كشفت تصريحات عبدالفتاح السيسي قائد الانقلاب الدموي على أول رئيس مدني منتخب في التاريخ المصري الشهيد محمد مرسي، أنه يعمل مع الصهاينة للقضاء على المقاومة الفلسطينية التي يعتبرها إرهابا يجب التخلص منه، بل ويحرض الأسرائيليين على تهجير الفلسطينيين إلى صحراء النقب، من أجل القضاء على المقاومة الفلسطينية متمثلة في حركتي حماس والجهاد الإسلامي .
كان السيسي قد قال خلال مؤتمر صحفي مع المستشار الألماني أولاف شولتز في القاهرة مؤخرا: “إذا كانت هناك فكرة للتقدير، فتوجد صحراء النقب التي يمكن أن يتم نقل الفلسطينيين إليها إلى حين انتهاء إسرائيل من خطتها المعلنة في تصفية المقاومة أو القضاء على الجماعات المسلحة، حماس والجهاد وغيرهما، ثم ترجعهم إذا شاءت” .
هذه التصريحات الشاذة التي لا تصدر إلا عن أهطل أو مجنون أو خائن أدهشت حتى مسئولي الصهاينة، لأنهم لم يكونوا يتوقعون أن يكون السيسي صهيونيا أكثر من الصهاينة ، وقال رئيس الدائرة السياسية والأمنية في وزارة الدفاع الإسرائيلي عاموس جلعاد: “نحن لا نتحدث فقط عن تطابق مطلق في المصالح بيننا وبين المصريين بشأن الحاجة إلى القضاء على حركة حماس، بل إن الدوافع التي تحث الجانب المصري على تحقيق هذا الهدف أكثر تشعبا وأعمق من الدوافع التي تحركنا”.
وقالت وزيرة القضاء الصهيوني، تسيبي ليفني” إن هناك تفاهما بيننا وبين المصريين على خنق حماس، ونحن متفقون على أن هذه نتيجة أي مفاوضات على وقف إطلاق نار دائم بيننا وبين غزة“.
مجرم حرب
من جانبه قال الدكتور عصام عبد الشافي، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية: “إذا كانت تصريحات السيسي كارثية بالنسبة للفلسطينيين فإن الكارثة الأكبر هي العقلية التي يفكر بها واستعداده لتبني سياسة التهجير ضد أي مكون اجتماعي في مصر وقد سبق وفعلها في سيناء، مؤكدا أن مَنْ أمر بذبح المصريين في رابعة ليس لديه مانع في ذبح أي شعب في أي مكان“.
وأضاف عبد الشافي في تصريحات صحفية، مجرم الحرب الأول فيما يحدث في غزة ليس نتنياهو أو بايدن أو ترامب أو بوش أو من سبقهم أو من سيأتي بعدهم، وإنما مجرم الحرب الأول فيما يحدث هو نظام الانقلاب، هو الجيش المصري هو سلطة محمود عباس هو النظام الأردني هو النظام السعودي هو النظام الإيراني”.
وأكد أن هذه النظم تمتلك من الإمكانيات والقدرات ما تستطيع به إزالة إسرائيل من الوجود، ليس فقط من باب الدفاع عن فلسطين وأمنها القومي، ولكن من باب أن بقاء وتمدد إسرائيل هو تهديد للأمن القومي لهذه الدول إن كان حكامها يهمهم أمن دولهم، وليس فقط أمن كراسيهم وعروشهم.
عمالة وانبطاح
وقال محمد عماد صابر عضو لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان سابقا: “السيسي كان واضحا في حديثه مع المستشار الألماني ، المقاومة الفلسطينية في غزة إرهابية، ولدى إسرائيل الحق في القضاء عليها، كما لا يمانع مبدئيا في فكرة تهجير أهل غزة، وبذلك اقترح صحراء النقب – أصلا أرض محتلة- كبديل عن سيناء حتى تنتهي إسرائيل من مهمتها وهي القضاء على حماس وإنهاء حكمها لقطاع غزة، مثله مثل بعض الأنظمة العربية تماشيا مع مشروع صفقة القرن وقيادة إسرائيل للمنطقة والقضاء على فكرة أي حراك شعبي أو أي مقاومة في المنطقة .
وأضاف صابر، في تصريحات صحفية، هم يريدون شعوبا خانعة مستسلمة تحت حكمهم واستبدادهم تماما كخنوعهم أمام أسيادهم الغربيين، فكل ما يخشاه زعماء العرب هو إقدام إسرائيل على ارتكاب مجازر وحشية أثناء تهجير أهل غزة، الأمر الذي من شأنه أن يحرك الشارع العربي والإسلامي ويشكل خطرا على عروشهم في ظل تواطؤ تلك الأنظمة العربية التي أدمنت الخيانة والعمالة والانبطاح أمام أسيادهم الغربيين.
وأعرب عن اعتقاده بأنه لن يفلح المخطط الصهيوني في اجتثاث المقاومة في غزة، ولو اجتمع عليها التحالف الصهيو صليبي وأعوانهم من أنظمة الاستبداد والفساد والتبعية، هذه لحظة تاريخية عصيبة ستمر كما مرت شدائد غيرها، وكنا ظننا وقتها أنها لن تمر وقد مرَت.
وأشار صابر إلى أن الحرب هذه المرة تختلف عن الحروب الأخرى، ولها ما بعدها، واهتزازاتها عابرة للحدود، فهذه الحرب على وشك أن تتوسع، والمناوشات بين حزب الله وإسرائيل تتزايد شيئا فشيئا على الحدود اللبنانية – الفلسطينية المحتلة .
رجل صهيوني
وأكد الباحث في التاريخ والحضارة الإسلامية، محمد إلهامي، أن تصريحات السيسي في المؤتمر الصحفي مع المستشار الألماني، ربما هي الأكثر صراحة ووضوحا في هذا الملف، مشيرا إلى أن الضغوط عليه لم تسمح له حتى بانتقاء الكلمات.
وأضاف إلهامي في تغريدة له علي منصة “إكس”، السيسي في هذه التصريحات بدا كما لو أنه وزير يهودي في حكومة الحرب الإسرائيلية، إلا أنه يختلف معهم في فكرة التهجير إلى مصر، لا دفاعً عن الشعب الفلسطيني ولا حرصا على المدنيين بل حرصا على إسرائيل نفسها، وعلى استقرار انقلابه واستمراره في حكم مصر .
وتابع قائلا : “تماما مثلما يختلف الوزراء الإسرائيليون معا حول فكرة الاجتياح البري، لا يفعلون ذلك لا رحمة ولا شفقة بالناس بل تقديرا لمصالحهم هم“.
ولفت إلهامي إلى أن تصريحات السيسي تضمنت عبارات خطيرة، من المهم أن نستوعبها جيدا، فمن ذلك مثلا أنه ألقى باللائمة على إسرائيل التي لم تستطع طوال الفترة الماضية كسر البنية العسكرية لحركات المقاومة، فتحت سيطرتها حصل كل هذا النمو العسكري الذي أنتج لها هذه الكارثة فهذا ذنبها، ولا يجب الآن أن تحل مشكلتها على حسابي أنا .
وأشار إلى أن من ضمن هذه التصريحات تعليقه بأن من أسباب فشل إسرائيل هذا أنها لم توافق على إنشاء دولة فلسطينية حتى الآن، وهذا أعظم وأقوى اعتراف بأن الدولة الفلسطينية المنشودة مهمتها حماية إسرائيل وسحق المقاومة، ورفضت كل المبادرات التي عرضت عليها بحل الدولتين، وبالتالي لم تعد لدينا دولة فلسطينية، وحصلت هذه الكارثة.
واستهجن إلهامي بشدة تأكيد السيسي على أنه إذا كانت إسرائيل تفكر في التهجير، فلتنقلهم إلى صحراء النقب حتى تستكمل قضاءها على حماس والجهاد الإسلامي ثم تعيد الفلسطينيين إلى غزة مرة أخرى، لافتا إلى أن السيسي في هذا الخطاب لم يهتم أن يضبط مصطلحاته، فقال بكل صراحة: “حتى تقضي إسرائيل على المقاومة وعلى الحركات المسلحة، فهم سيقومون بعمليات إرهابية ضد إسرائيل”.
وقال : “أنا أكتب الآن من الذاكرة، لكن مَنْ عاد إلى الخطاب سيرى رجلا صهيونيا تماما، يتكلم عن المقاومة باعتبارها إرهابا، وعن حق إسرائيل في القضاء عليها، وعن لوم إسرائيل في عدم القضاء عليها طوال السنين الماضية“.
وكشف إلهامي أن هذه تعد المرة الأولى التي يقترح فيها مسئول مصري أو عربي تهجير الفلسطينيين من أماكنهم إلى مناطق أخرى لحين انتهاء دولة الاحتلال من مهمتها العسكرية في القضاء على المقاومة في قطاع غزة، ما أثار ردود فعل غاضبة واسعة في الشارع العربي والإسلامي.