مع تزايد أعباء وفوائد الديون الخارجية التي وصلت إلى 165 مليار دولار، يعمل نظام الانقلاب بقيادة عبد الفتاح السيسي على الحصول على الدولار بأي وسيلة، حتى لو كان ذلك على حساب الشعب المصري ولقمة عيشه.
في هذا السياق، أعلنت الهيئة القومية لسلامة الغذاء عن إعادة فتح باب تصدير الأسماك لدول الاتحاد الأوروبي بعد توقف دام ثلاث سنوات.
يأتي هذا القرار في الوقت الذي تشهد فيه الأسواق المحلية ارتفاعات متوالية في أسعار الأسماك، ما أثار تخوف المواطنين من أن يؤدي تصدير الأسماك لأوروبا إلى زيادة الأسعار محليًا أكثر مما هي عليه الآن.
كان المجلس التصديري للصناعات الغذائية قد أكد أن حجم صادرات مصر من الأسماك خلال عام 2023 بلغ نحو 48 مليون دولار، مقابل 46 مليون دولار في عام 2022، و30 مليون دولار في 2021.
وقال المجلس في بيان له: خلال أول تسعة أشهر من العام الجاري سجلت صادرات الأسماك 40 مليون دولار، متوقعاً أن تصل لنحو 55 مليون دولار بنهاية 2024.
اللحوم والدواجن
المواطنون أعربوا عن تخوفهم من أن يؤدي التصدير إلى ارتفاع الأسعار، مؤكدين أن الأسماك كانت هي ملاذ المصريين لتذوق طعم البروتين بعد ارتفاع أسعار اللحوم والدواجن، وقالوا إن نار الأسعار طالت الأسماك أيضاً، مما جعلها بعيدة المنال عن القدرة الشرائية لملايين المصريين، متوقعين أن يؤدي التصدير إلى ارتفاع الأسعار أكثر وأكثر.
وأكدت هيام محمد، ربة منزل، أن أسعار الأسماك مرتفعة بشكل كبير. وقالت إن كيلو البلطى يتراوح سعره بين 120 و140 جنيهًا، والبوري يصل سعره إلى 200 جنيه، متسائلة: ماذا سيحدث بعد التصدير؟
وحذر أيمن علي، موظف، من أن تصدير أي سلعة ينعكس مباشرة على السوق المحلي، معرباً عن تخوفه من ارتفاع أسعار الأسماك بشكلٍ عام مما ينعكس على قدرة المواطنين على شرائها.
وقال علي: امتنعنا تماماً عن شراء الجمبري الذي يبدأ سعره من 350 جنيهاً، وأصبحنا نشتري البلطي على فترات متباعدة، متسائلاً: هل سنُحرم من تذوق الأسماك بعد التصدير، بعد أن حُرمنا من تناول اللحوم والدواجن بسبب ارتفاع أسعارها؟
ارتفاع الأسعار
حول قرار التصدير، قال خبير الاستزراع السمكي المهندس محمد ضافر إن فتح الأسواق الأوروبية لتصدير السمك المصري لأوروبا يصب في صالح المزارع والمربي والتاجر، لكنه على الجانب الآخر سيرفع الأسعار على المستهلك المحلي.
وأوضح ضافر في تصريحات صحفية أن تصدير السمك يعني خروج كميات كانت تدخل الأسواق المحلية إلى الخارج، وبالتالي فإن المعروض في السوق المحلي سينخفض لبعض الأنواع، خاصة الأسماك البحرية، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها، وهذا كله في مصلحة أصحاب المزارع والمنتجين.
وأشار إلى أن الأسماك البحرية التي تعيش في المياه المالحة هي المقصودة من التصدير، وليس أسماك المياه العذبة، مؤكداً أن معظم أنواع هذه الأسماك البحرية سترتفع أسعارها، مثل الدنيس والقاروص والجمبري، وغيرها، وسيكون معدل الارتفاع في الأسعار وفقاً للكميات المصدرة.
ولفت ضافر إلى أن القرار من الناحية الاقتصادية والاستثمارية قد يكون جيداً للتاجر والمزارع ودولة العسكر، لأنه سيجلب عملة صعبة من التصدير، وسيشجع على زيادة الاستثمار في مشروعات الاستزراع السمكي، خاصة وأن ارتفاع أسعار السمك سوف يشجع الكثيرين على الدخول في هذا المجال.
وأكد أن الخاسر الأكبر من القرار هو المستهلك المحلي الذي يفضل الأسماك البحرية، موضحاً أن سمك البلطي هو الأشهر والأكثر إقبالاً في الأسواق المصرية، وهي سمكة مياه عذبة وليست مالحة، وبالتالي التأثير عليها سيكون أقل من الأسماك البحرية الأخرى.
ونوه ضافر إلى أن ارتفاع أسعار الأسماك في السوق المحلي مؤخراً ناتج عن زيادة تكاليف الإنتاج، سواء أعلاف أو إيجارات أو غيرها من المنتجات الأخرى. وقال إن القرار تستفيد منه فئات عديدة، مثل مصانع الأعلاف والزريعة والسائقين ومصانع الثلج وأسواق الجملة وغيرها، لافتاً إلى أن دولة العسكر ستستفيد من عمليات التصدير بالحصول على العملة الصعبة، فضلاً عن مصانع تصنيع الأسماك التي ستقوم بالتصدير للخارج.
عملة صعبة
في المقابل، قال الدكتور أشرف يونس، الأستاذ بكلية الثروة السمكية جامعة السويس، إن إعادة فتح الأسواق الأوروبية أمام السمك المصري خطوة إيجابية يجب أن نستفيد منها من خلال زيادة الإنتاج من المصادر الطبيعية، خاصة المالحة، لأن جودة الأسماك المصرية المنتجة من المياه المالحة أعلى من العذبة.
وأوضح يونس في تصريحات صحفية أن فتح السوق الأوروبي لصادرات الأسماك المصرية حافز لاقتناص الفرصة لزيادة الإنتاج وفتح أسواق جديدة في كل أوروبا، لافتاً إلى أن السوق الإيطالي يعد أهم الأسواق الأوروبية لمنتجات الأسماك المصرية، ومن المفترض أن نهتم بهذا السوق ونتوسع في التصدير له.
وأشار إلى أن عناصر التسويق تتمثل في الميزة التنافسية بالسعر أو المنتج نفسه أو قنوات التوزيع المتعددة أو قوة الترويج، وهناك بعض البحيرات المصرية، أسماكها مطلوبة عالمياً نظراً لجودتها، من ضمنها بحيرة البردويل، مشدداً على ضرورة المحافظة على هذه الكنوز الطبيعية لاعتبارات عديدة، أهمها أنها فرصة لزيادة الصادرات وجلب عملة صعبة تعادل ميزان مدفوعات النشاط الزراعي.
وأكد يونس أن عامل التغطية السعرية يعد عاملاً مهماً في مجال تصدير الأسماك، وهو يعني عدد الأطنان التي يمكن استيرادها ويغطيها تصدير طن واحد من الأسماك المصرية إلى الخارج، موضحاً أن تصدير طن سمك واحد يجعلنا نستطيع استيراد أكثر من طن من نوع آخر مطلوب في السوق المحلي، ونغطي بهذه الكميات الفجوة.
وأضاف: الطن المصري قادر على تغطية عدد من الأطنان المستوردة، خاصة وأن أسعار السمك المصري الذي يتم تصديره أعلى من الأسماك التي يمكن استيرادها من دول أخرى وتوزيعها في الأسواق المحلية. لأن الأسماك التي سيتم تصديرها هي الدنيس والقاروص، التي تتعدى أسعارها 300 و400 جنيه للكيلو، بينما يمكن استيراد أنواع مثل البلطي أو غيره من الأنواع المطلوبة في السوق والتي تتميز بأسعارها المناسبة للسوق المصري، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة الحالية وانخفاض القدرة الشرائية للمواطن المصري.
وشدد يونس على أن تصدير السمك يوفر عملة صعبة كانت توجه إلى استيراده، لأن واردات مصر من الأسماك في 2019 وصلت إلى 11 و12 مليار جنيه، وحالياً الوضع أصعب لأن عدد السكان يتزايد والطلب يرتفع، وبالتالي فإن تصدير السمك يساعد على توفير العملة الصعبة التي كانت تستخدم في الاستيراد.