أثار الفيتو الأمريكي بمجلس الأمن الدولي على وقف الحرب في قطاع غزة انتقادات حادة من كافة دول العالم، معتبرين أن هذا الفيتو يضع الولايات المتحدة الأمريكية ومسئوليها تحت طائلة ارتكاب جرائم حرب وإبادة بشرية.
واتهم خبراء وسياسيون الإدارة الأمريكية بالمشاركة في الإبادة البشرية للشعب الفلسطيني، وحملوها مسئولية القتلى والمصابين خاصة أن أغلبهم من النساء والأطفال .
وأكدوا أن صمت مجلس الأمن وتخاذله أمام سفك دماء الشهداء والجرحى وتدمير البنى التحتية في غزة، يمثل انتهاكا صارخا لميثاق الأمم المتحدة والتزامات المجلس بالمحافظة على السلم والأمن الدوليين.
وقال الخبراء: إن “الإخفاق التاريخي وغير المسبوق لمجلس الأمن في التصدي للعدوان الإسرائيلي على غزة للمرة الخامسة على التوالي، وتعمد الولايات المتحدة استخدام الفيتو إهانة صارخة للضمير الإنساني، وتأكيد قاطع على تواطؤ واشنطن مع جرائم الاحتلال”.
إهانة صارخة
من جانبه ندد الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي العام وخبير النزاعات، بأشد العبارات الفشل المتكرر وغير المبرر لمجلس الأمن في اتخاذ أي إجراءات فعلية لوقف الحرب الإسرائيلية البربرية على قطاع غزة المحاصر، مستنكرا بشدة إعاقة الولايات المتحدة لمشروع قرار وقف إطلاق النار في غزة، في تأكيد قاطع على الدعم اللامحدود وغير الأخلاقي لواشنطن لجرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق شعبنا الفلسطيني الأعزل.
وقال مهران في تصريحات صحفية: إن “صمت مجلس الأمن وتخاذله أمام سفك دماء الآلاف من الشهداء والجرحى وتدمير البنى التحتية المدنية في غزة، يمثل انتهاكاً صارخا لميثاق الأمم المتحدة والتزامات المجلس بالمحافظة على السلم والأمن الدوليين وفق الفصل السابع”.
وأضاف، أن حجة استخدام الولايات المتحدة للفيتو لحماية إسرائيل لم تعد مقبولة على الإطلاق، ويجب محاسبة كل من تواطأ مع هذه الجرائم أو غض الطرف عنها أمام المحكمة الجنائية الدولية، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة ظلت طيلة العقود الماضية تستخدم حق النقض الفيتو لحماية إسرائيل من أية عقوبات دولية، رغم ارتكابها أبشع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني الأعزل .
وأوضح مهران أن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة يخوّل مجلس الأمن سلطة اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين، بما في ذلك توجيه توصيات أو قرارات بشن عمليات عسكرية لوقف العدوان.
واعتبر الإخفاق التاريخي وغير المسبوق لمجلس الأمن في التصدي للعدوان الإسرائيلي على غزة للمرة الخامسة على التوالي وتعمد الولايات المتحدة استخدام الفيتو إهانة صارخة للضمير الإنساني، وتأكيد قاطع على تواطؤ واشنطن مع جرائم الاحتلال.
إعلان حرب
وأكد أن هذا الموقف الأمريكي غير الأخلاقي يُخل بالتزامات المجلس ويُعرض مصداقيته ودوره في حفظ السلم والأمن الدوليين للانهيار والسقوط، في الوقت الذي يواجه فيه المدنيون في غزة أبشع صنوف القتل والتشريد على مرأى ومسمع من العالم داعيا إلى ضرورة إصلاح هيكلية مجلس الأمن بشكل جذري لمنع تكرار مثل هذه الكوارث والانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي والإنساني دون رادع، خاصة في ظل تحذيرات الأمين العام جوتيريش من وقوع كوارث إنسانية في غزة نتيجة للهجمات الإسرائيلية.
وأشار مهران إلى محاولات الاحتلال الإسرائيلي تهجير آلاف المدنيين من شمال قطاع غزة نحو جنوب القطاع باتجاه الحدود المصرية، مؤكدا أن محاولة ترحيل المدنيين الفلسطينيين قسرا نحو معبر رفح على الحدود مع مصر، تمثل جريمة حرب بموجب اتفاقيات جنيف وتستوجب ملاحقة مرتكبيها .
وحذر من أن هذه السياسة الإجرامية تهدف في المقام الأول إلى تصفية القضية الفلسطينية من خلال تفريغ شمال القطاع من السكان لتسهيل اجتياحه وتوطين المستوطنين فيه، إلى جانب الضغط على مصر من خلال إغراق سيناء باللاجئين مما يهدد أمنها القومي.
واعتبر مهران أن هذه المحاولات تمثل اعتداء صارخا على سيادة مصر وأمنها القومي، موضحا أن إغراق سيناء باللاجئين من شأنه زعزعة الاستقرار هناك وخلق بؤر توتر جديدة .
وقال: إن “ما تقوم به إسرائيل يرقى إلى مستوى إعلان الحرب على مصر والأردن، ويستدعي ردا عربيا قويا على كافة الأصعدة، لردع هذه السياسة العدوانية التي تتعدى حدود قطاع غزة”.
وأوضح مهران أن القانون الدولي لا يمنع الدول من اتخاذ إجراءات من تلقاء نفسها دون الرجوع لمجلس الأمن، للتصدي لاي اعتداء عليها ولانتهاكات حقوق الإنسان وغيرها من الجرائم الدولية، حيث يؤكد على استطاعة الدول، وفقا للأعراف وقواعد القانون الدولي ولميثاق الأمم المتحدة بشأن اتخاذ تدابير فردية أو جماعية تراها ضرورية لصون السلم والأمن الدوليين بمقتضى حق الدفاع الشرعي في المادة 51.
وطالب بضرورة تحرك المجتمع الدولي لوقف هذه الجرائم البشعة التي ترتكب بحق آلاف المدنيين في غزة والدول المجاورة وتقديم مرتكبيها للعدالة الدولية فورا، مشددا على ضرورة التحرك العاجل لكافة الدول العربية على كافة الأصعدة وفرض عقوبات علي الكيان الصهيوني ووقف أي دعم لكل من يؤيده، والاتصال بكافة دول العالم لحشد الدعم اللازم لممارسة ضغوط دولية متعددة الجوانب على إسرائيل لوقف حربها المجنونة على غزة ورفع الحصار عنها فورا، محذرا من أن مستقبل المنطقة بأسره بات على المحك.
إبادة جماعية
وقال الدكتور رائد أبو بدوية، أستاذ القانون الدولي: إن “الولايات المتحدة عليها أن تخجل من نفسها، والمجتمع الدولي كذلك، فيما يتعلق بالاحتفال باليوم العالمي للإبادة في ظل ارتكاب قوات الاحتلال إبادة جماعية في قطاع غزة”.
وأضاف أبو بدوية في تصريحات صحفية، أن كل ما حدث في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر حتى اليوم من استهداف للمدنيين ومساكنهم وأعيانهم والمستشفيات والمدارس وتهجيرهم، يدل على سياسة واضحة وسلوك واضح في القانون الدولي للإبادة الجماعية.
وأوضح أن الإبادة الجماعية هي التدمير عن قصد سواء جسديا أو روحيا لجماعة عرقية، وهو ما يحدث للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وهذا يحدث أمام العالم كله للأسف الشديد.
ونوه بأن أهم منظومة دولية في العالم وهي الأمم المتحدة وأهم جهاز بالأمم المتحدة وهو مجلس الأمن فشل أمس في إصدار قرار بوقف العمليات العسكرية، والعالم كله يرى الإبادة بقطاع غزة.
دولة فلسطينية
وأكد السفير عزت البحيري رئيس الجمعية المصرية للأمم المتحدة ، أن استخدام الولايات المتحدة الأمريكية لحق الفيتو بمجلس الأمن لعرقلة إصدار قرار يوُقف الحرب على قطاع غزة، ليس موقفا جديدا أو مستغربا، بل يعد استمرارا للدعم اللامحدود الذي تقدمه أمريكا لدولة الاحتلال ليس فقط بعد عملية طوفان الأقصى، ولكن مند نحو أكثر من سبعة عقود أي مع بداية الصراع واحتلال إسرائيل للأراضي العربية.
وقال البحيري في تصريحات صحفية: إن “الولايات المتحدة سارعت بتأييد موقف إسرائيل من الحرب ضد حماس منذ اللحظة الأولى من أحداث 7 أكتوبر، إذ أرسلت أكبر وأحدث حاملة طائرات لديها ” جيرالد فورد” إلى مشارف قطاع غزة بالإضافة إلى غواصة نووية وحاملة طائرات في البحر الأحمر”.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة أقامت أيضا جسرا جويا يحمل أحدث الأسلحة والقنابل والمعدات العسكرية إلى إسرائيل، فضلا عن زيارات المسؤولين الأمريكيين لتل أبيب وعلى رأسهم الرئيس جو بايدن شخصيا، ووزير خارجيته ووزير دفاعه؛ لتقديم الدعم المعنوي والسياسي والاقتصادي والاستخباراتي، بجانب المشورة والتخطيط لجيش الاحتلال من قبل نخبة من القوات الأمريكية الخاصة في الحرب ضد غزة.
وأكد البحيري أن تلك الحرب كانت كاشفة لمواقف العديد من الدول لاسيما الغربية التي طالما نادت بالحرية واحترام حقوق الإنسان، في حين تركت المدنيين الأبرياء والأطفال يقتلون بأبشع الطرق داخل القطاع وعلى مرأى ومسمع من العالم، دون إصدار قرار واحد عادل يُوقف إطلاق النار.
ودعا الشعب الأمريكي الحر، الذي سبق وتظاهر في كافة أنحاء الولايات الأمريكية دعما لأهل قطاع غزة، إلى مطالبة البيت الأبيض بإجبار إسرائيل على وقف الحرب والتوجه نحو مفاوضات سلام تمهد لحل الدولتين، وشدد البحيري على ضرورة ممارسة حكومات العالم الضغط على الإدارة الأمريكية للوفاء بالتزاماتها ووعودها بإقامة دولة فلسطينية مستقلة.