خداع “السيسي” بأرقام الموازنة: تحميل ميزانيات التعليم والصحة سداد الديون والصرف الصحي والرواتب

- ‎فيتقارير

 

 

تطبيل وتهليل بإعلام البغال، حول الموازنة التاريخية وزيادة مخصصات الصحة والتعليم، صدّع بها النظام المصريين.

إلا أن مقارنة الأرقام بحجم التضخم يكشف زيف تلك الحملات، علاوة على اختراع السيسي ووزير ماليته مؤشرا جديدا، غير معمول به في أي من دول العالم، وهو مؤشر سداد في خدمة الدين، الذي ستتحمله موازنات الصحة والتعليم وكل الجهات الخدمية بالدولة، علاوة على تضمين موازنات الصحة مصاريف ومخصصات الصرف الصحي كونه من ضمن دعائم الصحة.

 

وكذا الرواتب التي تبتلع مخصصات التعليم وتؤثر سلبا على الأبنية التعليمية وتطوير المدارس والورش والمناهج وغيرها، علاوة على  انهيار قيمة الجنيه التي تحول الأرقام الكبيرة لمجرد قيم صغيرة أقل مما سبقها من موازنات سابقة.

 

 ووفق خبراء اقتصاديين، فإن الموازنة التي أعلنت عنها الحكومة ليست حقيقية ولا تدعو للتفاؤل الذي تم تصديره للمواطنين.

 

خداع حكومي

 

وقامت الحكومة  بإدخال مؤشرا جديد، هذا العام،  ضمن الميزانية يرتبط بحجم مساهمة التعليم والصحة في سداد الديون الخارجية.

وكان وزير المالية محمد معيط قد أكد أن الحكومة ستزيد الإنفاق على قطاع الصحة بنحو 25% وقطاع التعليم بنسبة 45% في ميزانية العام المالي القادم، وأن الدولة سوف تركز على التنمية البشرية خلال 6 سنوات المقبلة، اعتبارا من العام المالي الجديد 2024- 2025، من خلال الالتزام بتعزيز الإنفاق على الصحة والتأمين الصحي الشامل وتطوير التعليم.

 

وحسب الوزير، سيتم رفع موازنة الصحة إلى 495.6 مليار جنيه مقارنة مع 396.9 مليار في العام المالي الحالي بمعدل نمو 24.9%، ورفع مخصصات التعليم إلى 858.3 مليار جنيه مقارنة مع 591 مليارا خلال العام المالي الحالي بمعدل نمو 45%.

 

ووفق تقديرت اقتصادية، فإن الأرقام التي أعلنتها الحكومة، وتبدو كبيرة، إلا أنها خادعة، وذلك بعد أن أدخلت ما يسمى “الإنفاق الوظيفي” على القطاعات الخدمية وفي مقدمتها الصحة والتعليم، يعني أن جزءا سيتم توجيهه لسداد أعباء الدين الخاصة بهذين القطاعين.

ووفق مصادر اقتصادية، تحدثت لوسائل إعلام عربية، فقد استحدثت  الحكومة بندا لا يتم تطبيقه في أي دولة في العالم وهو دمج موازنة الصرف الصحي ضمن موازنة قطاع الصحة، باعتبار أن ذلك لديه مردود على الصحة العامة للأفراد، وهو ما يشكل مغالطة فجة لأكثر من سبب.

 

وقال المتحدث: إن “الصرف الصحي لديه بنود أخرى في موازنات وزارة الري، إلى جانب أنه لا يمكن وضع المقومات الاجتماعية للصحة ضمن موازنة وزارة؛ لأنه في تلك الحالة يدخل فيها موازنات إقامة الطرق والكباري وغيرهما من المجالات ذات الارتباط بصحة المواطنين”.

 

وأشار إلى أنه لا توجد دولة في العالم تقوم بدمج مقومات الصحة مثلا ضمن موازنة القطاع الخدمي، وهو ما دفع تقرير التنمية البشرية العالمي إلى ألا يعترف بهذه الأرقام ورفض مقارنتها بالمعدلات العالمية للإنفاق، وبدا هناك إدراك دولي بطبيعة الأموال الموجهة بشكل حقيقي للإنفاق على القطاعين الصحي والتعليمي.

ولعل ذلك ما دفع وزارة المالية في بيانات أخرى إلى الإعلان عن النسب الفعلية المقررة لموازنة التعليم والصحة للعام المالي الحالي، إذ ارتفعت مصروفات التعليم بنسبة 28.16% (294.6 مليار جنيه) مقابل 229.9 مليار جنيه العام المالي الحالي، وارتفعت مصروفات الصحة بـ35.36% (200.1 مليار جنيه) مقابل 147.9 مستهدفة العام المالي الحالي.

 

تراجع للخلف

 

لكن مسؤولا سابقا بوزارة المالية مطلعا على موازنات الصحة والتعليم، كشف أن الزيادة التي أقرتها الحكومة المصرية على موازنة الصحة هذا العام خادعة ومحبطة وبمثابة تراجع للخلف؛ لأنها كانت تمثل في العام المالي الحالي نسبة 1.25% من إجمالي الناتج المحلي.

 

وأشار المتحدث إلى أن الموازنة الجديدة لقطاع الصحة التي تم الإعلان عنها تبلغ حوالي 200 مليار جنيه حوالي 1.17% من إجمالي الناتج الإجمالي المحلي، وهو ما يبرهن على أن خدمات الصحة سوف تشهد مزيدا من التراجع.

 

الوضع ذاته بالنسبة لميزانية التعليم، وبحسب المصدر ذاته، فإنه موازنة التعليم في العام الحالي 230 مليار جنيه تشكل 1.94% من إجمالي الناتج المحلي، فيما تؤشر موازنة العام الجديد والتي تصل إلى 295 مليار جنيه 1.7% من إجمالي الناتج المحلي.

 

وأشار المتحدث إلى أن هذه الأرقام تُبرهن أيضا على مزيد من التدهور في خدمات التعليم، وتُبرهن على وجود تضخم لا يمكن وصفه بأنه زيادة حقيقية، في حين أن الحكومة تحاول الترويج إلى كونها أحدثت اختراقا في تلك الملفات.

 

اتفاق أبوجا

 

وأكد المتحدث ذاته أن ميزانية الصحة كان من المفترض أن تصل عام 2008 لأن تبقي 6% من إجمالي الناتج المحلي بفعل التوصيات التي خرجت عن جهات طبية محلية ودولية، كما أن تلك النسبة كان من المفترض أن تلتزم بها الدولة المصرية وفقا لما وقعت عليه في اتفاق أبوجا في نيجيريا.

 

ونص هذا الاتفاق على أن لا تقل موازنات الصحة في الدول الأفريقية عن نسبة 15% من نسبة الإنفاق الحكومي في الموازنة العامة، أي ما يوازي 6% من إجمالي الناتج المحلي، هذا بالإضافة إلى عدم الالتزام بالنسبة المقررة في دستور العام 2014.

 

اتفاقية صندوق النقد

 

وشدد مصدر برلماني على أن الجهات الحكومية المشاركة في إعداد الدستور المصري، أكدوا استحالة أن تصل نسبة الإنفاق على الصحة إلى 6% من إجمالي الناتج القومي، وطالبوا بفترة انتقالية لمدة ثلاث سنوات تبدأ بعدها تصل النسبة إلى 3% حتى تصل إلى النسب العالمية.

 

وأضاف المتحدث أن الحكومة التزمت بالفعل خلال أول عامين بزيادة معدلات الإنفاق على الصحة قبل أن توقع اتفاقها الأول مع صندوق النقد الدولي عام 2016، لتأخذ المعدلات في التراجع مجدداً، إذ تقلصت نسبة الإنفاق على الصحة إلى 1.2% من الناتج الإجمالي المحلي قبل  أن تصل حاليا إلى 1.17%.

 

الدستور المصري يشترط إنفاق 3% من الناتج المحلي الإجمالي على الصحة كحد أدنى، بالإضافة لـ 3% من الناتج المحلي الإجمالي على التعليم كحد أدنى، بالإضافة لـ 2% للتعليم العالي و1% للبحث العلمي، مع مراعاة زيادة النسب بشكل سنوي لحد الوصول للنسب العالمية للإنفاق على الصحة والتعليم إلى أن تصل إلى حد 15% من الناتج المحلي الإجمالي.

 

ثقب الأجور

 

فيما لا زالت الأجور تلتهم النسبة الأكبر من ميزانيات الصحة والتعليم، لكنها مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي تراجعت أيضا، لأنها كانت تشكل العام الماضي ما يقرب من 3.79% وانخفضت هذا العام إلى 3.4%.

 

ويرجع هذا الأمر للسياسة التقشفية التي تتخذها الحكومة استجابة لشروط صندوق النقد الدولي، وهو ما يحمل انعكاسات واضحة على هجرة مزيد من الأطباء والكوادر الماهرة والمدربة إلى الخارج، وكذلك معاناة من يقبعون في مواقعهم الحكومية.

وبحسب بيان صادر أخيرا عن وزارة المالية، فإن هيكل الأجور في قطاع التعليم استحوذ على 69.59% من المخصصات بقيمة 205.1 مليار جنيه من إجمالي المصروفات المخصصة للتعليم والتي بلغت 294.64 مليار جنيه.

 

كما استحوذت أجور وتعويضات العاملين فى قطاع الصحة حسب وزارة المالية على 47.63% بقيمة 95.33 مليار جنيه من إجمالي المصروفات المخصصة للصحة والتي بلغت 200.15 مليار جنيه.

 

واستحوذ قطاع التعليم على 35.66% من إجمالي المصروفات المخصصة لأجور وتعويضات العاملين فى مشروع موازنة العام الجديد وكان أكثر الأنشطة الوظيفية فى حجم الأجور وتعويضات العاملين، كما استحوذ قطاع الصحة على 16.57% وكان ثاني أكثر الأنشطة الوظيفية في حجم الأجور.

 

ووفق تقديرات اقتصادية، فأن موازنة التعليم دائماً ما تشهد زيادة سنوية تتراوح ما بين 15% إلى 20% لكن تلتهمها معدلات التضخم المتصاعدة، في حين أن الواقع يشير إلى نسبة 85% من هذه الميزانية تذهب للمكافآت التي يحصل عليها المستشارون والأجور.

وهذا ما يجعل هناك صعوبات عديدة في الإنفاق على باقي الأبواب التي يأتي على رأسها إنشاء المدارس والاهتمام بجوانب الأنشطة وتمويل إدارات المدارس لتسيير العملية التعليمية وطباعة الكتب وغيرها.

كما أن تراجع ميزانية هيئة الأبنية التعليمية جعلها تولي اهتماما أكبر نحو الصيانات وليس الإنشاءات الجديدة، وتراجعت معدلات إنشاء الفصول الجديدة بنسبة 25% خلال السنوات الثلاث الماضية.

 

كما أن رواتب المعلمين ذاتها تشهد تراجعا إذا ما جرى مقارنتها بالدولار، وأن ما يتم تعيينه حديثا يحصل على ما يقرب من 70 دولارا في الشهر أي 3500 جنيه، وهو ما يعادل راتب المعلم في الساعة الواحدة في الدول المتقدمة، وبالتالي يضطر هؤلاء إما للدروس الخصوصية أو البحث عن وظائف موازية إلى جانب التعليم.

وبحسب تقرير صادر عن البنك الدولي العام الماضي، فإن تراجع الإنفاق على التعليم في مصر يؤدي لنقص أعداد المعلمين والفصول، أدى تراجع الإنفاق العام على التعليم في مصر إلى نقص عدد المعلمين والفصول الدراسية في البلاد، مما يضع التعليم العام في مصر تحت ضغط كبير.

وذهب خبير تربوي لتأكيد أن ضعف ميزانية التعليم يلقي بظلاله على أوضاع التعليم العام والفني في مصر، وبخاصة الأخير الذي بحاجة إلى معدلات إنفاق مرتفعة، بسبب حاجته إلى تجهيز الورش والمعامل بالمعدات والمواد الخام بما يكفي كافة الطلاب إلى جانب الفصول، في حين أن غالبية المخصصات تذهب إلى الرواتب وإنشاء المدارس، دون الاهتمام بتطوير المعامل الفنية التي من شأنها رفع جودة مخرجات الفنيين الخريجين.

 

وأوضح أن تراجع الإنفاق على التعليم تسبب في تثبيت رواتب المعلمين عند أساسي راتب عام 2015 في سابقة لم تحدث من قبل على مر العصور، كما أن تراجع الإنفاق على التعليم تسبب في وجود مناهج جديدة يصعب الاستفادة منها على أرض الواقع.

 

وهكذا يتمثل الفشل الذريع للسيسي ونظامه ، فإلى جانب خداع المصريين، يجري تدمير منظومة الصحة ومنظومة التعليم بمصر، وهما القاطرتان الأساسيتان في أي مجتمع للتطور والنمو.