شهد سعر الدولار قفزات جديدة مقابل الجنيه، ليصل إلى 45 جنيها في السوق الموازية، متخطيا لأول مرة قيمة تداوله في سوق الذهب البالغة 43 جنيها، في ظاهرة يصفها خبراء بأنها تعكس الضغوط الشديدة على قيمة الجنيه، والمضاربة على شراء الدولار، واضطراب حركة الأسواق.
واكب زيادة الدولار ارتفاع مماثل في أسعار باقي العملات الرئيسية، حيث ارتفع الريال السعودي إلى 11.5 جنيها، والجنيه الإسترليني إلى 53.20 جنيها، والدينار الكويتي إلى 140.9 جنيها، والريال القطري إلى 11.8 جنيها، والدرهم الإماراتي 11.7 جنيها.
وتتسع الفجوة بين سعر الصرف في السوقين الرسمية والموازية، إذ يبلغ وفق البنك المركزي نحو 30.95 جنيها، منذ إبريل الماضي.
وذلك وسط توقعات بتراجع قدرة الاقتصاد على توليد الدولار، في ظل انخفاض متوقع في عوائد تحويلات المصريين من الخارج، والسياحة والخدمات وصادرات الغاز، وتفاقم الأزمة المالية المستمرة منذ سنوات.
ويتوقع خبراء أن يؤدي توجه البنك الفيدرالي الأميركي إلى رفع أسعار الفائدة على الدولار، خلال الأيام المقبلة، إلى المزيد من الضغط على الجنيه، وذلك بالتوازي مع لجوء البنوك المركزية، ولاسيما الأوروبية، إلى الاستمرار في سياسة رفع أسعار الفائدة أيضا، لمواجهة موجة جديدة محتملة من التضخم عالميا، بفعل تداعيات الحرب في منطقة الشرق الأوسط على أسواق السلع الأساسية.
وسيزيد صعود الفائدة على الدولار، الصعوبات أمام الحكومة المصرية، التي لن تتمكن من تدبير العجز الدائم في الدولار بسهولة وبدون تكلفة مرتفعة.
فيما يتوقع خبراء الاستثمارأن يتصاعد سعر الدولار إلى ما بين 50 إلى 55 جنيها في السوق الموازية، خلال الربع الأول من العام المقبل 2024.
وعلى الرغم من خطورة الأزمة الاقتصادية والدولارية بالبلاد، إلا أن النظام وإعلامه يسعون لتحمل المسئولية لحرب غزة، وهو عكس ما يراه الخبراء بأن أزمات الاقتصاد المصري أعمق من حرب غزة، وإن كانت للحرب تأثيرات ولكن ليست بالقدر الكبير.
ووفق الخبير الاقتصادي وائل النحاس، فإنه ربما سرعت الحرب بتصعيد المشهد الذي نتجه إليه منذ أشهر، والمتوقع أن يظهر أثره السيئ بوضوح في 2024، فإذ بالحرب تقذف بنا إلى تلك المرحلة الخطرة في بداية الربع الأخير من العام الجاري، وسط معاناة الدولة من صعوبة تدبير الأموال اللازمة للوفاء بديونها، وعدم التزامها باتفاق الدعم المالي المقرر من صندوق النقد الدولي، والقدرة على تدبير عملات صعبة، من عوائد بيع الأصول العامة.
وتتحمل الحكومة المسؤولية عن تدهور الجنيه، لاسيما أن ظهور المزيد من التقارير السلبية عن الأداء الاقتصادي، من مؤسسات التصنيف والتمويل الدولية، يرجع بالأساس إلى أداء المجموعة الاقتصادية في الحكومة وبقائهم في أماكنهم.
وخفض تقرير “ستاندرد آند بورز” تصنيف مصر، بسبب نقص العملة وتزايد عدم اليقين في قدرة الدولة على تحمّل أعباء الدين، وذلك الجمعة الماضي، بتخفيض تصنيف مصر الائتماني السيادي طويل الأجل من “B” إلى “B-“، لا تتوقف عند تماثله مع تخفيضات مماثلة أظهرتها تقارير وكالتي “موديز” و”فيتش”، وإنما في توقع ستاندرد آند بورز أن تخطى سعر الدولار 40 جنيها لأول مرة رسميا، وتأكيد على أن المخاطر التي يواجهها الاقتصاد المصري ستظل مستمرة لفترة ما بين 12 و16 شهرا.
يوضح أن هذه المخاطر تبيّن أن الأزمة الاقتصادية سيطول أمدها طوال عام 2024، وتستمر في التصاعد عام 2025، على عكس التوقعات السابقة، التي كانت تتنبأ بأن يبدأ المستوى الصاعد في سعر الدولار والتضخم وزيادة الأسعار في الهبوط نحو معدلات أكثر قبولا، مع زيادة النمو.
وجاء تقرير وكالة التصنيف الائتماني العالمية بعد 3 أسابيع من تخفيض وكالة “موديز” التصنيف الائتماني لمصر من “B3” إلى “CAA1″، مع تحذيرات مماثلة من وكالة “فيتش” التي ستصدر تقريرها النهائي في الثالث من نوفمبر المقبل.
وأشارت “ستاندرد آند بورز” إلى وجود مشكلة كبيرة لدى الحكومة للوفاء بالتزاماتها المالية، في ظل حاجتها العاجلة إلى 29.2 مليار دولار، للوفاء بديونها المستحقة خلال عام 2024.
وأشار خبراء إلى أن هذه الديون تمثل ضعف الاحتياطي النقدي الذي تملكه الدولة في البنك المركزي، وتعادل نحو 18% من إجمالي الدين الخارجي الذي يقدر بنحو 165 مليار دولار في يوليو الماضي.
تشترط الوكالة تراجعها عن تصنيفها الذي يحد من قدرة الحكومة على اللجوء إلى سوق السندات الدولية والحصول على التمويل متعدد الأطراف والثنائي، أن تعمل الحكومة على تنفيذ إصلاحات هيكلية للحد من الاختلالات الاقتصادية، والعمل على خفض العجز في الموازنة، ومواجهة تباطؤ النمو الذي سينخفض من 4% حاليا إلى 3.5% عام 2024، قبل أن يزيد قليلا إلى 3.8% في 2025.
تأثير حرب غزة
ووفق تقديرات استراتيجية، فإن تأثيرات حرب غزة، قد تقتصر على عوائد السياحة، التي تأثرت بالعدوان على غزة، وقناة السويس التي يمكن أن تشهد تراجعا في الدخل، نتيجة ارتفاع التأمين على سفن الشحن وزيادة رسوم العبور المقررة من إدارة القناة، مع مخاوف من المزيد من تراجع عوائد المصريين في الخارج، والتي شهدت انخفاضا كبيرا خلال العام الجاري، إثر السياسات المالية في البنوك المركزية، حيث يرفض أي بنك صرف تحويلات المصريين لذويهم بالدولار، والإصرار على صرف التحويلات بأسعار البنك الرسمية التي لا تتجاوز 31 جنيها، فيما يصل سعر الدولار بالسوق الموازي أكثر من 43 جنيها، وصلت مؤخرا ألى 45.