مع انتهاء الاستعراض السنوي للجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب للوضع في مصر، في الجلسة التي جرت لثلاثة ايام آخرها أمس 15 نوفمبر الجاري، قدمت منظمات حقوقية مصرية ودولية تقريرًا مشتركًا إلى اللجنة، يؤكد أن التعذيب في مصر سياسة ممنهجة، يتمتع مرتكبوه بالإفلات التام من العقاب، بمباركة أجهزة الدولة المختلفة.
وقالت منظمة (حقهم) عبر منصاتها إن ظاهرة تلفيق القضايا وانتزاع الاعترافات تحت التعذيب خلال عشر سنوات بلغت حدا غير مسبوق طال عشرات آلاف المعتقلين.
ونقلت عن (آدم) تجربته مع الاختفاء القسري: “أمن الدولة بدأوا يعذبوا فينا بكل الوسائل ـ شتائم وكهربا وضرب ـ لإجبارنا على الاعتراف بجرائم لم نرتكبها، وفوجئت بعد ظهوري وترحيلي علي النيابة أنني ورغم سني حينها ” أقل من 16 سنة ” مُلفق لي قضية بها 12 تهمة من ضمنها قلب نظام الحكم”.
جريمة ضد الإنسانية
وأكدت المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب (OMCT) في تقرير حقوقي أن “الحكومة المصرية” مستمرة بوقائع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك التعذيب، والإخفاء القسري، وسوء المعاملة، والإهمال الطبي في أماكن الاحتجاز.
وأشارت إلى تفشي جرائم التعذيب في مصر، بتاريخ طويل للنظام في ممارسة التعذيب كأداة لقمع المعارضة السياسية، ما أدى إلى إجراء تحقيقين من قبل لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة في عامي 1996 و2017.
وشارك المنظمة الدولية في تقريرها عن ممارسة أجهزة الأمن المصرية التعذيب بشكل منهجي؛ تقرير حديث مقدم إلى اللجنة من منظمة ريدريس وائتلاف من منظمات المجتمع المدني المصرية والدولية، كالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، والمفوضية المصرية للحقوق والحريات، ولجنة الحقوقيين الدولية.
التعذيب في مصر واسع النطاق ويرقى إلى مستوى الجريمة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي، الذي تلتزم به مصر” بحسب المنظمة.
ودعا التقرير الحقوقي مصر لاتخاذ إجراءات عاجلة لضمان امتناع سلطاتها عن التعذيب، وإجراء الإصلاحات التي تشتد الحاجة إليها للقضاء على هذه الممارسة.
ولكي يعتبر التعذيب جريمة ضد الإنسانية، يجب أن يكون “جزءاً من ممارسة واسعة النطاق أو منهجية موجهة ضد أي مجموعة من السكان المدنيين”، وذلك بحسب (المادة 7 من نظام معاهدة روما الأساسي).
قوانين الإرهاب
واعتبرت المنظمة أن قوانين “مكافحة الإرهاب” فضفاض للغاية، وتلجأ إليه السلطات لإقرار التعذيب واستهداف أصحاب النشاط السياسي والنشطاء الحقوقيين، حيث يعد النشاط في كلتاهما غير مرحب به وتهديدًا للنظام الحاكم.
ولفتت إلى أن القاسم المشترك بين المستهدفين بالتعذيب في مصر؛ يتعلق بنشاطهم السياسي ضد النظام الحاكم، وعملهم في فضح انتهاكات حقوق الإنسان، ومعارضتهم لسياسات الحكومة والخطاب الرسمي.
ومن بين الضحايا الذين تعرضوا للتعذيب محامون، وصحفيون، ومدونون، وأكاديميون، ومدافعون عن حقوق الإنسان، وحقوق المرأة، وقادة المعارضة.
وأضافت أن التعذيب قاسم مشترك بين عدة جرائم وانتهاكات تشمل (الاعتقال التعسفي)، و(الحبس الانفرادي) و(الاختفاء القسري)، و(سوء المعاملة) باستخدام مجموعة متنوعة من الأساليبـ، فضلا عن (تهم غامضة) مرتبطة أحيانا بالأمن القومي، إضافى ل(محاكمات دون ضمانات) تتعلق بالإجراءات القانونية الواجبة.
وأشارت إلى أنه في العديد من الحالات يتبع إسقاط التهم في نهاية المطاف قضايا جديدة وإعادة اعتقالات لمن سقطت الاتهام بحقهم، بحسب التقرير، مشيرا إلى أن أولئك الذين يتم إطلاق سراحهم يواجهون حظر السفر وقيود أخرى تهدف إلى مضايقتهم والحد من أنشطتهم.
تورط مباشر
وأقرت المنظمة الدولية أن الأجهزة المصرية متورطة بشكل مباشر في ممارسة التعذيب ومنها: جهاز الأمن الوطني، والشرطة، ونيابة أمن الدولة العليا وبعض أذرع الأجهزة الأمنية، بما في ذلك المخابرات العسكرية والمخابرات العامة.
وعن متورط آخر، اشار التقرير إلى القضاء المصري الذي يغيب استقلاله في مصر وارتباطه بشكل مباشر بانتشار التعذيب.
وربطت بين غياب القضاء المستقل ومكافأة “حكومة السيسي” وكلاء النيابة والقضاة المتواطئين في ارتكاب التعذيب أو التغطية عليه، مع معاقبة أولئك الذين يسعون إلى الإصلاح.
وقالت إنه لم تثبت لجنة مناهضة التعذيب الطبيعة المنهجية والواسعة النطاق لممارسته ضد المدافعين عن حقوق الإنسان وغيرهم في مصر فحسب، بل يمكن استنتاجها من الاعتقالات التعسفية وغيرها من الانتهاكات ضد الأفراد المستهدفين.
وأضافت أن الأجهزة الأمنية تعمل بشكل مقصود وروتيني “بقصد التعذيب”، بحسب التقرير، الذي نوه إلى أن الحكومة المصرية تستخدم “حالات الطوارئ” لخلق ثغرات والتحايل على الحقوق المعترف بها في الدستور المصري والقانون الدولي.
توابع التعذيب
وقال التقرير إن معظم المختفين قسريًا يتعرضون لشكل أو أكثر من أشكال التعذيب أو غيره من ضروب سوء المعاملة، بحسب التقرير، الذي نوه إلى أن السجون في مصر معروفة بالاكتظاظ وفي حالة سيئة، بما في ذلك حرمان المعتقلين من الرعاية الطبية.
ودللت على ذلك بوفاة أكثر من 1100 معتقل في السجون المصرية بين عامي 2013 وأكتوبر 2022، مع تسجيل ما يقرب من 46 حالة وفاة في عام 2022 وحده بسبب الإهمال الطبي.
وأشارت التقرير إلى القلق الذي أبدته (لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة) إزاء تعرض المحتجزين لأسباب سياسية في كثير من الأحيان لظروف قاسية، بما في ذلك الحرمان المتعمد من الرعاية الصحية، وحرمان أفراد الأسرة والمحامين من الزيارات. وفرض فترات طويلة من الحبس الانفرادي.
الإفلات من العقاب
واشار التقرير إلى أن ثقافة الإفلات من العقاب على جرائم التعذيب في مصر هي جزء لا يتجزأ من سياسة الدولة التي تسمح بارتكاب التعذيب دون خوف من العقوبة.
ولفتت إلى أن غالبية الناجين من التعذيب لا يرفعون دعاوى محلية خوفاً من أن يؤدي الإبلاغ عن المزيد من الانتهاكات أو لأنهم يعتقدون أن العدالة غير ممكنة، وكثيراً ما يتم تجاهل ادعاءات الناجين الذين يقدمون تقاريرهم إلى النيابة العامة، ونادراً ما يتم التحقيق فيها.
وأوضحت أن حال وصول ادعاءات الناجين بالتعرض للتعذيب إلى المحكمة، فإنهم يواجهون عملية قضائية بطيئة تؤدي في كثير من الأحيان، إلى الإفلات من العقاب، وفق التقرير.
بعلم الجميع
وأبانت أن وثائق انتشار التعذيب في مصر، تتضمن (القرارات الصادرة عن اللجنة الأفريقية، وهيئات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وتقارير منظمات المجتمع المدني، وتقارير وسائل الإعلام)، تثبت أن رؤساء مصر وقادتها العسكريين والمدنيين كانوا على علم، أو كان ينبغي أن يكونوا على علم، بممارسة التعذيب ضد المعتقلين المعارضين وغيرهم في مصر.
واستعرض التقرير أدلة تشير إلى أن المسؤولين المتورطين في التعذيب كانوا يتصرفون مع علمهم بأن هذه الأفعال تُرتكب كجزء من هجوم ضد المعارضين المدنيين، تعزيزاً لسياسة الدولة.
https://www.omct.org/en/resources/blog/calling-it-what-it-is-torture-in-egypt-as-a-crime-against-humanity