تحولت المدارس إلى ساحات للعنف والبلطجة في زمن الانقلاب الدموي بقيادة عبد الفتاح السيسي، بل شهدت بعض المدارس حوادث قتل لطلاب وأيضا لمعلمين، ما يؤكد أن المنظومة التعليمية انهارت تمامًا، ولم تعد تؤدي دورها التعليمي أو التربوي.
ورغم قيام وزارة تعليم الانقلاب بوضع لائحة انضباط مدرسية، إلا أن الأوضاع تسير من سيئ إلى أسوأ، لأن العنف في المدارس لا ينتهي بمجرد صدور قرارات، أو وضع لوائح انضباط، وإنما بالعمل على أرض الواقع وهذا ما لا تلتزم به حكومة الانقلاب سواء في قطاع التعليم أو غيره من القطاعات.
كانت تعليم الانقلاب قد أصدرت مع بداية العام الدراسي ما يسمى بلائحة الانضباط المدرسي والتي تحتوي على ٣ مخالفات تشمل:
مخالفات الدرجة الأولى البسيطة:
مثل التأخر عن الطابور أو عدم حضوره، والتأخر عن الحصة الدراسية، وعدم الالتزام بالزي المدرسي، أو الرياضي الخاص بالمدرسة، تطويل الشعر أو القصات الغريبة للأولاد والبنات، عدم إحضار الكتب والأدوات المدرسية.
مخالفات الدرجة الثانية متوسطة الخطورة:
تشمل التغيب عن المدرسة، الدخول إلى الفصل والخروج منه وقت الحصة دون استئذان، عدم حضور الأنشطة والفعاليات المدرسية، التحريض على الشجار، أو تهديد أو تخويف الزملاء في المدرسة، مخالفة الآداب العامة أو النظام العام بالمدرسة، وقيم وعادات المجتمع كالتشبه بالجنس الآخر في الملبس والمظهر، الكتابة على الأثاث المدرسي، أو مقاعد الحافلات المدرسية، أو اللعب بجرس الإنذار أو المصعد، إحضار الهاتف المحمول، أو إساءة استعمال وسائل الاتصال.
مخالفات الدرجة الثالثة الخطيرة:
تشمل التنمر، والغش أو الشروع فيه، نقل ونسخ الواجبات والتقارير، والأبحاث أو المشاريع، ونسبتها لنفسه، الإساءة اللفظية، والتطاول على الطلاب أو العاملين، التدخين داخل حرم المدرسة، ورفض التجاوب مع تعليمات التفتيش أو تسليم المواد الممنوعة، الخروج من المدرسة دون إذن، أو الهروب منها أثناء اليوم الدراسي، والتشهير بالزملاء، تزوير الوثائق الخاصة بالمدرسة، إتلاف أو تخريب أثاث وأدوات المدرسة ومرافقها.
مخالفات الدرجة الرابعة شديدة الخطورة :
ارتكاب أفعال تمثل جرائم جنائية، يعاقب عليها القانون.
بيئة تعليمية آمنة
حول هذه الظاهرة قالت داليا الحزاوي مؤسس ائتلاف أولياء أمور مصر: إن “أحداث العنف المؤسفة التي حدثت في المدارس خلال الأيام الماضية تحتاج إلى وقفة وعدم التهاون واتخاذ تعليم الانقلاب جميع الإجراءات اللازمة؛ لضمان عدم تكرارها، لأن من حق أولادنا الطلاب بيئة تعليمية آمنة”.
وطالبت داليا الحزاوي في تصريحات صحفية وزارة تعليم الانقلاب بالنظر من جديد في لائحة الانضباط المدرسية التي أقرتها مع بداية العام الدراسي الحالي، وتغليظ العقوبة في آليات التعامل مع المخالفات.
وأوضحت أن هناك تجاوزات لا يصبح مجديًا معها التعامل بالتنبيه الشفوي، أو التحذيرات الكتابية، أو الأداءات التي تُفرض على الطالب من خلال قيامه بأداء مهام مدرسية إضافية ضمن العقوبات المقررة من وزارة تعليم الانقلاب.
وحول طرق حل أزمة العنف المدرسي بين الطلاب شددت داليا الحزاوي على ضرورة العمل على تفريغ طاقات الطلاب من خلال تفعيل الأنشطة داخل المدارس، مؤكدة أن إدخال الرياضة للمدارس تساعد على بناء شخصية الطلاب، وغرس القيم والأخلاق مثل ضبط النفس والتعاون وتقبل الهزيمة والإصرار على التفوق والالتزام بالقواعد والقوانين وغيرها من الخصال الكريمة.
وأشارت إلى ضرورة عودة الدور الفعّال للأخصائي الاجتماعي لتعديل السلوكيات غير المنضبطة، وأن يكون هناك تواصل مع الأسرة باستمرار لمعالجة الخلل، مشددة على ضرورة أن تتابع الأسرة أحوال أبنائها، فمع الانشغال بتوفير الجانب المادي تغّيب دور الأسرة، وأصبحت التربية في نظرها هي توفير الاحتياجات من مأكل ومشرب وملبس فقط، متناسية اداء الدور التربوي والرقابي والتوجيهي.
سلوك عدواني
وقالت الدكتورة ليديا صفوت إبراهيم مدرس بكلية البنات جامعة عين شمس: إن “هناك عدة أسباب تدفع إلى العنف بشكل عام والعنف المدرسي هو أحد مظاهر العنف عموما التى يعاني منها الاطفال، موضحة أن من أهم هذه الأسباب أو العوامل المؤدية للعنف: الأسرة، المدرسة، الأصدقاء، وسائل الإعلام، والانتشار الواسع والسريع للتكنولوجيا”.
وأوضحت ” ليديا صفوت” في تصريحات صحفية، أن هذه الأسباب مرتبطة ببعضها، فمثلا الخلافات داخل الأسرة التي تؤدي إلى العنف اللفظي أو البدني بين الزوجين أو بينهم وبين الأبناء تؤثر في ظهور العنف بشكل عام لدى الأطفال وأحد مظاهره العنف المدرسي، لأن الطفل ينشأ على هذه الصور ويراها طبيعية بل أحيانا يراها وسيلة الحوار مع الآخرين.
وأشارت إلى أن التفرقة بين الأبناء أو التقليل من شأن الطفل أمام الآخرين أو مقارنته بغيره من الأطفال يولّد لدى الطفل شعورا بالنقص والكبت الذي قد يخرج في شكل سلوك عدواني نتيجة رفض أسرته له.
وأضافت ” ليديا صفوت” أن قيام بعض الأسر بالتنمر على أولادها من باب المزاح يجعل الطفل يعتقد أن هذا هو السلوك المقبول، فيكرره مع الآخرين أو يسقطه على غيره من أصدقائه نظرًا لعدم قدرته على مواجهة الكبار الذين يتنمرون عليه، مشيرة إلى أن هذه المشكلة متكررة في الكثير من الأسر باختلاف المستوى الاجتماعي والاقتصادي؛ نتيجة كثرة الضغوط والأعباء الملقاه على كاهل الوالدين في الوقت الحالي أو لعدم وعيهم بأهمية تفهم مشاعر الطفل.
وأكدت أن الكثير من الأسر تعتقد أن الاهتمام بالطفل قاصر على الغذاء والكساء والتعليم والعلاج فقط، وعلى الجانب الآخر يسهم التدليل الزائد في خلق العنف لدى الأطفال إذا لم يحصل على ما يريده.
الدراما المصرية
وكشفت”ليديا صفوت” أن المضامين المقدمة في وسائل الإعلام والسوشيال ميديا تؤثر في زيادة العنف لدى الأطفال ومن بينها الدراما، معربة عن أسفها لأن الدراما المصرية تتضمن مظاهر العنف بأشكاله المختلفة، بدءًا من العنف اللفظي أو التنمر وانتهاء بالقتل أو التخريب إلى آخر مظاهر العنف في الدراما، بزعم أنها نعكس الظواهر الاجتماعية الموجودة في المجتمع.
وحذرت من أن تكرار هذه المظاهر في الكثير من الأعمال من شأنه زيادة تأثيرها على الجمهور بكافة مستوياته وفئاته العمرية، وذلك في ظل غياب دور الأسرة والمدرسة وانخفاض مستوى الوعي بشكل عام، خاصة إذا كان أبطال هذه الأعمال الدرامية هم نجوم محبوبة ومفضلة لدى الجمهور، لأن الأطفال والشباب يسعون إلى تقليد تصرفاتهم، وهذا الأمر موجود وأوضحته الكثير من الدراسات منذ زمن بعيد.
وقالت” ليديا صفوت”: إن “الأخطر اليوم هو الانتشار الكبير للتكنولوجيا وما ترتب على ذلك من زيادة المنصات التي تقدم أعمالا درامية، بالإضافة لانتشار مقاطع الفيديو التي تحمل بعض مظاهر العنف أو الألفاظ غير اللائقة المأخوذة عن الأعمال الدرامية بحجة أنها trend، وبالتالي يزداد انتشارها وتأثيرها”.
ونوهت إلى أن المشكلة ليست في الدراما فقط، بل إن تأثير السوشيال ميديا والألعاب الإلكترونية والموبايل وغيرها من الوسائل التي يقضي معها الأطفال أغلب وقتهم، أمر خطير جدًا، خاصة أنه في بعض الأحيان لا تعلم الأسر ما يشاهده الطفل على الموبايل أو الألعاب التي يلعبها عليه، فقد يصل الأمر في بعض الأحيان إلى الانتحار، فضلا عن المضامين التي تبث أفكارا وقيما هدامة، فلا يقتصر الأمر هنا على العنف في حدود المدرسة فقط ،بل من شأن هذه الأفكار هدم جيل كامل.
