منذ اتفاق الدكتاتور عبدالفتاح السيسي مع صندوق النقد الدولي في نوفمبر 2016م، حلت على مصر لعنة التضخم والغلاء الذي تسبب في سقوط عشرات الملايين من الشعب تحت خط الفقر؛ سقط وسقط نظامه وأسقطنا معه في قبر صندوق النقد جراء لعنة الدماء التي اقترفتها يداه وأيدي أجهزته العسكرية والأمنية. ويكفي أن الدولار ارتفع أمام الجنيه المصري من 8 جنيهات مقابل كل دولار قبل التعويم إلى 31 جنيها اليوم في أغسطس 2023م. معنى ذلك أن كل جنيه أصبح يساوي فعلا ربع جنيه. وحتى نفهم ذلك بشكل صحيح لو أن مواطنا كان يتقاضى (5 آلاف جنيه) في 2016م، وأصبح هذا المواطن يتقاضى اليوم (10آلاف جنيه)؛ فالظاهر أن مرتبه ارتفع إلى الضعف خلال السنوات السبع الماضية؛ لكن الحقيقة أن هذا المسكين انخفض مرتبه إلى النصف؛ لأن الـ(10 آلاف اليوم)، وفقا لأسعار السلع والخدمات لا تساوي سوى (2.5 ألف جنيه فقط لا غير)! لماذا؟ لأن كل جنيه اليوم أصبح لا يساوي سوى (ربع جنيه) من قيمته قبل التعويم.
التضخم إلى أعلى مستوى
وحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فقد ارتفعت معدلات التضخم في مصر خلال شهر يوليو 2023م إلى 38.2% خلال، وكان في يونيو 36.8%، بينما لم يبلغ التضخم سوى 14.6% في نفس يوليو من العام الماضي (2022). جاء ذلك، في بيان أسعار المستهلك الصادر، الخميس 10 أغسطس 2023م، والذي يرصد تحركات أسعار السلع والخدمات في السوق المحلية.
وتعتبر أسعار المستهلك المسجلة في يوليو، الأعلى على الإطلاق وفق البيانات التاريخية المسجلة لدى البنك المركزي المصري؛ حيث صعدت أسعار الطعام والشراب على أساس سنوي بنسبة 68.2%، وارتفعت أسعار الحبوب والخبز بنسبة 55.7%، واللحوم والدواجن بنسبة 93.4%، والأسماك والمأكولات البحرية بنسبة 83.4%، والألبان والجبن والبيض بنسبة 64.7%، والزيوت والدهون بنسبة 30.6%، والفاكهة بنسبة 42.8%، والخضراوات بنسبة 82.3%، والسكر بنسبة 38.4%. وارتفعت أسعار الأقمشة بنسبة 23.5%، والأثاث والتجهيزات والمعدات المنزلية بنسبة 41.1%، وأسعار الرعاية الصحية بنسبة 19.1%. كما صعدت أسعار شراء المركبات بنسبة 37.3%، وصيانة وإصلاح المساكن بنسبة 31.6%، والأجهزة المنزلية بنسبة 52.7%، وخدمات المستشفيات بنسبة 30.4%. وارتفعت أسعار خدمات الهاتف بنسبة 27.2%، والصحف والكتب والأدوات الكتابية بنسبة 50.6%، والمطاعم والفنادق بنسبة 50.3%، وأسعار السجائر بنسبة 51.9%.
الجوع يأكل المصريين
وفي يناير2023م، نشر المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية دراسة حول اعتماد مصر على الواردات الغذائية، مما يجعلها معرضة بشكل خاص لارتفاع أسعار الغذاء العالمية والصدمات التجارية الناجمة تطورات الأحداث والصراعات العالمية. وأجرى المعهد مسحا يشمل أكثر من 6000 أسرة فقيرة وشبه فقيرة من جميع أنحاء مصر . وذكرت 85% من الأسر أنها خفضت استهلاك اللحوم، و75% خفضت استهلاك الدجاج والبيض، وهو أمر منطقي نظرًا إلى الزيادات الكبيرة في أسعار هذه الأصناف، ولسوء الحظ، هذه مجموعات غذائية مغذية توفر مصادر رئيسية للبروتين، مما يشير إلى انخفاض محتمل في جودة النظام الغذائي وتعتبر الأسماك والحليب أيضًا مصادر مهمة للبروتين والمواد المغذية الأخرى التي ارتفعت أسعارها أيضًا ارتفاعا كبيرا. في المقابل زادت اعتماد الأسر المصرية على أصناف غذائية أقل جودة وقيمة مثل البطاطس والمكرونة. ونحو 24% من أسر خفضت استهلاكها من الخبز غير المدعوم لارتفاع أسعاره.
برامج المعاشات لا تكفي
طبقا لآخر نشرة أسعار رسمية صدرت في يونيو (2023)، فقد تخطى سعر الكيلو من الجبن الأبيض 100 جنيه، والعدس 45 جنيها، والفول الجاف 37 جنيها، والأرز والعسل الأسود 30 جنيها، والسكر 25 جنيها، والدقيق 20 جنيها، واقترب سعر البيضة الواحدة من 4 جنيهات؛ وجميع ما سبق سلع أساسية في قائمة استهلاك الأسر المصرية.
إزاء هذه الأسعار الجنونية جاء قرار الجنرال السيسي في يوليو 2023م، بزيادة قيمة المعاش المخصص لأفقر الفقراء في البلاد بنسبة 25%؛ فتحصل الأسرة المستفيدة من برنامج (تكافل) على "406"جنيهات شهريا، والمطلقة والأرملة أو زوجة السجين تحصل على معاش قدره "437 جنيها"، والمعاق أو المسن الذي يستفيد من برنامج (كرامة) يحصل على نحو "562 جنيها/شهريا"؛ ومقارنة بالأسعار الملتهبة وإهدار مئات المليارات على المدن الجديدة والمشروعات العبثية فإن هذا قمة السفه والجنون؛ لأن هذه المبالغ الضئيلة لا تكفي لشراء الضرورات لفرد واحد من أفراد الأسرة.
وفي مصر ثلاثة برامج اجتماعية:
- الأول هو "الضمان الاجتماعي"، والذي نشأ سنة "1950" بقرار ملكي من الملك فاروق الأول ملك مصر والسودان. إعانة طبقة أفقر الفقراء.
- الثاني هو برنامج "تكافل"، استحدثه الجنرال السيسي في 2015م بتمويل من البنك الدولي، ويخصص للأسر الفقيرة التي ترعى أبناء في سن التعليم، وكان يقدم للأسرة 325 جنيها شهريا، واستمرت هذه القيمة ثابتة طوال السنوات الثماني التالية، حتى زادت هذا العام بنسبة 25% لتصل إلى 406 جنيهات، ولكن مؤشر الأسعار ارتفع في الفترة ذاتها نحو 227%.
- الثالث، هو برنامج "كرامة"، استحدثه السيسي في 2015 بتمويل من البنك الدولي، للمسنين والمعاقين غير القادرين على العمل.
وتم نقل المستحقين في برنامج الضمان الاجتماعي إلى برنامجي "تكافل وكرامة" حتى وصل عدد المسجلين في قوائم النظام الجديد في منتصف يوليو 2023 أكثر من مليونين و636 ألف شخص يستفيدون من برنامج "تكافل"، وهناك مليون و740 ألفا يستفيدون من برنامج "كرامة"، في حين لا يزال 300 ألف شخص مسجلين على نظام معاش "الضمان الاجتماعي".
أعداد الفقراء في مصر!
وحسب الخبير الاقتصادي نقيب الصحافيين السابق ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام سابقا ممدوح الولي، في مقاله (/"أفقر الفقراء" في مصر.. صورة مقلقة ترسمها الأرقام) المنشور على "الجزيرة نت"، بتاريخ 9 أغسطس 2023م، فإن نسبة الفقر الرسمية المعلنة هي 29.7%، ولكن كثيرين لا يعرفون أن هذه النسبة تعبر عن الفترة من النصف الثاني من 2019 وحتى نهاية فبراير 2020، قبل ظهور فيروس كورونا بتداعياته السلبية التي أدخلت كثيرا من الأسر المصرية إلى دائرة الفقر. وحسب الولي فهناك كذلك ملحوظة وثقتها إحدى الصحف الاقتصادية نقلا عن أستاذة جامعية شاركت في مسح الفقر الأخير، إذ قالت إنه عند تأهبهم لإعلان نتائج المسح اعترض مندوب لإحدى (الجهات السيادية) على نسبة الفقر التي كشف عنها التقرير، وطلب تحسينها حتى لا تسيء للإنجازات الحكومية؛ فعدلت النسبة، لكنه اعترض مجددا حتى انتهت الحال إلى النسبة المعلنة (29.7%).
ويضيف: «إذا أخذنا في الاعتبار ما تلا ظهور فيروس كورونا من موجة غلاء عالمي، ضاعفتها الحرب الروسية الأوكرانية التي أعقبت انتهاء خطر الفيروس، وما تواكب مع ذلك من تراجع قيمة الجنيه المصري أمام الدولار، وأثر كل ذلك على الارتفاع المذهل لأسعار السلع في البلاد خلال العامين الماضي والحالي، فإننا نستطيع التأكيد بثقة أن نسبة الفقر المعلنة رسميا لم تعد تعبر عن الواقع، كما أن حد الفقر المعلن رسميا (857 جنيها) ليس صالحا للاستخدام حاليا».
ورغم ذلك، إذا قارنّا الأرقام الرسمية بنفسها ــ حسب الولي ــ فإننا أمام واقع مؤسف؛ فالمستفيدون من معاشات "تكافل وكرامة" حتى منتصف 2021 بلغوا إجمالا نحو 14 مليون شخص، في حين يبلغ عدد الفقراء -وفق النسبة الرسمية المُحسنة- نحو 30.3 مليون شخص، أي أن المعاشات لا تغطي إلا نحو 46% من فقراء البلاد المسجلين (آنذاك). وهي تغطية لا تخرجهم من الفقر، ولا تحقق لهم الكفاية بحدها الأدنى، بما قد يدفع بعضهم إلى التسول أو الجريمة أو الانحراف الأخلاقي لاستكمال احتياجاته الأساسية من الطعام، فضلا عن احتياجاته الأخرى لتدبير نفقات إيجار المسكن وفواتير مياه الشرب والغاز الطبيعي والكهرباء، وكلها ارتفعت أسعارها».