العودة لزمن المرضعات وألبان الماعز بعد غلاء ألبان الأطفال

- ‎فيتقارير

 

تعود مصر للوراء ليس ثلاثين عاما، كما كان يهدد السيسي، إذا نزل الجيش للشارع المصري، بل عادت قرونا للوراء، فمع الغلاء الفاحش بأسعار ألبان الأطفال، والذي بات ينافس لبن العصفور، في عدم التواجد، والاشتراطات الحكومية السمجة التي تحمل الكثير من الإهانات والتنمر ضد المرأة المصرية، بات البحث أكثر عن مرضعات بأجر لإرضاع أطفال مصر، وهو ما يحمل معه تدميرا لصحة الأطفال واختلاطا للأنساب وغيرها من الأزمات الاجتماعية التي تهدد مستقبل مصر.

 

ومع الارتفاعات المتتالية في أسعار ألبان الأطفال، باتت أكثر الأسر غير قادرة على شراء علبة اللبن الصناعي بسبب ارتفاع سعره.

ويعاني آلاف الأطفال  الخدج من أزمات الألبان، إذ يحتاج الطفل لعلبة لبن كل ثلاثة أيام.

ويعاني مستهلكو لبن الأطفال الصناعي بمصر من نقص حاد في توفر الكميات، بالإضافة لارتفاع أسعاره إلى مستويات قياسية إن توفرت.

 

شروط تعجيزية للبن المدعم

 

أما بخصوص اللبن المدعم فيجد عدد من الأسر المصرية صعوبة في الحصول عليه، بسبب الشروط التي وضعتها الحكومة أمام الأسر، الأمر الذي تسبب في نشوء سوق سوداء لهذا النوع من اللبن الأقل ثمنا.

 

فيما تواجه الكثير من الأسر صعوبات جمة للحصول على علب لبن الأطفال المدعم، وهو ما أوجد سوقا سوداء للبن الأطفال خلال الأيام الماضية.

 

العودة للمرضعات

 

فيما اضطر عدد كبير من الأسر المصرية العودة للطرق التقليدية لإرضاع أطفالهم، كالبحث عن مرضعة دون مقابل في محيط العائلة والجيران والمعارف، يمكن أن تساعد في تخفيف تأثير غلاء ألبان الرضع على الأطفال.

 

ألبان الماعز

 

فيما لجأت الكثير من الأسر أيضا لاستعمال ألبان الماعز، كوسيلة لإشباع أبنائهم، لصعوبة إيجاد اللبن المدعم وغلاء الألبان الأخرى.

وكثيرا ما تخبر الوحدات الصحية النساء حديثي الولادة، بعدم صرف ألبان لأطفالهم إلا بعد شهر ومنهم بعد ثلاثة شهور من الولادة، وهو ما لا يمكنهم ولا أبناؤهم تحمله.

 

وقبل ذلك، كانت الأم تستطيع أن تحصل على علب كافية من اللبن الصناعي من الوحدة الصحية، ولكن حصل تشديد على الأمر خلال السنوات الأخيرة، لذلك تلجأ الأسر لعدة حلول، منها إرضاع  الأقارب والجيران الذين لديهم أطفال صغار، ويجري الاتفاق معهم على إعطاء الطفل رضعة بشكل منتظم، وطبعا يتفقون مع أكثر من مرضعة،  كي تعطي كل واحدة رضعة واحدة للطفل، حتى لا تقصر مع طفلها الأصلي، وذلك في العديد من المناطق الريفية وفي صعيد مصر.

 

من القرن التاسع عشر

 

وحتى منتصف القرن التاسع عشر، حين ظهر اللبن الصناعي المطور، وأصبح بديلا عن المرضعة وعن الرضاعة الطبيعية، كانت المرضعة هي البديل للطفل الذي لا يجد لبنا من أمه، قبل أن تختفي الظاهرة منذ أكثر من 30 عاما بمصر.

 

بالإضافة إلى المرضعة، هناك بعض الأسر التي التجأت لشراء لبن الماعز لإرضاع أطفالهن، بسبب تركيبته الخفيفة التي لا تؤثر على الرضع، وكانت الأمهات تستعملنه قديما لتعويض نقص اللبن عند الأم.

 

ومن بين الأسر التي لا تجد ألبان الماعز، يلجأن لإعطاء الرضيع لبنا بقريا يجري تخفيفه بالمياه ، ليكون خفيفا على معدة الطفل، والمشروبات الساخنة طبعا شيء أساسي، بعض الكراوية أو الينسون أو الحلبة، كبدائل للألبان.

 

ومن بين الأسر من ينتظر مرور الشهر الثالث للأطفال ويقمن بإعطائه أكلات خفيفة، كرضعة مياه الأرز، أو خضراوات مسلوقة، وتلك عادات متوارثة عن الأجداد، وبدأت الأسر تعود إليها مع غلاء اللبن الصناعي.

 

ووفق إحصاءات الصحة المصرية، يقدر احتياج الأسر إلى لبن الأطفال في مصر من 40 إلى 60 مليون عبوة سنويا، وهناك مصدران للحصول عليه، إما من خلال السوق الحر عبر الصيدليات، والثاني، وهو الأكبر، هو اللبن المدعم.

 

ويُقدم لبن الأطفال المدعم من خلال مراكز الطفولة والأمومة عبر أكثر من 1100 منفذ على مستوى الجمهورية، ويتم صرفها بعد توافر مجموعة من الشروط الصعبة بحد أقصى 6 عبوات شهريا.

 

وتتراوح أسعار لبن الأطفال المدعم حسب النوع، بين 5 و26 جنيها، إلا أن وحدات الأمومة والطفولة تضع الكثير من الشروط الصعبة أمام الأمهات لصرف اللبن المدعم للأطفال،  فغالبا ما يتم إعطاء اللبن في حالات محددة مثل وفاة الأم، أو إثبات إصابة الرضيع بأمراض الحساسية، أو وجود توأم.

 

وترفض  اللجنة الطبية معظم الطلبات، حيث تشترط أن تكون الأم ليس لديها لبن نهائيا بصدرها، فبعد تجهيز الأوراق المطلوبة يتم عرض الأم على لجنة طبية للتأكد من شروط الاستحقاق.

 

وبحسب إخصائية مكتب الصحة، يتم رفض أكثر من 50% من طلبات الحصول على اللبن المدعم، وخلال الأشهر الماضية زادت أعداد الراغبين بالحصول على لبن الأطفال بشكل كبير.

 

وتعاني السوق المصرية من  نقص في بعض أصناف ألبان الأطفال، إلى جانب ارتفاع سعر أصناف أخرى، وسجل أقل سعر لعلبة لبن الأطفال بالصيدليات 200 جنيه.

 

وبحسب المدير التنفيذي لجمعية “الحق في الدواء”، محمود فؤاد، فإن أسعار لبن الأطفال الصناعي في مصر ارتفعت 220% في المتوسط خلال عام واحد فقط.

 

وحسب المتحدث ارتفعت أسعار أحد أنواع لبن الأطفال الصناعي المستورد بنسبة 250% خلال عام واحد فقط، فيما وصلت بعض الأسعار إلى 900 جنيه للعبوة الواحدة.

 

وقال: “يبلغ استهلاك السوق المحلية من لبن الأطفال سنويا نحو 50 مليون عبوة، تستورد مصر نصفها من الخارج، وبالتالي الأسعار تأثرت بانخفاض قيمة الجنيه، وارتفاع تكاليف الشحن وغيرها”.

 

وتعود أزمة ألبان الأطفال بمصر إلى عام 2016 حين صرح الدكتور شريف السبكي العضو المنتدب للشركة المصرية لتجارة الأدوية، المسؤولة وقتها عن استيراد ألبان الأطفال، أن ما تخزنه الشركة من اللبن المدعم يكفي 4 أشهر فقط، وهو ما أحدث موجة كبيرة من غلاء عبوات اللبن.

 

وفي أزمة 2016، أعلن حينها المتحدث العسكري السابق باسم القوات المسلحة، العميد محمد سمير، أن الجيش تعاقد، بالتنسيق مع وزارة الصحة، على استيراد عبوات لبن للأطفال الرضع، وخرج ليعلن عن تخفيض 50% في سعر العبوة المعروضة في الأسواق بعد الغلاء.

 

وقال: إن “الجيش استطاع توفير العبوة للمواطن المصري إلى 30 جنيها بدلا من 60 جنيها، أي بنسبة تخفيض تصل إلى 50%، وذلك عبر استيراد 30 مليون عبوة لبن”.

 

ومن المتوقع أن يرتفع سعر لبن الأطفال مرة أخرى، بعد التعويم الأخير للجنيه المصري وانخفاض قيمته أمام الدولار، وذلك بسبب التهيؤ لرفع أسعار مجموعة من الأدوية، حسب ما أعلن رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية في مصر، علي عوف.

 

وهكذا يعاقب السيسي المصريين على الإنجاب ، بتعذيب الأمهات وأطفالهن وراء عبوة لبن صناعي، وهو ما يمكن أن يفسر الانخفاض الكبير في معدل المواليد المعلن مؤخرا، والذي يقل عن المعدلات السابقة بنسبة غير مسبوقة لم تحقق من 50 عاما.