هروب الشركات إلى الخارج يمثل كارثة غير مسبوقة لم تشهدها مصر طوال تاريخها إلا في زمن الانقلاب بقيادة عبدالفتاح السيسي، مما يكشف حالة الانهيار الاقتصادي التي تعاني منها البلاد.
كما يؤدي هذا الهروب إلى تراجع الإنتاج، وزيادة معدلات البطالة، وتراجع الصادرات مقابل زيادة الواردات، وهو ما ينعكس على أزمة الواردات الدولارية التي تسببت في الارتفاع الجنوني في الأسعار.
خطر كبير
كشف محمد الإتربي، رئيس اتحاد بنوك مصر والرئيس التنفيذي للبنك الأهلي المصري، عن خروج 2360 شركة مصرية من السوق المحلي إلى الإمارات خلال النصف الأول من عام 2024.
وأكد الإتربي في تصريحات صحفية أن هذا النزيف الاستثماري يشكل خطرًا كبيرًا على الاقتصاد المصري، مطالبًا بتحسين بيئة العمل المحلية لدعم المستثمرين المصريين وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.
وأشار الإتربي إلى أن الإمارات نجحت في استقطاب تلك الشركات بسبب تسهيل بيئة العمل، مطالبًا بتوفير تمويلات مناسبة للمستثمرين المصريين الذين يعانون من ارتفاع تكاليف الاقتراض.
وقال: “المستثمر المصري يجب أن يشعر بالراحة حتى يثق المستثمر الأجنبي في الاستثمار داخل مصر”، داعيًا إلى إشراك القطاع الخاص في المشروعات التنموية مع تقليص تدخل الدولة في الإدارة، وأكد أن الفوائد المرتفعة على التمويلات المصرفية تمثل تحديًا كبيرًا، معربًا عن أمله في أن تقدم الدولة برامج لتعويض القطاع الخاص عن تكاليف الاقتراض العالية، مثل برامج دعم الصادرات.
أحداث ضبابية
أوضح الخبير الاقتصادي أمير شريف أن الشركات تواجه حزمة من التحديات التي لابد من إيجاد حلول جذرية لها، أبرزها خروج بعض الشركات إلى الدول المحيطة وتأسيس مقار رئيسية لها في هذه الأسواق.
وأشار إلى أن صندوق “خوارزمي” بالرياض ضخ 10 ملايين دولار خلال العامين الماضيين فقط في شركات مصرية، ومع ذلك، قامت شركات مصرية بتقليص أعمالها في مصر والتوسع خارجيًا، بينما نقل البعض الآخر عملياته إلى دول عربية محيطة.
وأضاف شريف أن الأحداث الضبابية الأخيرة التي عمت السوق المصرية دفعت إلى تراجع الشركات عن التوسع في مصر، ورغم امتلاك الدول المحيطة استراتيجيات واضحة تجاه رواد الأعمال والشركات الناشئة، فإن الشركات الناشئة في مصر كانت تسير بخطوات جيدة بفضل كفاءة القائمين عليها، لكن بدأت تتحرك نحو أسواق الخليج والأسواق العربية بسبب توجه الاستثمارات الخارجية إلى هذه الدول.
وأوضح أن هناك تحديات كثيرة تواجه الشركات في مصر، أبرزها الإجراءات المفروضة على الصرف بسبب الالتزامات الخارجية بالدولار، والتضخم وارتفاع الأسعار، مما اضطر البعض إلى تقليل أعداد العمالة ونقل مقارها الرئيسية إلى خارج مصر.
إجراءات بيروقراطية
شدد شريف على ضرورة وجود كيان وطني موحد على أعلى مستوى لتنسيق الاستراتيجيات بين الوزارات والهيئات المختلفة فيما يخص ريادة الأعمال والاستثمار في الشركات التكنولوجية، وأعرب عن أسفه لأن شركات كثيرة تواجه تحديات بسبب تضارب القوانين والإجراءات البيروقراطية التي تجعل نمو هذه الشركات أكثر صعوبة، مما يجعل نقل مقارها أمرًا حتميًا يضر بالاقتصاد وسوق العمل.
وطالب بمشاركة ممثلين من القطاع الخاص وريادة الأعمال في الكيانات الوطنية، على غرار ما يحدث في الدول الناجحة في جذب الشركات والمواهب، كما دعا إلى تطبيق قانون الشركات الصغيرة والمتوسطة ومنحها الأولوية في المشروعات الحكومية، بدلاً من الاعتماد فقط على الشركات الأجنبية.
مجلس أعلى
قال الدكتور محمد خليف، استشاري الابتكار والتحول الرقمي، إن من أهم التحديات التي تواجه الشركات الناشئة وجود فجوة بين العرض والطلب في المهارات المطلوبة، بالإضافة إلى نقص الموارد البشرية المدربة، وطالب الحكومة بتقديم برامج تدريبية متعددة، وتخصيص ميزانيات كبيرة لتطوير الجامعات الحكومية والخاصة، مع التركيز على التدريب بشكل عميق لتأهيل أكثر من 2 مليون مبرمج خلال الفترة المقبلة.
وأشار خليف إلى أهمية زيادة الطلب على المنتجات التكنولوجية المحلية للشركات المصرية، مما يساعد على توطين التكنولوجيا، مع التأكيد على ضرورة مساهمة القطاع الخاص في مشروعات التحول الرقمي الحكومية، كما دعا إلى إعادة النظر في القوانين والتشريعات وإنشاء مجلس أعلى فعال لرعاية هذه الصناعة، بحيث يعرض عليه كل ما يتعلق بالإجراءات المرتبطة باستخدام كروت الائتمان والاستيراد.
