المحليات تحولت إلى مستنقع للفساد والتزوير ونهب ممتلكات الدولة وإهدار المال العام والنصب على المواطنين وابتزازهم في زمن الانقلاب الدموي بقيادة عبدالفتاح السيسي، بل تساهم حكومة الانقلاب في تغلغل هذا الفساد من خلال غياب الرقابة وتجاهل المخالفات وتسهيل الاستيلاء على ممتلكات الدولة لمحاسيب عصابة العسكر .
وتعد المحليات من أكثر الجهات الحكومية التي تعاني من الإهمال، وهذا جعل منها بؤرة خصبة ومسرحا مفتوحا للفساد من جانب صغار وكبار الموظفين على حد سواء .
أما أكثر وحدات التنمية المحلية معاناة من الفساد، فهي الإدارات الهندسية بالمجالس المحلية بالمدن والمراكز والمحافظات، ويرجع هذا الفساد إلى أن 90% من الموظفين بالإدارات الهندسية غير متخصصين في المجال الهندسي؛ لأن معظمهم من خريجي الدبلومات وليس كليات الهندسة، الأمر الذي يمثل خطورة كبيرة في إسناد مهام العمل بالإدارة الهندسية المسئولة عن التخطيط العمراني وإصدار تراخيص البناء والهدم وتراخيص المحلات التجارية والورش الصناعية وخلافه إلى موظفين غير متخصصين في تلك المجالات، ولا يملكون مهارات كافية لإدارة منظومة العمل داخل مواقعهم الوظيفية.
ويرى الخبراء أن الرواتب المتدنية على نحو غير مقبول بالإدارات الهندسية لصغار الموظفين خاصة من هم على قوة العمالة اليومية أو العقود المؤقتة، تفتح الباب الخلفي لمد اليد تحت مسميات مبتدعة في وقتنا الحاضر أشهرها «إكرامية أو الشاي»، بخلاف ضعف الرقابة من أجهزة حكومة الانقلاب وعدم قدرة تلك الأجهزة على بسط هيمنتها على العدد الكبير لوحدات الحكم المحلي المنتشرة في جميع محافظات الجمهورية، وهو ما ساهم بشكل كبير في توغل الفساد داخل المحليات.
رخص مزورة
كانت لجنة التفتيش والمتابعة بوزارة التنمية المحلية بحكومة الانقلاب قد اعترفت في تقرير لها بانتشار الفساد في المحليات .
وأكد التقرير أن ما يكشف حجم الكارثة تلك النتائج التي خرج بها والتي تؤكد رصد 765 واقعة فساد في المجالس المحلية والأحياء في 25 محافظة، خلال عام واحد ..
وبحسب بلاغات مقدمة لنائب عام العسكر، فإن من أبرز مظاهر الفساد بالإدارات الهندسية التابعة للمجالس المحلية تلاعب بعض الموظفين وإصدار رخص بناء مزورة، حيث يتم تزوير خطابات بأن الأرض محل البناء في الحيز العمراني على خلاف الحقيقة، كما يتم التلاعب في تقرير صلاحية الأرض للبناء، الأمر الذي نتج عنه ظهور رخص بناء مزورة ساهمت في فرض الأمر الواقع وظهور أبراج سكنية شاهقة على غرار ناطحات السحاب في عدد من محافظات الجمهورية، والتي أهدرت على دولة العسكر مليارات الجنيهات، بينما تمتع أصحابها ومجموعة المنتفعين حولهم بالثراء الفاحش الذي ظهر عليهم فجأة.
أسماء مجهولة
ومن أبشع مظاهر الفساد داخل الإدارات الهندسية بالمجالس المحلية، أنه في حالة التبليغ عن الأبراج السكنية المخالفة يقوم بعض الموظفين بعمل محضر الإزالة بأسماء مجهولة حتى يفلت الجناة الحقيقيون من العقاب والحساب، الأمر الذي أدى إلى تمادي المخالفين في ارتكاب المزيد من المخالفات، ما دام هناك موظفين يوفرون لهم الثغرات التي تنجيهم من العقاب القانوني.
وطبقا للبلاغات المقدمة لنائب عام العسكر، تجاوزت الأبراج السكنية المخالفة ذات الرخص المزورة نحو 100 برج سكني في مدينة سمالوط بمحافظة المنيا، وتم تشكيل لجنة لمعاينة المخالفات وجمع التحريات وفحص ملفات الأبراج واتخاذ الإجراءات القانونية نحوها وما ترتب عليها من آثار مالية مهدرة على دولة العسكر، خاصة أن عمولة الرخصة المضروبة وصلت لنحو 100 ألف جنيه.
وفي مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية، وصلت الأبراج السكنية المقامة برخص بناء مزورة إلى أكثر من 2000 برج سكني، وكشفت اللجان المشكلة من الإدارة الهندسية ومجلس المدينة والكهرباء عن خطابات مضروبة لتوصيل مرفق الكهرباء لعدد كبير من الأبراج، لكن اللغز المعقد في هذا الأمر أن جميع الخطابات المزورة التي تم اكتشافها وصلت لمديرية الكهرباء في خطابات رسمية عن طريق البريد وليس باليد عن طريق المشترك، مما يشير إلى شبكة عنكبوتية تدير المنظومة بشكل مدبر ومخطط.
خطابات الكهرباء
وكشفت مذكرة سرية لهيئة الرقابة الإدارية، عن قيام بعض المسئولين بمركز ومدينة رشيد بمحافظة البحيرة بتسهيل استيلاء أحد المواطنين على أرض ملك دولة دون وجه حق، حيث تبلغ مساحة تلك الأرض 20 قيراطا ملك هيئة الأوقاف المصرية تقدر قيمتها بنحو 8.7 مليون جنيه.
وأوضحت المذكرة، أنه تبين قيام رئيس وحدة محلية ورئيس إدارة هندسية بمجلس مدينة رشيد، بإرسال خطابات لرئيس هندسة الكهرباء بتوصيل مرفق الكهرباء لقطعة الأرض المذكورة، وأثبتا بالخطاب عدم مخالفة المواطن وعليه تم توصيل الكهرباء للعقار بالمخالفة للقانون، وبالرجوع للمسئولين بمنطقة الأوقاف بالبحيرة أفادوا بأن قطعة الأرض المذكورة تبلغ قيمتها 8.7 مليون جنيه، حيث إن سعر المتر في تلك الأرض 2500 جنيه، وأن المواطن تعدى عليها.
غرامات البناء
من جانبه قال أحد مديري الإدارات الهندسية بوزارة التنمية المحلية بحكومة الانقلاب: إن “أحد الأسباب الرئيسية في كثرة ظهور رخص البناء المزورة، تتمثل في حرمان موظفي الإدارات الهندسية من نسب الحوافز من مخالفات البناء والتنفيذ والترخيص”.
وأكد أن تلك النسب مقررة وفقا للقانون وقرارات المحافظين، لكن هناك صعوبات في الصرف بسبب تعنت الإدارات المالية والحسابات بحجة عدم وجود بند للصرف، رغم أنها تدخل ضمن الرسوم التي يتم تحصيلها على كافة الخدمات.
وأشار إلى أن مطالبات خرجت من الإدارات الهندسية بضرورة عمل صندوق خاص لتحصيل غرامات معدات البناء، ليصرف منه حافز للجان التي تقوم بضبط مخالفات البناء حتى لا يمد أعضاء هذه اللجان أيديهم للغير، لكن هذه المطالب لم يستمع إليها أحد من مسئولي وزارة التنمية المحلية بحكومة الانقلاب ، بالرغم من أن غرامات معدات البناء يتم تحصيل معظمها في أيام الإجازات والعطلات الرسمية وتصل لملايين الجنيهات، ولا يعلم أحد أين تذهب تلك الملايين؟ وفيما تصرف؟.