تجدد الجدل بشأن هدم مدافن مسجلة في قوائم التراث الحضاري بالقاهرة التاريخية، مع إعلان بعض النشطاء الأثريين وأصحاب المدافن والمشاهير عن نقل رفات بعض الشخصيات إلى مقابر أخرى جديدة، تمهيدًا لإزالة مدافن تراثية مر على إنشائها أكثر من قرن، في الوقت نفسه، قدمت وزارة الخارجية الأميركية منحة قدرها 150 ألف دولار في إطار صندوق السفراء الأميركيين للحفاظ على التراث الثقافي، لتمويل ترميم مقابر “ليشع ومنشه” اليهودية، وقدم اليهود القراؤون في الولايات المتحدة مساهمات مالية أيضًا.
انتقد مثقفون إقدام سلطات الانقلاب على إزالة أكثر من 30 مقبرة بمنطقة الإمام الشافعي، المسجلة ضمن قائمة الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، مثل مدافن عائلات “الدرمللي”، “محمد راتب”، “محمود باشا الفلكي” و”عائلة ثابت”.
وأُعلن عن تشكيل لجنة للبت في هدم بعض مدافن قائمة “الطراز المعماري المميز” المحمية وفق القانون من قبل الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، وأكدت المصادر رفع العديد من هذه المدافن من القائمة تمهيدًا لإزالتها بداعي إنشاء مشروعات قومية.
عصف بحقبة زمنية
وقال الدكتور نبيل بهجت، أستاذ علوم المسرح، “تلك المقابر التي تهدم الآن أقدم من الولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى، ما يحدث الآن ليس خلافًا في وجهات النظر، ولا اختلافًا على استحقاق ما، إنه عصف بمبادئ تأسست عليها مصر وتشكل بها المجتمع، فمصر لا تمتلك منتجًا بحجم التراث والتاريخ، وعظمة القاهرة وإعجازها يكمنان في تجاور العصور داخل حيز المكان الواحد؛ تلك الميزة التي صنعت مدنًا كروما وباريس.”
جريمة لا تغتفر
يحذر الشاعر جمال القصاص من أن إزالة المقابر التاريخية جريمة لا تغتفر، قائلاً: “هذا ليس في مصر فحسب، بل في أي مكان وزمان؛ لأنه ببساطة يؤكد فساد الأنظمة الحاكمة، التنكيل بحرمة الأموات وإزالة مقابرهم لا ينفصلان عن تنكيلها بالأحياء وهدم منازلهم واغتصاب أراضيهم، من أجل إنشاء كوبري لا يحل مشكلات الاختناق المروري المزمن الذي تعاني منه القاهرة.”
ويضيف: “هل يعقل أن تصبح بين ليلة وضحاها مقابر أعلام ومشاهير الكتاب والشعراء، والتي أصبحت رمزًا لتاريخ ووجدان أمة، مهددة بالإزالة؟”.
مقابر “ليشع ومنشه” من مكب للقمامة إلى صرح أثري
في الوقت الذي تهدم فيه السلطات المصرية مقابر القاهرة التاريخية، يُجرى ترميم مقابر “ليشع ومنشه”، الجزء الوحيد المتبقي من مقابر اليهود القرائين أو مقابر البساتين، التي تعتبر من أقدم المقابر اليهودية في العالم، وأصبحت المقبرة، التي كانت مكبًا للقمامة ومياه الصرف، صرحًا أثريًا بفضل ترميمها.