الجيش الزّارع الوحيد .. السيسي يمنح جهاز مستقبل مصر ملايين الأفدنة وأكبر صوامع القمح وإدارة المخلفات أيضًا!!

- ‎فيتقارير

 

على الرغم من شكوى كل رجال الأعمال والمستثمرين من مخاطر العسكرة على الاستثمار في مصر، وتطفيش الشركات والمستثمرين إلى خارج البلاد، وهو ما كشف عنه رئيس اتحاد البنوك محمد الإتربي في وقت سابق بشأن هروب نحو 2360 شركة مصرية إلى الإمارات خلال أول خمسة شهور، بسبب بيئة العمل التي تدمر أي نشاط اقتصادي في مصر، وعلى الرغم من تضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي أعلن عنه السيسي ونظامه بالتوافق مع صندوق النقد الدولي، ضرورة توفير مناخ استثماري مناسب وتقليل الإعفاءات الضريبية الممنوحة لبعض الأطراف الاقتصادية، في إشارة ضمنية إلى الجيش والداخلية، لتشجيع المستثمرين على العمل في مصر، إلا أن  المنقلب السفيه السيسي يصر على نفس الأخطاء في إدارة ملف الاقتصاد المصري، بتوسيع سلطات ونفوذ الجيش الذي بات المستثمر الأول والسمسار العقاري الأول وأكبر مالك للأراضي في مصر، وأكبر تاجر وأكبر مستورد، كما كان في عهد محمد علي باشا!

 

وفي هذا السياق، قال رئيس جهاز “مستقبل مصر للتنمية المستدامة”، العقيد في الجيش بهاء الغنام، إن “إنشاء الجهاز استهدف دعم مشروع زراعة نصف مليون فدان في منطقة الدلتا الجديدة، ثم تحول بقرارات جمهورية إلى جهاز يعمل على تحقيق التنمية المستدامة في العديد من المجالات، منها المساهمة في المجال الزراعي بإجمالي أربعة ملايين فدان، وفي المجال الصناعي بأكبر مدينة لمشاريع التصنيع الزراعي بمحور الضبعة، وسوق لوجستي على مساحة 500 فدان، وإقامة أكبر صوامع في مصر بسعة تخزينية تصل إلى 2.5 مليون طن من الأقماح”.

 

وأضاف الغنام، في اجتماع مع وزيرة البيئة ياسمين فؤاد، الأحد، أن “الجهاز يتبنى فكرة الزراعة القائمة على التنوع الجغرافي لخلق التوازن في السوق المصري، والخروج إلى أسواق الدول الأخرى، إلى جانب إنشاء شركة للتحول الرقمي للزراعة في مصر لإظهار الأرقام الحقيقية لحجم الزراعات والمحاصيل، وإقامة منظومة جديدة يستفيد منها نحو 5400 جمعية زراعية لرقمنة العقود، وتحديد الأراضي بتقنية (جي بي إس) والأقمار الصناعية، مع ربط النوع الزراعي بالبصمة الطيفية لرصد المحاصيل المتنوعة”.

 

وتطرق الغنام إلى مشروع المدينة البيئية بوصفه أحد المشروعات العمرانية التي ينفذها جهاز “مستقبل مصر” على مساحة 1200 فدان في منطقة الضبعة، قائلاً: “نتطلع إلى التعاون مع وزارة البيئة في دفع المشروعات الزراعية التي يتولاها الجهاز، من خلال التركيز على الاستفادة من المخلفات الزراعية”. وبحسب بيان لوزارة البيئة، بحث الاجتماع التعاون المشترك بين الوزارة والجهاز في تعزيز الاستثمار البيئي والمناخي، وتنفيذ استراتيجية الاقتصاد الحيوي، وتنمية البحيرات.

 

وأشارت وزيرة البيئة إلى “إمكانية التعاون المشترك في مجال تدوير المخلفات الزراعية الناتجة عن مشروعات الجهاز، وتقديم خبرات الوزارة في مجال تدوير وتحويل المخلفات الزراعية إلى موارد ومنتجات جديدة”، مضيفة أن “الاستراتيجية الوطنية للمخلفات الزراعية بمثابة نقطة انطلاق للتعاون في مجال زراعة المحاصيل القادرة على تحمل آثار التغيرات المناخية، واستنباط محاصيل تربط بين تحديات تغير المناخ والتصحر والتنمية المستدامة”.

 

بحيرة البردويل

 

وعن تنفيذ تكليفات السيسي بمنح الجهاز كامل مساحة بحيرة البردويل الواقعة شمالي سيناء للبدء في أعمال التنمية الاقتصادية وتطوير مراسي الصيد لزيادة الإنتاجية السمكية، قالت فؤاد إن “الوزارة بدأت إجراءات عاجلة لحل مشكلات البحيرة، والاستفادة من الخبرات الوطنية المتاحة في مجالات تغير المناخ والبحيرات والثروة السمكية”.

 

يشار إلى أنه في 31 أكتوبر الماضي، أقر مجلس الوزراء استحواذ جهاز “مستقبل مصر” على بحيرة البردويل، استجابة لتوجيهات السيسي، الذي وجه الحكومة بالعمل على تقديم حزمة من المساعدات الاجتماعية للصيادين بهدف تعويضهم عن وقف أعمال الصيد في البحيرة، ومساعدتهم حتى تستعيد البحيرة طاقتها الإنتاجية من الأسماك.

 

وتنتج بحيرة البردويل كميات كبيرة من الأسماك تصل إلى أربعة آلاف طن سنوياً. وهي بحيرة شديدة الملوحة يبلغ طولها نحو 90 كيلومتراً، وعرضها نحو 22 كيلومتراً، ويفصلها عن البحر المتوسط ممر رملي ضيق، وتقع ضمن النطاق الإداري لمدينة بئر العبد على الساحل الشمالي لشبه جزيرة سيناء.

 

لماذا القوات الجوية؟

 

ويأتي منح الأراضي والصلاحيات غير المسبوقة لجهاز “مستقبل مصر” في وقت يعاني فيه كبار المستثمرين الزراعيين من أزمات عديدة مع أراضيهم التي استصلحوها ويجري نزعها منهم ومنحها مجاناً للجهاز الذي أُنشئ تحت إشراف القوات الجوية بموجب قرار السيسي رقم 591 لسنة 2022، بهدف معلن هو استصلاح مليون ونصف المليون فدان من الأراضي الصحراوية. وعوضاً عن ذلك، صدرت قرارات رئاسية تباعاً بضم عدد كبير من الأراضي الزراعية والمستصلحة في المحافظات لمصلحة الجهاز، سواء مملوكة للدولة ملكية خاصة أو للمواطنين، ونزعها منهم قسراً مقابل تعويضات هزيلة.

 

وتتوسع الحكومة في نقل ملكية الأراضي للشركات التي يملكها الجيش بدلاً من القطاع الخاص، بما يتعارض مع حديثها المتكرر بشأن التزامها بإفساح المجال لتعزيز دور هذا القطاع في النشاط الاقتصادي، تنفيذاً لبنود وثيقة سياسة ملكية الدولة، وتعهداتها لصندوق النقد الدولي بتقليص دور الجيش في الاقتصاد تدريجياً.

 

ومع استمرار عسكرة الاقتصاد وإسناد كل المشاريع للأجهزة والشركات العسكرية، تحرم موازنة مصر من إيراداتها الضريبية والرسوم الجمركية وغيرها من العوائد الاقتصادية، كما تتفاقم أزمات البطالة في مصر، إذ تعتمد الشركات والأجهزة العسكرية على نظام السخرة وتشغيل المجندين بلا أجور، وهو ما يفاقم فقر عموم المصريين، ويؤدي إلى تركيز الثروة في يد ثلة من اللواءات بعيداً عن ميزانية الدولة. ويظل السيسي يقترض ويتوسع في الديون التي يتحملها الشعب، دون أن يمس أموال وعرق اللواءات.

 

ولكن الخطر الأكبر يكمن في تركيز عقل الجيش بقياداته ومن ثم أفراده على سبل تحصيل الأموال وجني الأرباح، بعيداً عن مهام الجيش الأساسية في الدفاع عن أمن مصر القومي داخلياً وخارجياً. إذ أصبحت حدود مصر منتهكة من إسرائيل، كما أن أمن مصر المائي في أشد درجات الخطورة، دون أن يُفكر السيسي أو جيشه في أي تحرك أو حتى تهديد باستخدام القوة للحفاظ على حقوق مصر الأزلية في مياه النيل، التي يجري التلاعب فيها من إثيوبيا وغيرها من الدول.