامتصاص غضب الشارع، وتمثيلية يتم بعدها تبرئته كما حدث مع ضباط آخرين بدلا من إعدامه للقتل العمد؟.
في الجهة المقابلة، يقوم "حميدتي سيناء" بتأديب عصابة الانقلاب بعدما سقط ثمانية قتلى من قوات الأمن بينهم ضابط بارز في قوات العمليات الخاصة، خلال اشتباك كبير داخل مقر الأمن الوطني، من دون أن تصدر الجهات الرسمية أي بيان عن سبب الاشتباك.
ومع استمرار صمت السلطات إزاء الحادث، فقد أثيرت تفسيرات عديدة بشأن الهجوم، ومن بين السيناريوهات التي راجت كثيرا كان الحديث عن تورط رجل الأعمال السيناوي المقرب من النظام إبراهيم العرجاني مؤسس اتحاد قبائل سيناء.
والعرجاني يتم تشبيهه على صعيد واسع بقائد قوات الدعم السريع في السودان محمد حمدان دقلو حميدتي، تاجر الإبل وأحد قطاع الطرق الذي حاز على صبغة عسكرية رسمية، وصار الآن يتقاتل للسيطرة على السلطة في السودان.
ويقول معارضون مصريون: إن "الجيش استخدم العرجاني وقواته كميليشيا داعمة له للسيطرة على الأوضاع في سيناء، إلا أنه اكتوى بنيران هذه القوات ولم يعد قادرا على السيطرة عليها".
من جهته يقول الباحث في الشؤون الأمنية، أحمد مولانا: إن "هذه سياسة متبعة منذ فترة، في ظل تبني سردية القضاء على الإرهاب، وذيوع الأمن في سيناء، وبدء مشاريع واستثمارات مثل توسعة ميناء العريش، وهو ما يتطلب تجاهل التعليق على أي أحداث أمنية".
وأضاف: "التعليق على الواقعة سيسلط الضوء، ويذكر الناس بأن ما أعلنته الحكومة عن سيناء غير صحيح، وأنها تحولت إلى واحة للأمن والاستقرار، في حين أن الأوضاع هناك لا تزال هشة أمنيا رغم سنوات طويلة من العمليات المسلحة".
وتقود سلطات الانقلاب حملة أمنية ضد عناصر مسلحة منذ أكثر من 12 عاما، وكانت أول حملة عسكرية كبيرة لمكافحة الإرهاب للقوات المسلحة المصرية في سيناء قد انطلقت عقب اندلاع ثورة 25 يناير 2011، وذلك في أعقاب تصاعد أنشطة المسلحين في شبه الجزيرة.
ومنذ عام 2011 نفذ الجيش المصري 7 عمليات عسكرية لمواجهة المسلحين في سيناء، وزعمت السلطات أن الأوضاع الأمنية استقرت بشكل كبير.
وأرجع ناشطون تجبر ضباط الجيش والشرطة المصريين وتصاعد جرائمهم إلى ضمان السيسي لهم بعدم معاقبتهم على جرائمهم، وذكروا بما جسده الممثل المصري الراحل خالد صلاح في فيلم "هي فوضى" الذي عُرض في 2007، من خلال دوره بشخصية شرطي يدعى "حاتم" أبرز طغيان وفساد السلطة والمؤسسة الأمنية.
وأكد الإعلامي المصري أيمن عزام، أن "مفيش حاتم بيتحاكم" وهي العبارة التي قالها الممثل خالد صلاح خلال أحداث الفيلم، قائلا: "هي دي مصر العسكر"، وعرض مقطع فيديو لحادث دهس ضابط جيش السيسي لأسرة مصرية، فقتل الأم وأصاب البقية إصابات خطرة لمجرد أن طفلهم خدش سيارته.