رغم توقيع حكومة الانقلاب اتفاقا مع صندوق النقد الدولي وحصولها على قرض بـ 8 مليارات دولار، بالإضافة إلى بيع مدينة رأس الحكمة لعيال زايد في الإمارات، وحصول الانقلاب على نحو 35 مليار دولار كدفعة أولى لهذا المشروع، إلا أن الأزمة الاقتصادية التي تواجه البلاد في زمن الانقلاب الدموي بقيادة عبدالفتاح السيسي تتصاعد يوما بعد يوم، ما يهدد البلاد بالإفلاس ويدفع الاقتصاد المصري إلى الانهيار .
الخبراء من جانبهم أكدوا أن الأزمة الاقتصادية لم ولن تنته بعد هذه المليارات التي حصل عليها السيسي،مشددين على أن هناك المزيد من التحديات والمتغيرات التي قد تؤثر سلبا على الاقتصاد خلال الأشهر المقبلة.
وحذر الخبراء من إقدام حكومة الانقلاب على تنفيذ المزيد من التدابير الاقتصادية خلال سنوات الاتفاق مع صندوق النقد، من أجل تقليص الدعم، خاصة فيما يتعلق بالبنزين والكهرباء وبعض الخدمات الحكومية، مما يؤثر على أسعار السلع والخدمات وهو ما ينعكس على الأوضاع المعيشية في البلاد.
جبل الثلج
من جانبه قال الخبير الاقتصادي، الدكتور عبد النبي عبد المطلب: إن “ما حدث بعد الاتفاق على صفقة رأس الحكمة يشبه ذوبان قمة جبل الثلج، لكن الكثير من الأمور لا تزال غير واضحة”.
واعتبر عبدالمطلب في تصريحات صحفية أن حكومة الانقلاب حتى الآن في مرحلة تمهيدية، موضحا أنه إذا كان البعض يتحدث عن نوع من الاستقرار في سوق الصرف، واختفاء المضاربة في السوق السوداء على الدولار فإن هذا لن يستمر، مؤكدا أن هذه ليست المرة الأولى، فقد حدث هذا الأمر عام 2016 حينما تم تنفيذ إجراءات مشابهة لسعر الصرف، ثم تجددت الأزمة مرة أخرى قبل عامين .
واكد أنه من المبكر الحديث عن انتهاء الأزمة، رغم تعهد حكومة الانقلاب بالمزيد من التدابير الاقتصادية لإصلاح الخلل في ميزان المدفوعات، ومنظومة الدعم .
وأوضح عبد المطلب أن ما تعهد به الانقلاب من إجراءات صعبة يتوافق مع رؤية صندوق النقد الدولي، خصوصا فيما يتعلق بإلغاء الدعم كليا، بما في ذلك دعم الوقود والكهرباء، محذرا من أن إلغاء الدعم أو رفع أسعار السلع والخدمات التي تقدمها دولة العسكر أو تحتكرها، من مترو الأنفاق والسكك الحديدية والكهرباء والغاز والمياه، سيزيد بالتبعية من معاناة المواطن .
أسعار عالمية
وكشف أن المواطن في زمن الانقلاب يحاسب طبقا للأسعار العالمية ولا يمكن زيادة الأسعار بأي شكل؛ موضحا أنه عند حساب الأسعار التي يدفعها المواطن مقابل الكهرباء أو الوقود أو المواصلات يجب مراعاة القوة الشرائية للجنيه، وما يستطيع المواطن أن يدفعه مقابل حصوله على السلع والخدمات.
وأشار إلى أن متوسط الأجور في مصر يتراوح بين 100 و120 دولارا شهريا، لذلك لا يمكن أن يحاسب المواطن بالأسعار التي يحاسب بها نظيره في أوروبا الذي يتقاضى هذا الأجر خلال يوم عمل أو أقل من ذلك .
وشدد عبد المطلب على أن المواطن يعاني في كل الأحوال سواء كان هناك تحرير لأسعار الطاقة أم لا، مؤكدا أن الدخل في مصر منخفض للغاية ومهما حاولت دولة العسكر إصلاحه في الوقت الحالي، فإنه سيتراجع مع أول انخفاض في قيمة الجنيه أمام الدولار، وسيفقد كل ما تم من إجراءات زيادة الأجور، وبالتالي يستمر عدد الفقراء في التزايد .
وقال عبد المطلب: “إذا كان هناك رؤية لتحويل الدعم العيني إلى نقدي، يجب أن تكون هناك قاعدة بيانات متكاملة حول الفقراء في مصر، والتي تسهم بدورها في القضاء على الفساد فيما يتعلق بمنظومة الدعم، مشيرا إلى أن الأموال المخصصة لدعم السلع التموينية لا يصل منها إلا 20 بالمئة فقط للمستحقين” .
انتظار الفرج
وقال الخبير الاقتصادي مصطفى عبد السلام: إن “المتابع لأزمة مصر الاقتصادية والحلول المطروحة بشأنها يلحظ أن آمال مسؤولي الانقلاب ومن يدور في فلكهم باتت معلقة على الخارج، وفي انتظار وصول الفرج منه لاحتواء تلك الأزمة الحادة والتغلب عليها ولو مؤقتا أو على الأقل ترحيلها لسنوات مقبلة”.
وأكد عبدالسلام في تصريحات صحفية أن اهتمام الانقلاب الأكبر ينصب على الاعتماد على الغير لحل المعضلة الاقتصادية، سواء في شكل الحصول على مزيد من القروض العاجلة من الدائنين الدوليين، أو مساعدات واستثمارات دول الخليج أو عودة الأموال الأجنبية الساخنة التي مثلت عبئا شديدا للموازنة العامة وسوق الصرف الأجنبي قبل انسحابها كليا عام 2022، أو في انتظار تدفق الأموال العربية والأجنبية الراغبة في شراء الأصول المصرية برخص التراب.
وأوضح أنه بدلا من أن يعمل صانع القرار على صياغة خطط عاجلة واستراتيجية متوسطة وطويلة الأجل للتعامل مع الأزمة الاقتصادية قبل استفحالها وتحولها إلى ظاهرة عصية على الحل، بات الخارج وحده فقط هو من يخفف حدة الأزمة ، ويعيد الهدوء لسوق الصرف المضطرب، ويكبح الدولار الهائج، ويخفف من حدة الغلاء الذي تعاني منه الأسواق ، ويوفر السيولة الدولارية، ويغطي العجز في أصول البنوك من النقد الأجنبي.
صندوق النقد
وأشار عبدالسلام إلى أن الانقلاب يرى أن حل الأزمة الاقتصادية الحادة يبدأ من الخارج لا من الداخل، ولذا فإنه يراهن على التالي:
- إنجاز المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بسرعة لانتزاع موافقته على ضخ مزيد من مليارات الدولارات في خزانة الانقلاب الخاوية من السيولة بالنقد الأجنبي، وإقرار طلب حكومة الانقلاب بزيادة قيمة القرض المطلوب من 3 إلى 7 مليارات وربما 10 مليارات دولار.
- يعقب قرار صندوق النقد فتح خزائن الدائنين الدوليين والإقليميين لاغتراف المزيد من مليارات الدولارات منها، سواء البنك الدولي أو البنك الأوروبي ومؤسسة التمويل الدولية والبنك الأفريقي للتنمية والبنك الأفريقي للتصدير والاستيراد والبنك الإسلامي للتنمية وغيرها من المؤسسات المالية الدولية.
- الدخول في مفاوضات عاجلة مع دول الخليج الثرية لضخ مزيد من الودائع والقروض المساندة وبمليارات الدولارات لزيادة احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي المصري وسد الفجوة التمويلية، وبالتالي تراكم الديون الخليجية والعربية المستحقة على مصر، والتي تقترب قيمتها من 50 مليار دولار.
- طرح مزيد من أصول مصر للبيع على المستثمرين الخليجيين والدوليين، سواء كانت شركات أو بنوكا وأراضي، وهذا يضر بالموازنة المصرية وإيرادات الدولة بقوة ليس فقط على المديين المتوسط والبعيد، بل على المدى القصير حيث يجفف موارد الدولة.
- الإسراع في مفاوضات مع مستثمرين إماراتيين للاتفاق على تنفيذ مشروعات كبرى، ومنها مشروع مدينة رأس الحكمة والذي يراهن الانقلاب على تجاوز قيمة الاستثمارات به 22 مليار دولار.
- معاودة الاقتراض من الخارج عبر طرح سندات خزانة في الأسواق الدولية وبسعر فائدة يفوق العائد على الدولار، وهو السيناريو الذي جمعت حكومة الانقلاب من خلاله عشرات المليارات من الدولارات في السنوات الأخيرة.
- محاولة إعادة الأموال الساخنة للسوق المصرية للاستثمار في أدوات الدين المحلية، سواء أذون الخزانة والسندات أو البورصة المصرية، وتكرار كوارث ما قبل 2022، حيث اغترفت بنوك الاستثمار والصناديق الدولية عبر تلك الأموال مليارات الدولارات من خزانة مصر وخلال سنوات معدودة.
