جاء قرار وزارة التضامن الاجتماعي، الذي تناولته الدوائر الإعلامية المقربة من نظام السيسي، بشأن أداء الخدمة العامة لخريجيّ الجامعات والمعاهد، بشكلٍ لافت للانتباه.
يُعاني الجهاز الإداري للدولة من عجز كبير ونقص في أعداد الموظفين، بالإضافة إلى شيخوخة الجهاز الإداري، بعد أن توقفت التعيينات الحكومية لأكثر من عشر سنوات، مما أدى إلى تفاقم العجز في هذا القطاع، ومن الوزارات التي تواجه كارثة حقيقية في هذا السياق، وزارتي الصحة والتربية والتعليم.
ويرى خبراء أن القرار جاء لإنقاذ وزير التعليم المزور محمد عبد اللطيف من أزمة كبيرة، بعد أن أعلن عن قدراته الخارقة في سد العجز الكبير في أعداد المدارس والمعلمين.
وفق تقديرات حكومية، يصل العجز في عدد المعلمين إلى نحو 470 ألف مُعلم، بينما المتاح للتعيين سنويًا، ولمدة خمس سنوات، هو 30 ألف معلم فقط. وقد قام الوزير بحملة إعلامية شملت ضغوطًا كبيرة على المعلمين في المدارس، بتحميلهم فوق نصابهم القانوني، مع وعود بمكافآت لا تأتي بالطبع، وتهديد بالفصل والإحالة للتحقيق لمن يرفض. كما اقترح الوزير تقليل أعداد الفصول في المدارس وزيادة أعدادها على حساب غرف الأنشطة وحجرات المعلمين والإدارة وأفنية المدارس، لكن العجز ما زال كبيرًا، مما دفعه إلى تغطيته بالاستعانة بالمعلمين المتقاعدين بنظام المكافأة، بالإضافة إلى المعلمين بالحصة، إلا أن العجز ما زال مستمرًا.
وتَهدف الوزارة إلى تغطية هذا العجز بالاستعانة بالخريجين الجُدد الذين سيؤدون سنة الخدمة المدنية في المدارس، مع اقتراح الاستعانة بالمجندين أيضًا في المدارس، دون الالتفات إلى تأثير ذلك على مستوى العملية التعليمية، التي تسير نحو الانهيار الحتمي، إذ إن معظم الخريجين غير مستوفين التدريب أو اللياقة المهنية للقيام بالمهام التعليمية.
وأمس الاثنين، أصدرت وزيرة التضامن الاجتماعي مايا مرسي، قرارًا بتكليف الدفعة (103) من خريجي الجامعات والمعاهد العليا من الجنسين بأداء الخدمة العامة لمدة عام، بدايةً من شهر أكتوبر المقبل.
نص القرار على تكليف الشباب من الجنسين، سواء من الإناث خريجات الجامعات والمعاهد (دور أول) لعام 2024، أو الذكور ممن تقرر إعفاؤهم نهائيًا من الخدمة العسكرية.
وورد في القرار أنه يجب على المكلفين السابق ذكرهم، ومن صدرت قرارات بتكليف دفعاتهم وتخلفوا عن أداء الخدمة العامة في مواعيدها المقررة، التوجه إلى مكاتب الخدمة العامة بدائرة محل إقامتهم لتسجيل أنفسهم في مواعيد العمل الرسمية.
تشمل مجالات التكليف المشروعات التنموية مثل المبادرة الرئاسية “حياة كريمة”، والمشروطية الصحية، ومحاربة الأمية مع تكافل، ومؤسسات رعاية الأيتام، والأسر البديلة، ورعاية المسنين، وتكافل وكرامة، وخدمات الطفولة، ووزارات التربية والتعليم، والعمل، والكهرباء، والثقافة، والزراعة، والهيئة القومية للتأمين الاجتماعي، والهيئة العامة لتعليم الكبار، والنيابة العامة.
تهدف الوزارة من هذا القرار إلى توظيف ما يزيد على نصف مليون من خريجي الجامعات والمعاهد العليا في الوظائف العامة بأجور هزيلة، تتراوح ما بين 350 و450 جنيهًا شهريًا، أي أقل من عشرة دولارات، بغرض سد العجز في أعداد المعلمين، ومحصلي فواتير الكهرباء، والعاملين في قصور الثقافة بالمحافظات، وغيرها من المجالات الأخرى طبقًا لاحتياجات كل محافظة.
يشار إلى أن أداء الخدمة العامة ليس إلزاميًا لخريجي الجامعات والمعاهد في مصر، ولكن الحكومة تشترط تحديد موقف الخريج من أداء الخدمة من عدمه باعتبارها من مسوغات التعيين.
ويشترط للتقدم بطلب للإعفاء من أداء الخدمة العامة إحضار صورة من مستند إثبات الشخصية والأصل للاطلاع، وصورة شهادة التخرج المؤقتة والأصل للاطلاع، وصورة الموقف من التجنيد للذكور، والمستند المبرر لطلب الإعفاء، ممثلًا في صورة معتمدة من قرار التعيين، أو خطاب معتمد من الجهة المرشح للعمل بها، أو الرقم التأميني.
إنقاذ وزير لتعليم
ولعل قرار وزيرة التضامن قد يكون إنقاذا ولو شكليًا لوزير التعليم المزور، إلا أنه قرار إغراق للعملية التعليمية برمتها، في مستنقع الانهيار والضحالة، ولا عزاء لمستقبل 26 مليون طالب، بل إن مستقبل مصر بات في حكم الانهيار، بعد أن تحولت مصر إلى شبه دولة، يُجرى التحايل فيها على المواطن من قبل الدولة.